الأحد 2018/05/20

آخر تحديث: 10:46 (بيروت)

موسكو و"الايام المعدودة" لدمشق

الأحد 2018/05/20
موسكو و"الايام المعدودة" لدمشق
دمشق لا تزال ضعيفة (Getty)
increase حجم الخط decrease
مرة جديدة يتكرر المشهد البائس عينه في سوتشي: بوتين يستقبل الأسد، وحيداً عند المدخل، ثم تنتقل الصورة بسرعة إلى داخل القاعة، حيث يجلس الأسد، وحيداً من جديد، ومقابله بوتين وإلى جانبه وزيرا خارجيته ودفاعه، وممثله الخاص في "التسوية السورية". يتقن الكرملين فن الصورة جيداً، ولا تعوزه الحذاقة في تحميلها كل ما بوسعه إبلاغ الأسد به، عبر ممثليه وعسكرييه الكثر في دمشق، الذين يحرص دائماً على ظهورهم في الصورة مع الأسد.

لكن الصورة، وكما سيف أبي تمام، أبلغ إنباءً من الكلام. فقد تولت إحدى الصحف الروسية "NG" الموالية للكرملين، صبيحة اليوم التالي للزيارة، في 18 أيار/مايو، توضيحها بلغة مباشرة صريحة، ودحض ما قاله بوتين للأسد حول "إنجازات الجيش السوري". فقد أشارت الصحيفة إلى أن الجيش السوري المدعوم بالطيران الروسي، عاجز عن حسم المعارك، التي تدور منذ أيام جنوبي دمشق مع المقاتلين السوريين، على الرغم من تفوقه بالعديد والسلاح.

وقالت الصحيفة، إن تحليل الوضع القائم يشير إلى أن دمشق، وعلى الرغم من نجاحاتها العسكرية، لا تزال ضعيفة، كما في السابق، وأن أيامها معدودة إذا ما حُرمت من المساعدة من جانب موسكو. ولن تتمكن الكتائب الإيرانية وفصائل "حزب الله" من الحؤول دون هزيمة الجيش السوري، إذ سيتعين عليها أن تقاتل لا "مجموعات الإرهابيين" فقط، بل وقوى التحالف الغربي وإسرائيل أيضاً.

لكن الأمر لم يكن يقتصر على ما كتبته الصحيفة الروسية، بل جاء كلامها في سياق تبدل ملحوظ في الخطاب الروسي بعد الغارة الغربية على سوريا في 14 نيسان/أبريل. وعلى الرغم من محدودية تلك الغارة ، وما وُصمت به من هزالة واستعراضية، وما سُجل في حينها من "انتصارات" للنظام والسلاح الروسي في صدها، إلا أن موسكو أدركت أبعادها العميقة، ولم تأت في حينها حراكاً "طالما أن الغارات لم تطل أي موقع أو عسكري روسي في سوريا".

وفي تعليق على السلوك الروسي هذا، تساءل في حينها كونستانتين كوساتش، الإختصاصي الروسي في الشؤون السياسية  للبلدان العربية، عن الأسباب التي منعت بوتين من تقديم العون للأسد، على الرغم من كل التهديدات التي أطلقها المسؤولون والديبلوماسيون الروس عشية الغارة. وأجاب عن تساؤله بالقول إن "موسكو لا تمتلك القوة، وهي كثيرة الكلام، الذي لا يخفي وراءه شيئاً".

لم يتخل المسؤولون الروس وإعلامهم، بعد الغارة تلك، عن مقولة "روسيا العظمى" والدور الذي لعبه في بنائها الرئيس بوتين، الذي وُصف بأنه "لينين العصر"، على قول صحيفة الكرملين "VZGLIAD". إلا أن الخطاب الروسي، ومع استمرار في عنترياته وتبجحه بالسلاح الروسي، بدأ بالتركيز على العملية السلمية في حال النزاع السوري الذي يهدد باندلاع "حرب عالمية ثالثة".

ترافق التركيز الروسي على العملية السلمية في سوريا مع رسم مسافة مع الحلفاء في النزاع السوري، خاصة الإيراني منهم، "فلا مصلحة لروسيا في إيران قوية في سوريا"، على قول صحيفة "KOMMERSANT"، التي توصف بأنها مقربة من وزارة الدفاع الروسية. وقد جاءت في هذا السياق بالذات مطالبة الرئيس بوتين بانسحاب القوات الإيرانية الشيعية من سوريا ضمن مطالبته، في حديثه مع الأسد، بانسحاب "جميع القوات الأجنبية"، الذي ينبغي أن يترافق مع انطلاق العملية السلمية في سوريا. إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف  استثنى القوات الروسية من هذا الإنسحاب، والتي ينبغي أن تبقى "طالما بقيت السلطة الشرعية السورية بحاجة لها".

يتميز الخطاب الروسي أيضاً، بعد الضربة الغربية والغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سوريا، بالتبجح بأنها صديقة الجميع في الشرق الأوسط، وبوسعها وحدها، دون غيرها، لعب دور الوسيط بين فرقاء النزاعات في المنطقة، ما يعزز مكانتها ك"دولة عظمى" في الشرق الأوسط والعالم، على قول صحيفة الكرملين، التي رأت أن النزاع الإيراني الإسرائيلي "يمنح روسيا فرصة نادرة" لتأكيد دورها هذا. وتذهب روسيا في مقولتها هذه إلى التأكيد، بأنها تفيد إقتصادياً من الصراع الإيراني الإسرائيلي المحتدم حالياً، وذلك من خلال ارتفاع أسعار النفط، حسب نوفوستي منذ أيام.

لكن التركيز الروسي المستجد على الحل السلمي للنزاع السوري، كشف عن افتراق كبير في الأولويات مع النظام السوري وحليفه الشيعي الإيراني، ما استدعى دعوة الأسد إلى سوتشي.  الخطاب الروسي، وكعادته، تميز بالمغالاة في انحيازه المستجد إلى الديموقراطية في حل النزاع السوري. وكان لافتاً، أن أولى التعليقات على لقاء سوتشي بين بوتين والأسد قد صدرت عن نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما ألكسي تشيبا، الذي أثنى على الإتفاق في لقاء سوتشي، وقال إن الديموقراطية والإنتخابات هي الحل للمشاكل الداخلية في سوريا.

لكن صحيفة الكرملين كانت قد حذرت قبل نحو أسبوع من لقاء سوتشي من أن "الليرالية المفرطة حيال المقاتلين تودي بسوريا إلى الإنهيار". وقالت ان سكان المناطق السورية، التي يجري "تطهيرها" بعد خروج المقاتلين منها، يصرون على أن تتولى الشرطة العسكرية الروسية الحفاظ على الأمن في مناطقهم. وأشارت إلى أن سكان هذه المناطق يخشون "المخابرات والشبيحة"، الذين "يميلون" إلى استخدام التطهير المتشدد للمناطق "المحررة". وأشارت الصحيفة إلى أن الشرطة العسكرية الروسية لا تسمح بدخول القوى الرسمية إلى دوما والغوطة الشرقية، ويعبر سكان هذه المناطق عن شماتتهم من دمشق مستفيدين من حماية "الشقيق الأكبر" لهم، روسيا.

الصحيفة تُحذّرُ من التساهل الروسي المفرط في عمليات التطهير هذه، وتتوجه في الوقت عينه إلى النظام بالقول، إن إغراء اللجوء إلى الدبابة والشبيحة في معالجة جميع الأمور في سوريا، قد فات أوانه، وينبغي التفكير بطرق وأساليب مختلفة، لكن "يبدو أن من عليه أن يفكر هم الروس مجدداً"، حسب الصحيفة.

قد لا يكون من دلالة أكثر مأساوية على حجم الكارثة التي يعيشها الشعب السوري من أن تتولى روسيا بوتين الدعوة إلى سيادة الديموقراطية في سوريا، وتحاشي العنف في حل جميع أزماتها. فما يعانيه الشعب الروسي من إفقار وقمع للحريات على يد سلطة الكرملين المافيوية، يشير إلى مدى "صدقية" دعوات الكرملين هذه و"واقعيتها".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها