الإثنين 2018/03/26

آخر تحديث: 14:56 (بيروت)

جنوب دمشق: استثمار المصالح المشتركة بين "داعش" والنظام

الإثنين 2018/03/26
جنوب دمشق: استثمار المصالح المشتركة بين "داعش" والنظام
تنفيس الاحتقان إعلامياً عبر تحميل سليمان مسؤولية أحداث المادنية (انترنت)
increase حجم الخط decrease
أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" عن سيطرته على معظم منطقة المادنية في حي القدم جنوبي دمشق، بعد مواجهات عنيفة مع قوات النظام، استمرت 7 أيام، أدّت لتدمير وعطب آليات ثقيلة بينها دبابات وناقلة جند، ومقتل 175 عنصراً للنظام، بحسب "وكالة أعماق". فيما أوضحت مصادر "المدن" أن أعداد قتلى قوات النظام بلغت قرابة 100 عنصراً، وتمكّن التنظيم من سحب حوالي 30 جثّة منها، ووضعها حول دوار حي الحجر الأسود، معقله الرئيس، إضافة إلى أسره قرابة 12 عنصراً للنظام.

المعركة توقّفت عصر 17 أذار/مارس، بعد اتفاق هدنة بين الطرفين، تضمّن عملية تبادل أسرى مقاتلي النظام لدى "داعش" مقابل معتقلات عند النظام. ونفّذت المرحلة الأولى من الاتفاق، في 24 أذار/مارس، برعاية الهلال الأحمر السوري، فيما استمر التنظيم بنشر المواد الإعلامية المصوّرة في وقتٍ سابقٍ، ليوحي باستمرار المعركة على الأرض.

تداعيات المعركة انعكست سلباً على النظام وأجهزته الأمنية، خاصّة "فرع المنطقة" التابع لـ"الأمن العسكري"، والمسؤول عن اتفاقية تهجير حي القدم، إذ أدى التسرّع في تنفيذ عملية الإخلاء إلى فسح المجال أمام "داعش"، ليشنّ هجوماً من محاور متعددة، ويدخل إلى بعض حارات المادنية، عبر أنفاقٍ أعدّها مسبقاً، ما اضطر كل من يقطن المنطقة إلى الهرب بشكل فوضوي إلى منطقة تجمع حافلات التهجير. وفي اليوم التالي توسّعت المواجهات بعد دخول عناصر النظام واستلام خط التماس مع "داعش" الذي بسط سيطرته على معظم منطقة المادنية بعد اشتباكات دامية استمرت أسبوعاً.

صدى الفشل الذريع للنظام في إنجاز هذه الاتفاقية، وتقديمها للقيادة السياسية كنجاح إضافي في عمليات "التسوية" في دمشق وريفها، جاء نتيجة تسابق كل فرع لترويج نفسه على أنه الأصلح والأكثر حنكة في إدارة ملفات البلدات الخارجة عن سيطرة النظام، خاصّة "المهادنة" منها. هذا الصدى تجلّى علنياً بموجة انتقادات أطلقها موالون للنظام في وسائل التواصل الاجتماعي، موجّهة بشكل أساسي ضد رئيس فرع المنطقة العميد عبدالكريم سليمان، مطالبين القيادة السياسية للنظام بمحاسبته، بعد اتهامه بالمسؤولية عن المجزرة التي أودت بحياة عشرات عناصر النظام، ومنهم عناصر "مصالحات" و"ثوار سابقين"، لا قيمة لهم بنظر النظام عدا عن كونهم حطباً للمعارك. لكن بينهم أيضاً عناصر من فروع أمنية شهيرة، كـ"الفرع 215/أمن عسكري" والمعروف باسم "سرية المداهمة"، وهو من أسوأ الفروع في العاصمة دمشق وله سجل حافل بالانتهاكات والضحايا من المعتقلين، وعناصره من الطائفة العلوية بشكل أساسي.

بالطبع، تنفيس الاحتقان إعلامياً عبر تحميل سليمان مسؤولية أحداث المادنية، لن يلقَى أي نتيجة حقيقية في ظل هرمية السلطة في "سوريا الأسد"، وكون المتهم رئيساً لأحد أهم الفروع الأمنية، لكنّه يكشف عن حجم الاستياء من موالي النظام والمتضررين مما حصل، ومن الطريقة التي أديرت بها اتفاقية التهجير، التي كان النظام يسعى من خلالها إلى تحصيل مكتسبات كاملة بسيطرته على المادنية، من دون أي ارتدادات سلبية، كما يكشف عن احتمالية الخرق أحياناً من قبل "داعش" لعلاقة المصالح المتبادلة مع النظام.

التغيّير الميداني في خريطة الصراع جنوبي دمشق ساهم في صقل وجهة نظر النظام حول كيفية حسم ملف المنطقة، بأقل الخسائر، وعبر "قفازات بيضاء". إذ أدرك النظام أنه بغنى عن مواجهة عسكرية شاملة مع تنظيم "داعش"، قد توقع خسائر كبيرة، كما حدث في تجربة القدم، وقد ينقلب التنظيم عليه، بمعنى نسف جملة المصالح المشتركة والتفاهمات السرية خلال السنوات الثلاث الماضية، والدخول إلى العاصمة دمشق. وهذا على الرّغم من أنه يحتاج إلى قرار "انتحاري" من التنظيم، إلّا أنه غير مستبعد إذا رفض "داعش" تسوية ملفه سلمياً وبطريقة تضمن مصالح الطرفين.

صفحة "القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية" الروسية في سوريا، أشارت إلى احتمال التوجه العسكري إلى جنوب دمشق، بعد الانتهاء من ملف الغوطة، وقالت ليل الأحد: "أبدت مجموعات متمردة، جنوبي البلاد، استعدادها للدخول في برنامج المصالحة الروسي خلال فترة زمنية وجيزة. ونسعى حالياً إلى تقديم مهلة محددة لإنهاء التواجد المسلح غير الشرعي جنوبي العاصمة، وفي منطقة القلمون التي تحتوي على متطرفين ينتمون إلى تنظيم جبهة النصرة الإرهابية".

"داعش" قبل معركة المادنية، كان بحالة تجميد جبهات مع النظام، إلا في عملية واحدة، حصلت في كانون الأول/ديسمبر 2017، حينما تسلل مقاتلوه إلى حي التضامن وقتلوا بعض عناصر النظام وانسحبوا بعد ذلك. العملية التي اعتبرت مواجهة مباشرة بين "داعش" و"الدفاع الوطني"، ترك النظام فيها مليشيا "الدفاع الوطني" بلا مؤازرة، ما أوحى بأن النظام غضّ الطرف عن تقدّم "داعش" المحدود بغية تأديب "الدفاع الوطني". ولا يفهم هذا إلا في إطار صراع المليشيات والفروع الأمنية، وسياق التدافع الدائم في ما بينها ضمن مظلّة نظام تهشّمت مركزيّته، خاصة بعد التدخلين الروسي والإيراني.

وجاءت عملية المادنية، الثانية في مواجهة النظام، ليقطف "داعش" ثمار اتفاق ثنائي بين النظام والمعارضة، مستغلّا البلبلة والفوضى الميدانية، والإمكانية الكبيرة للتقدّم على الأرض، مع ما يعطي ذلك للتنظيم من دفعة على صعيد الروح القتالية لعناصره، وتأكيداً على رسالته الدائمة "باقية وتتمدّد" رغم انحسار "الدولة". ولا يمكن أن نغفل أهم رسائل المعركة السياسية، وهي السعي الدائم لتحصيل مكتسبات وامتيازات إضافية في علاقة النظام–داعش، لضمان مصير أفضل من الخيار العسكري الشامل، ولكسب تسوية تناسب "داعش" على المدى البعيد، إن كان لجهة إجلاء بعض قياداتها ومقاتليها، رغم صعوبة الطرح، وإطلالة منطقة "حوض اليرموك" على الواجهة في تسوية كهذه، وما تعنيه من تنغيص على أميركا والأردن ومن خلفهما إسرائيل بطبيعة الحال.

الأحداث الأخيرة في حي القدم تكشف عن طبيعة العلاقة الشائكة بين "داعش" والنظام، فهي ليست علاقة عمالة تامّة، كما يروّج البعض، بل استثمار متبادل لمساحة المصالح المشتركة، أي أنها تبقى في الإطار التكتيكي، وقد تجلّت بشكل واضح في إخراج قيادات "داعش" من المنطقة وإدخال أخرى. معالجة جرحى التنظيم في مشفى المهايني في دمشق، إدخال ذخيرة محدودة لقتال فصائل الحر، والتبادل التجاري والاقتصادي. لذلك فإن "داعش" البراغماتي في حالات الضعف، ونظام الأسد الراغب بأقصى استثمار لورقة التنظيم في اتجاهات متعددة، يشكلان طرفي معادلة من الصعب اليوم توقّع حسمها باتجاه خيار واحد عندما يحين الامتحان الأخير لملف جنوب العاصمة دمشق. فالخيارات جميعها مطروحة، من "التسوية السلمية" وإن كانت جزئية، إلى المواجهة العسكرية الواسعة، وصولاً لرغبة النظام الجامحة في استعمال "الإرهاب في ضرب الإرهاب"، أي قتال "داعش" من خلال الجيش الحر، بعد سنواتٍ من تحقيق المعادلة معكوسة.

تنتظر منطقة جنوب دمشق أياماً مصيرية خاصّة مع الاقتراب من حسم ملف الغوطة الشرقية لصالح النظام وحلفائه، وتبرز في المشهد صراعات متعددّة، أهمها تنظيم "داعش" ومصيره في المنطقة، وما يعنيه ذلك للنظام من هواجس قلب الطاولة رأساً على عقب. وفي خضم هذه المعمعة، تواجه فصائل وبلدات يلدا وببيلا وبيت سحم امتحاناً استثنائياً للوصول إلى توافق عام يحدّد قرارها الأخير، والصعب في كل الحالات، والذي ينحو باتجاه عقد صيغة توافقية بين المدنيين والعسكريين، تضمن بقاء الراغبين في المنطقة ومواجهة "داعش"، مقابل خروج الرافضين لأي "تسوية" مع النظام.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها