الأربعاء 2018/05/02

آخر تحديث: 12:55 (بيروت)

حمص الشمالي: اقتربت ساعة الصفر

الأربعاء 2018/05/02
حمص الشمالي: اقتربت ساعة الصفر
"هيئة التفاوض" لم تصدر بعد أي توضيح لما جرى (Getty)
increase حجم الخط decrease
عُقدت جلسة المفاوضات الأصعب في ريف حمص الشمالي المُحاصر، الساعة الواحدة من بعد ظهر الثلاثاء، في معبر الدار الكبيرة بين الجانب الروسي و"هيئة التفاوض لريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي"، ودامت لأكثر من 5 ساعات، وانتهت من دون التوقيع على أي اتفاق ينهي ملف المنطقة كما كان متوقعاً. ونتج عن الجلسة تمديد الهدنة التي سبق وأعلن عنها الاثنين إلى ظهيرة الأربعاء. ويعتبر انتهاء مدة الهدنة هو انطلاق العمل بـ"التسوية" التي قدمها الجانب الروسي، أو بدء الحرب.

وكان مفترضاً أن تنقل "هيئة التفاوض"، الثلاثاء، رد المنطقة على المقترح الروسي بـ"التسوية" بدلاً عن الحرب. وبعد انتهاء جلسة الثلاثاء لم تُصدر "هيئة التفاوض" بياناً رسمياً لتوضيح مجريات الجلسة وما آلت إليه المفاوضات، ما أثار تساؤلات بين المدنيين عن مخرجاتها وعن مصير المنطقة. وحسب تسريبات حصلت عليها "المدن" من مصادر مقربة من "الهيئة"، فقد وضع الجانب الروسي رؤيته للحل، بتعنت شديد، مستخدماً التهديد. وتتضمن الرؤية الروسية بنوداً قاسية أهم ما فيها "تسليم السلاح الثقيل بشكل مباشر وقبل أي إجراء، على الطريق الدولي في مدينة تلبيسة"، و"المصالحة" مع منطقة الحولة مقابل كشف فصائل المعارضة هناك عن مصير 120 مفقوداً من مناطق النظام لديها، وفي حال عدم تبيان مصيرهم فلن تضمن روسيا سلامة المُهجّرين أثناء عملية الخروج. وكذلك الأمر بالنسبة لـ"هيئة تحرير الشام"، إذ طلب الجانب الروسي منها تبيان مصير 200 مفقود لديها.

وبحسب مصدر "المدن"، تتضمن هذه البنود التحاق الذكور من أبناء المنطقة، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 عام و42 عاماً بقوات النظام، بعد 6 شهور من تاريخ توقيع الاتفاق وبعد "تسوية أوضاعهم"، وعودة الضباط المنشقين لعملهم في الجيش. كما تضمن الرؤية الروسية إخراج من لا يرغب بالبقاء بنهاية يوم 7 أيار/مايو.

وأثارت تلك التسريبات لغطاً كبيراً، وانقسم سكان الريف بين مؤيد ومعارض للاتفاق، وسط حالة من الخوف والهلع بسبب احتمال رفض الفصائل للاتفاق ما يعني إعلان الحرب. وأعلنت فصائل معارضة، ليل الثلاثاء/الأربعاء، ببيانات رسمية، رفضها للاتفاق وإعلانها حالة الاستنفار، ورفع الجاهزية تحسباً لساعة الصفر.

أهم الفصائل التي أعلنت رفضها هي "الفيلق الرابع" الذي يضم "حركة أحرار الشام" و"حركة تحرير وطن/قطاع حمص"، و"أهل السنة والجماعة" التابع لـ"فيلق الشام". وأعلن قادة عسكريون مستقلون رفضهم القطعي للاتفاق، كما أعلنت "غرفة عمليات رص الصفوف" في مدينة تلدو بمنطقة الحولة عن رفضها الطرح الروسي.

ولا يبدو أن هذا هو الموقف السائد بين المدنيين في المنطقة، ولا يخفي كثيرون منهم الرغبة بقبول الاتفاق وتجنب الحرب. التخوف من القصف الجنوني الذي ستشهده المنطقة واحتمال تدمير المنازل فوق رؤوس الأهالي، ليس أمراً يمكن تجاهله، بعدما حدث في الغوطة الشرقية مؤخراً. وخلق ذلك تبايناً واضحاً بين العسكريين والمدنيين، وسط التشكيك بصدق نوايا الفصائل وقدراتها على صد أي هجوم محتمل.

عضو هيئة المفاوضات العقيد إبراهيم بكار، شرح لـ"المدن"، تفاصيل الاتفاق الذي عرضه الجانب الروسي، واهم ما ذكره من بنود: "تعهد الجانب الروسي باستصدار عفو عام بمرسوم جمهوري عن كل المطلوبين بمن فيهم الضباط المنشقون من أبناء المنطقة"، و"التعهد بإخراج المعتقلين من معتقلات النظام"، و"تسوية أوضاع المطلوبين من الخدمة العسكرية ومنحهم مدة تصل إلى عام لإعطائهم الفرصة لاختيار الأفضل لهم"، و"عودة مؤسسات الدولة إلى عملها"، و"من يرغب المغادرة لديه فترة سبعة أيام وله الحق بالعودة عندما يريد إلى المنطقة بشرط تسوية وضعه عند عودته"، و"فتح الطريق الدولي بين حمص وحماة والذي يعد صلة الوصل بين شمال سوريا وجنوبها"، و"عدم دخول جيش الأسد وقواته للمنطقة نهائيا وإنما من سيدخل هو الشرطة العسكرية الروسية وشرطة مدنية"، و"تسوية أوضاع الطلاب والموظفين المفصولين"، و"تسليم السلاح الثقيل وجزء من السلاح المتوسط خلال فترة ثلاثة أيام ابتداء من ظهيرة الاربعاء"، و"وضع المشافي والمرافق الطبية تحت إشراف الهلال الأحمر السوري".

"هيئة التفاوض" لم تصدر أي توضيح لما جرى في اجتماع الثلاثاء، ما يدل على خلاف كبير بين مكوناتها، من ممثلي الفعاليات المدنية والعسكرية، وعدم قدرتها على اتخاذ قرار نهائي.
أمين سر "مجلس شورى الرستن الثوري" محمد أيوب، قال لـ"المدن"، إن اجتماعات جرت في مدينة الرستن، أكبر مدن الريف، وضمت الهيئات المدنية ووجهاء المدنية وممثلي العوائل والقادة العسكريين وممثلي مدينة الرستن في هيئة التفاوض، بغرض التوصل إلى قرار موحد للمدينة. وبحسب أيوب، فأن اغلب العسكريين من المدينة من ضباط منشقين وقادة ميدانيين  صرحوا خلال الاجتماعات بأن القرار للمدنيين، وأنهم ملتزمون بهذا القرار، مهما كان.

وأضاف أن قرار غالبية الممثلين المدنيين كان لجهة قبول الطرح الروسي، لتحييد المدينة عن الحرب. وأكد أيوب أنه ليس قراراً سهلاً، ولكنه أقل الخيارات المطروحة سوءاً، بسبب عدم توافر مقومات الصمود في المدينة "أمام الهجمة التي ندرك نتائجها الكارثية المتوقعة والتي سيدفع ثمنها الأكبر الأطفال والنساء والشيوخ".

مصادر مقربة من رجل الأعمال فراس طلاس، أكدت لـ"المدن"، أن طلاس تدخل بشكل مباشر في مجريات التفاوض، عبر اتصالات مكثفة له مع جهات في المخابرات الروسية. وانتشرت مقاطع صوتية لطلاس في وسائل التواصل الاجتماعي، تحدث فيها عن اتصالاته، ويذكر في أحدها تأكيد مصير "هيئة فتح الشام" وهو الخروج من المنطقة.

وشهدت المنطقة هدوءً حذراً على كافة محاور الاشتباك، وتوقف القصف بشكل كامل منذ إعلان الهدنة الإثنين، تخلله بعض الاشتباكات على جبهة الكن شرقي مدينة الرستن أثناء صد الفصائل محاولة تقدم لمجموعة موالية للنظام. كما شهدت جبهة قرية أم  شرشوح غربي مدينة الرستن اشتباكات عنيفة لفترة نصف ساعة بعد منتصف ليل الإثنين/الثلاثاء. ولم تخلُ سماء المنطقة، رغم الهدنة، من طيران الاستطلاع الذي قام بمسح كامل مدن وبلدات الريفين.

وبعد تسريب بنود الاتفاق، الذي لم يتخذ قرار نهائي بصدده بعد، خرجت مظاهرات نادت برفضه، وطالبت الفصائل بفتح عمل عسكري على مواقع النظام والقرى الموالية المحيطة التي تتمركز فيها المليشيات الموالية والإيرانية. وأكدت مصادر من داخل مدينة الرستن أن عدداً كبيراً من الأهالي يهدد بخروج مظاهرات ضد الفصائل التي أصدرت بيانات بعدم قبولها للاتفاق، ونيتها القيام بالتصعيد الذي سيتسبب حكماً بوقوع الحرب.

وينتظر أهالي وسكان الريف بياناً رسمياً من قبل "هيئة التفاوض" التي التزمت الصمت، وسط حالة من الإرباك والخوف، خاصة بعد إغلاق النظام لمعبر الدار الكبيرة بشكل نهائي أمام المدنيين، منذ صباح الأحد. وتواصل تجمّع الأهالي على المعبر، ضمن مناطق سيطرة المعارضة. التقديرات أشارت إلى وجود 10 آلاف مدني، أغلبهم من الأطفال والنساء والمرضى، يحتشدون أمام المعبر، ممن يرغبون بالخروج إلى مناطق سيطرة النظام، هرباً من الحرب المحتلمة. النظام، وبعد إغلاقه المعبر، يحاول استغلال تلك الحشود للضغط على المعارضة للقبول بالشروط الروسية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها