الجمعة 2018/03/30

آخر تحديث: 15:02 (بيروت)

الروس ينذرون الجنوب الدمشقي: التسوية أو الحرب

الجمعة 2018/03/30
الروس ينذرون الجنوب الدمشقي: التسوية أو الحرب
الاجتماع الذي جرى على عجالة، لم يحضره جميع ممثلي الفصائل العسكرية (انترنت)
increase حجم الخط decrease
أثار لقاء عقد بعد عصر الثلاثاء، بين ممثّلين عن فصائل عسكرية مُعارضة عاملة جنوبي العاصمة دمشق، وجنرالاتٍ روس، بدعوةٍ من الجانب الروسي بغرض حسم ملف المنطقة كليّاً، زوبعةٌ وبلبلةً كبيرة في صفوف الأهالي والفصائل في المنطقة نتيجة الطرح الجذري الذي قدّمه الروس. وتضمّن العرض الروسي خيار البقاء و"تسوية الوضع" للمقاتلين الراغبين، وخروج الرافضين، ملوّحاً بـ"نموذج الغوطة الشرقية" في حال رفض هذه "التسوية" جنوبي دمشق.

الاجتماع الذي جرى على عجل، لم يحضره جميع ممثلي الفصائل العسكرية، بل ممثلو ثلثي القوة العسكرية تقريباً؛ وهم من فصائل "جيش الأبابيل" و"لواء شام الرسول" و"فرقة دمشق"، مع غياب ممثلي "جيش الإسلام" و"أحرار الشام"، ما خلق موجة من المناكفات والحساسيات بين الطرفين، مع إشاعة خبر أن الفصائل هي من طلبت اللقاء مع الروس لا العكس.

وكشفت التطورات الأخيرة عن حجم التخبّط والتناقض في قرار المكونات المدنية والعسكرية في المنطقة، ومحاولتها استثمار كل دقيقة قبل الامتحان الأهم الذي بدأ يلوح منذ انطلقت معركة الغوطة الشرقية، والتي آلت في النهاية لمصلحة النظام وحلفائه، مع تهجير القطاع الأوسط ومدينة حرستا، وانتظار اتفاق دوما، والذي يعتقد أنه لن يخرج عن إطار اتفاق "تسوية" مماثل، رغم أوراق الضغط التي لا يستهان بها بيد "جيش الإسلام".

التعقيد الحاصل في ملف جنوب دمشق مرتبط أساساً بوجود "داعش"، التي تكافئ عسكرياً قوّة فصائل الجيش الحر في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، والسعي من قبل قوى المنطقة إلى ترتيب الصّف الداخلي بشكل متماسك في حال إنجاز اتفاق "التهجير" الجزئي لئلا يتكرّر سيناريو القدم في البلدات الثلاث، مع الفارق الكبير بين المنطقتين، بسبب وجود قرابة 80 ألف نسمة في البلدات، والتخوّف من انفراط مشابه لخط التماس يمكّن "داعش" من التغلغل في بلدة يلدا، ما سيخلق أزمة نزوح حادّة، وخسارة كبيرة للمعارضة على مختلف المستويات.

في صف النظام وحلفائه، هناك اختلاف يُعلن عنه، من دون اتضاح الأسباب ومدى حقيقة التمايز في الرؤى بين الطرح الروسي خلال اجتماع الثلاثاء، الذي عقد في حاجز "الرهونجي" القريب من حاجز ببيلا–سيدي مقداد الفاصل بين العاصمة دمشق وجنوبها، والذي لم يأتِ على نقاش موضوع "داعش" بشكل حقيقي، في ما يبدو أنه استخفاف بالملف، وإدراك بأنه كغيره، بعد معركة الغوطة، لن يكلّف الكثير، لحظة القرار. ومن جهة أخرى رؤية النظام ممثّلاً بـ"فرع الدوريات"، ومن خلفه شعبة "المخابرات العسكرية"، الذي أعلم ممثّلي البلدات خلال لقاءين عُقدا، الأربعاء والخميس، برفضه فكرة خروج الفصائل من المنطقة، إلى ما بعد حسم ملف "داعش" وإنهاء تواجده، دون الحديث عن كيفية وآلية تطبيق ذلك.

ويرى عضو "لجنة التفاوض" التي التقت الروس، الثلاثاء، الطبيب في مستشفى شهيد المحراب في يلدا عمار عيسى، أنه لا وجود لطرحين بالأساس في ما يخص ملف المنطقة، بل هو طرح واحد يؤدي الى قيمة واحدة، مع اختلاف الترتيبات للوصول إليها. ويضيف عيسى: "الروسي شموليّ عنجهي في الطرح، على عجلةٍ من أمره لحسم الملف، لذلك أعطى مهلة رغم كل الشروحات عن وضع المنطقة وخصوصيّتها، كما هدد بالخيار العسكري، وكرّره أكثر من خمس مرّات. أما النظام وخاصّة شعبة الأمن العسكري، فهناك ترسّبات بالذاكرة مرتبطة بما حصل في حي القدم، إذ يرى أن خروج الجيش الحر خلّف فراغاً ملأه داعش، فقتل العشرات من عناصر النظام وأسر آخرين". وأشار عيسى  إلى أن الطرفين في نهاية الأمر سيتفقان على الترتيبات النهائية لإنجاز الاتفاق والذي سيتضمن عملية الإخلاء من المنطقة.

قضية الخروج من المنطقة، أثارت حساسياتٍ توارت لفترة طويلة خلف الكواليس، بين مكوّنات المنطقة وناشطيها، فمن يرى في الخروج تخليّاً عن المنطقة وأهلها، خاصّة في ظل خطر "داعش" الداهم، بعد تحوّله من "شمّاعة" إلى "فزّاعة" حقيقية إثر معركة القدم الأخيرة، وبين من يرى البقاء شروعاً في "المصالحة" و"التسوية" على حساب الثورة.

الصراع القائم بين تيار البقاء في الأرض، وتيار الثبات على الثورة، لن ينتهي، فالأطراف جميعها تقدّم جملة من الذرائع والتبريرات لمواقفها ووجهات نظرها، لكن الهاجس الأكبر في ظل هذا التنازع، يكمن في السعي لتهيئة الأجواء لمرحلة ما بعد التهجير، وصولاً إلى بناء هوية ما للكتلة العسكرية المتبقية في المنطقة، خاصّة في ظل ما يطرح عن تسوية وضع كل من سيبقى، وبالتالي اضطرار هذه الكتلة إلى العمل في ظل النظام بشكل أو بآخر، وما سيخلقه ذلك من "انشقاقات" في صفوف الفصائل ممن لا يرضى بهذه الصفقة.

خلاصة الوضع تطرح كالآتي على ما يبدو: الروس تمكّنوا من تحصيل موافقة على خروج قسم من عسكريي ومدنيي المنطقة الرّافضين للتسوية، لكن التنفيذ مؤجّل حالياً لفترة من الزمن قد لا تتعدّى شهراً، أما النظام ممثًلاً بـ"فرع الدوريات"، فيدفع عبر شبح "داعش" كل من يرغب بالبقاء إلى تشكيل كتلة عسكرية لمواجهة التنظيم. الخريطة المستقبلية لجنوبي دمشق تتضمّن شكلاً من أشكال "المصالحة"، وليس بالضرورة الإعلان عنها وقت التهجير، بل ربّما لما بعد القضاء على "داعش".

في المقابل، فإن أي "مصالحة" ستتضمن ملفات المنشقين والمتخلّفين، ودخول مؤسسات "الدولة"، والسيادة السياسية والأمنية، وغيرها من ملفات قد تؤجّل الى ما بعد إنهاك المنطقة لتحصيل مكتسبات أفضل للنظام. في هذا الوقت تتقدّم المصلحة المحليّة على حساب القيمة الثورية. ورغم وجود مساحة واسعة للتخوين وإلقاء التهم، فما هي الخيارات البديلة بيد المنطقة وأهلها الرافضين للتهجير والخروج إلى الشمال لعبور هذه المحنة بأقل الخسائر؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها