الأحد 2018/12/16

آخر تحديث: 12:44 (بيروت)

درعا: النظام يرث المعارضة... وفساد رموزها!

الأحد 2018/12/16
درعا: النظام يرث المعارضة... وفساد رموزها!
(انترنت)
increase حجم الخط decrease
حققت "اتفاقية التسوية" التي أبرمتها فصائل المعارضة مع ميليشيات النظام في جنوب سوريا العديد من "المكاسب" للنظام وداعميه، ما تجاوز حد السيطرة الجغرافية والعسكرية واستعادة خزان بشري من المدنيين والمقاتلين،إذ سيطر النظام على "إرث" كبير تركته المعارضة خلفها، من معامل ومشاريع وآليات انفقت عليها ملايين الدولارات، خلال السنوات الماضية.

هذا "الإرث" في ريف درعا الشرقي كان معظمه من نصيب مليشيات النظام تتقدمها "قوات النمر" و"الفرقة الرابعة". فالمليشيات دخلت المنطقة بشكل عسكري، ومن دون اتفاقية "تسوية" باستثناء مناطق سيطرة "قوات شباب السنة" سابقاً، والتي انضمت إلى "الفيلق الخامس" لاحقاً. وهذه المنطقة شهدت عمليات سلب ونهب واسعة جدًا، طالت بالإضافة الى منازل المدنيين وممتلكاتهم، ما تضمه من معامل ومحطات رئيسية للكهرباء ومحولات التوتر العالي المحلية ومشاريع التوليد باستخدام الطاقة الشمسية. كما أن النهب طال الأفران والمطاحن التي مولها الائتلاف المعارض، وعدداً من المنظمات الخيرية خلال السنوات الماضية. كما نهبت المليشيات المشافي الميدانية ومحتويات المدارس التي أُعيد ترميم العشرات منها خلال الأشهر التي سبقت الحملة العسكرية.

الكثير من هذه المسروقات أعيد بيعه في الأسواق المحلية في محافظة درعا وغيرها من المحافظات. ويمكن اعتبار أن النظام فشل في الاستفادة مما استعاد السيطرة عليه، بل إنه كان متضرراً من بعض عمليات النهب التي طالت محطتي كهرباء المسيفرة والحراك والتي كانت تخضع لإشراف مديرية الكهرباء التابعة للنظام. وسيكّلف ذلك النظام لاحقاً مئات الملايين لإعادة تشغيلهما بعد ما تعرضتا له من نهب وسرقة.

إطلاق يد مليشيات النظام في عمليات النهب والسرقة، تُعتبر جزءاً من مكافأة عناصر المليشيات وإغرائهم بهدف المشاركة في العمليات العسكرية، وليست محافظة درعا وحدها في كذلك، بل تُعتبر سياسة ممنهجة في جميع المناطق التي دخلتها المليشيات خلال السنوات الماضية.

أما في مدينة درعا وريفها الغربي وصولًا إلى محافظة القنيطرة، وهي المناطق التي انضمت فصائلها إلى اتفاقية "التسوية" ودخلتها الشرطة العسكرية الروسية، فكان ما تركته المعارضة من "إرث" من نصيب مؤسسات النظام ودوائره الخدمية. فوضعت مديرية الصحة على سبيل المثال يدها على المشافي الميدانية والمراكز الصحية، وأجرت عمليات جرد واستلام دقيقة لها، ووضع مجلس المحافظة يده على مكاتب وآليات مجالس المعارضة.

انتقال هذه الممتلكات من يد المعارضة إلى يد النظام وإجراؤه لعمليات جرد وتقييم لها، كشف عن ملفات فساد تشير بشكل أو بآخر إلى غياب مبدأ المحاسبة أو الرقابة على عمل هيئات الائتلاف المعارضة والجهات المراقبة لعمل المنظمات والجمعيات الخيرية.

من ضمن هذه الملفات، ما أطلعت عليه "المدن" من عملية نقل المعارضة في درعا البلد في مدينة درعا لمخبز كانت تمتلكه إحدى المنظمات الخيرية ليتم تسليمه لصالح الشركة العامة للمخابز في محافظة درعا التابعة للنظام. المخبز الذي تم تدشينه وافتتاحه في درعا البلد، أثناء سيطرة المعارضة عليها، باعتباره جديداً وغير مستعمل في العام 2015، اكتشف النظام أثناء عملية التسليم أنه ذاته مخبز مدينة الشيخ مسكين الذي تعرض للسرقة بالكامل بعد سيطرة فصائل المعارضة على المدينة مطلع العام 2015.

أيضاً، وضعت إدارة الخدمات الطبية في وزارة الدفاع التابعة للنظام يدها على "حاوية" ضخمة تضم معدات وأجهزة طبية حديثة وجديدة، قام أحد عملاء النظام بتسليمها قبل أشهر في إحدى بلدات محافظة القنيطرة. مصادر "المدن" قالت إن هذه "الحاوية" تضم معدات تعود لمشفى "الشهيد عيسى عجاج الميداني" في حي طريق السد في مدينة درعا، وأن العاملين على المشفى جمعوا المعدات قبيل سيطرة مليشيات النظام على الطريق الحربي وقطع الطريق باتجاه ريف درعا الغربي في حزيران/يونيو، وقاموا بإرسالها إلى إحدى البلدات قرب الجولان المحتل، والتي كانت تشهد حينها تحشداً لمئات الآلاف من النازحين.

"اغتنام" النظام لهذه المعدات ليس الأمر الوحيد المفاجئ، بل كشفت المصادر أن معظم المعدات والأدوات هي جديدة بالكامل ولم يتم استعمالها من قبل، ومن بينها جهاز تنظير عظام مع كامل معداته، وتجهيزات لغرفة عمليات طوارئ لم يتم استعمالها من قبل. على الرغم من أن المشافي الميدانية في عموم المنطقة الجنوبية كانت تعاني عجزاً كبيراً على المستوى البشري والتقني، ما جعلها تعتمد على المشافي الأردنية والإسرائيلية في علاج المصابين والمرضى، وما يترتب على ذلك من تداعيات عند إغلاق الحدود.

لن يكون من السهل التحقيق أو إعادة فتح ملفات الفساد أو الهدر المالي لهيئات المعارضة والمنظمات الخيرية التي عملت في مناطق سيطرتها طوال السنوات الماضية، سواء في محافظة درعا أو غيرها. الغموض الذي أحاط التفاصيل المالية لهذه المنظمات ومدى إنجاز مشاريعها في ظل الحرب، ثم دخول هذه المناطق في اتفاقية "التسوية"، وانضمام كثيرين ممن كانوا يعملون في هيئات المعارضة إليها، يجعل إمكانية كشف ملفات فساد المعارضة أمراً مستحيلاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها