الأحد 2018/10/21

آخر تحديث: 12:38 (بيروت)

الباب: ما علاقة "الأمانة العامة" بـ"جيش الإسلام"؟

الأحد 2018/10/21
الباب: ما علاقة "الأمانة العامة" بـ"جيش الإسلام"؟
Getty ©
increase حجم الخط decrease
أصدر عشرات الناشطين والإعلاميين المُهجّرين من الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري بياناً قالوا فيه، إن ما يسمى "الأمانة العامة للغوطة الشرقية في الشمال السوري لا تمثل أهالي الغوطة، ولا يحق لها التحدث باسمهم".

وطالب البيان جميع الأطراف التي تعنى بأمور مهجري الغوطة "الابتعاد عن المتاجرة باسمهم"، وطالب لجان البلدات المهجرة "التابعة لمحافظة ريف دمشق الحرة" أن "تبذل المزيد من الجهود لتوحيد عملها وتلبية حاجات المهجرين".

وجاء البيان في سياق تصاعد الخلافات بين "الأمانة العامة للغوطة الشرقية في الشمال السوري" و"محافظة ريف دمشق الحرة"، حول شرعية كل منهما في تمثيل أهالي الغوطة المهجرين.

ووصلت الخلافات ذروتها عندما اتهم أعضاء "الحراك الشعبي"، المحسوب على "الأمانة العامة" و"جيش الإسلام"، كلاً من نائب رئيس "الحكومة المؤقتة" أكرم طعمة، ورئيس "مجلس محافظة ريف دمشق الحرة" مصطفى سقر، بـ"الاختلاس وسرقة مبالغ طائلة من صندوق الحكومة والمحافظة". "الحراك" وجّه ذلك الاتهام لهما، بمقاطع مصورة في 10 أكتوبر/تشرين الأول، وطالب "ريف دمشق الحرة" تسليمه الأموال الموجودة في صندوقها والتي كانت بحوزتها في الغوطة الشرقية. وهدد أعضاء "الحراك الشعبي" نائب رئيس الحكومة ورئيس مجلس المحافظة، بالكشف عن فضائح بحقهما، إن لم يتم تسليم تلك المبالغ خلال 15 يوماً. وقال "الحراك" إن المطالبة بأموال المحافظة هدفه وضعها في مشاريع بناء سكنية تأوي جميع مُهجّري الغوطة الشرقية.

غاية وتوقيت تلك الاتهامات ليست عبثية، ويعلم الجميع أنه لا يمكن لكيان رسمي كالمحافظة أن يسلم كتلته المالية، بمجرد اتهام رئيسه بقلة النزاهة، خاصة أن الطرف الذي يُطالب بالمال هو كيان شعبي محسوب على "جيش الإسلام"، ولا يحظى باعتراف رسمي من أهالي الغوطة. "ريف دمشق الحرة" كانت قد حصلت على تلك الأموال بموجب مذكرات تفاهم مع جهات داعمة متعددة، لإنجاز أعمال إدارية أو خدمية محددة.

ويبدو أن الهدف من تقاذف الاتهامات هو التمهيد لتدخّل الكيان الوليد "الأمانة العامة"، بشكل رسمي، في النزاع. وتدعي "الأمانة" تمثيل أهالي الغوطة بالكامل، رغم تقوقعها في مدينة الباب شمالي حلب. وسيكون تدخلها كوساطة بين "ريف دمشق الحرة" و"الحراك الشعبي"، مؤقتاً، قبل أن تبدأ بفرض قراراتها.

أكرم طعمة، نائب رئيس "المؤقتة"، أوضح رداً على الاتهامات في إحدى مجموعات "التلغرام" المخصصة لفعاليات الغوطة، كيفية صرف الأموال والمشاريع التي تم تنفيذها خلال حصار الغوطة، وجلّها خُصص لدعم الخبز. وكذلك ردّ مصطفى سقر، رئيس "محافظة ريف دمشق الحرة"، في "تلغرام"، وقال إن ما كان في صندوق المحافظة قبل التهجير هو 70 ألف دولار، نُقلت من دوما إلى الشمال السوري، ومبلغ 242 ألف دولار تم إيداعها لدى "القيادة الثورية" في القطاع الأوسط. "القيادة الثورية" سلمت الـ242 ألف دولار لقيادة "فيلق الرحمن"، قبل قرار التهجير بيومين، وبعد مطالبة المحافظة "الفيلق" بالمبلغ بعد التهجير، قالت قيادة "الفيلق" إن المبلغ قد صُرِفَ على جبهات الغوطة، ما أدى لرفع المحافظة دعوى قضائية ضد "الفيلق"، لم يُبَتَ فيها حتى اللحظة.

تعاطي طعمة وسقر مع الاتهامات بثقة بالنفس ولامبالاة بالاتهامات، كان متوقعاً لدى "الأمانة العامة"، التي أرادت استثمار الأمر لتأخذ دورها ككيان مدني رسمي، فأصدرت في 14 تشرين أول/أكتوبر "أمر تكليف" يضمن تشكيل لجنة "منبثقة عن الأمانة العامة" مهمتها متابعة موضوع أموال المحافظة. وبيّن أمر التكليف أن "الأمانة" تدخلت كوسيط بين الطرفين، على أن يكون دورها ضمان إيقاف المادة الإعلامية لـ"الحراك الشعبي" مقابل سماح المحافظة لـ"اللجنة بالإطلاع على الأموال والبت بمصيرها". وبذلك تكون "الأمانة العامة" قد حصلت على شرعية رسمية من المحافظة، تجعلها ممثلاً شرعياً عن أهالي الغوطة، بأبسط الوسائل. وقد تقرر اللجنة المنبثقة عنها منح أموال المحافظة لـ"الحراك الشعبي"، ليضعه في مشروع البناء المحسوب على "جيش الإسلام".

رفضت "محافظة ريف دمشق الحرة" الاجتماع مع أعضاء "اللجنة" باعتبار "الأمانة العامة" جهة غير رسمية ولا يوجد فيها تمثيل لمدن وبلدات الغوطة الشرقية، وإنما يقتصر أعضاؤها على مهجري الغوطة في مدينة الباب. واستاءت "الأمانة العامة" من موقف المحافظة وأصدرت بعد يومين بياناً طالبت فيه "المحافظة" بتوضيح أسباب الرفض. ثم دفعت "الأمانة العامة" بـ"الحراك الشعبي" إلى التصعيد الإعلامي مجدداً على لسان "أبو صبحي الغريب"، أحد أعضاء "الحراك". الغريب اتهم "المحافظة" بالتقصير تجاه أهالي الغوطة وأنها لا تمثلهم قانوناً، وشكك بشرعية لجان المهجرين التي تستند إليها المحافظة، وقال إن لا شرعية لمجلس المحافظة الحالي لأن انتخابه تمّ في الغوطة وبقي عدد من أعضائه في الغوطة تحت سيطرة النظام. وأضاف الغريب إن المحافظة بدأت تهاجم "الحراك" لأنه طالب بفتح ملفات قد تكشف الفساد الإداري والمالي عندها.

سعي "الأمانة العامة" للظهور إعلامياً والحصول على شرعية رسمية من أهالي الغوطة لم يبدأ عند مطالبة "الحراك" بأموال المحافظة، بل سبق وفوجئ أهالي الغوطة بوجود "الأمانة"، أواخر أيلول/سبتمبر عند اطلاقها معرفاتها في وسائل التواصل الاجتماعي، أول ما نُشر فيها صور تظهر قيام "أبو أحمد عدس" رئيس "الأمانة" حالياً ورئيس "مجلس إدارة المكتب الإغاثي في الغوطة" بإهداء دروع باسم "الأمانة" لعدد من قادة فصائل المعارضة في الشمال السوري، لاستمالتهم وكسب اعترافهم. بعد أسبوع من ذلك، أعلنت "الأمانة العامة" عن فتح باب الاكتتاب على شقق سكنية قيد التجهيز في مدينة الباب، التي يروج لها أعضاء "الحراك الشعبي" مطالبين بوضع أموال المحافظة لبنائها. وسبق ذلك ظهور أحد أعضاء "الحراك" على ارض إحدى المشاريع السكنية، وهو يقول إن "جيش الإسلام" يشرف على بناء بيوت لأهالي الغوطة، ويذم ببقية الفصائل. ويؤكد ذلك ارتباط "الأمانة العامة" و"الحراك الشعبي" بـ"جيش الإسلام".

تعاطي "محافظة ريف دمشق الحرة" مع "الأمانة العامة" و"الحراك الشعبي"، بشكل سلبي، دفعهما لتصعيد هجومهما. أعضاء "الأمانة" و"الحراك" وزعوا، الخميس، في وسائل التواصل، رسالة قالوا إنها من قاطني المخيمات في الشمال موجهة إلى رئيس "الحكومة المؤقتة" جواد أبو حطب. واتهمت الرسالة نائب رئيس "الحكومة المؤقتة" أكرم طعمة، ومحافظ ريف دمشق مصفى سقر، والمهندس سمير بويضاني، بـ"نهب المال المخصص لأهل الغوطة"، وجاء فيها: "نطلب منك التالي وسنلتزم الأدب بمخاطبتك احتراماً لك لأننا لازلنا نعتقد بك خيراً"، والتالي هو: "الضغط على المتهمين لتسليم أموال المحافظة لهم لاستكمال أعمال السكن".

الظهور المفاجئ لـ"الأمانة العامة"، من دون بيان تشكيل، سببه فشلها المسبق بالحصول على ممثلين رسميين عن أهالي الغوطة في الشمال بشكل عام. وكان مؤسسو "الأمانة" قد طلبوا من وجهاء وفعاليات مدن وبلدات الغوطة تسمية ممثلين عنهم في مدينة الباب، كمندوبين للإشراف على مشاريع البناء، على أن يكون أولئك المندوبون قاطنين في الباب. وغالبية المُهجّرين في مدينة الباب هم من المحسوبين على "جيش الإسلام". وبعدما حصل المؤسسون على تسمية المندوبين في المشاريع السكنية، طلبوا تعديل تسمية أولئك المندوبين ليصبحوا ممثلين رسميين عن البلدات في الشمال، ويكونوا أعضاء "الأمانة العامة"، لابطال دور "لجان المجالس المحلية" التي يستند عليها كيان "مجلس المحافظة". وقوبل ذلك بالرفض، وبقيت "الأمانة" في حالة العوز للشرعية.

مصطفى سقر، قال لـ"المدن": "تستمد المحافظة شرعيتها وقوتها من ناحيتين؛ الأولى إنها كيان رسمي مرتبط بالحكومة المؤقتة، والثانية أنها حاصلة على اعتراف 22 لجنة محلية تمثل مختلف مناطق الغوطة، هذه اللجان حاصلة على تفويضات خطية موقعة من المهجرين".  وأضاف: "مجلس المحافظة يضم أيضاً لجان مجالس من بقية مناطق ريف دمشق التي هُجّرت إلى الشمال قبل الغوطة الشرقية كلجان وادي برى والغوطة الغربية والقلمون الغربي".

وعن نشاطات المحافظة بيّن سقر، أن للمحافظة سجلاً مدنياً معترفاً به في الشمال، وله ثلاثة مراكز؛ في الأتارب والمعرة وعفرين، ويقوم السجل بتثبيت كافة الواقعات المدنية لمهجري ريف دمشق ويمنحهم الأوراق الثبوتية اللازمة. كما يتبع للمحافظة مكتب إحصاء، يتم من خلاله تنظيم أمور المهجرين. وأنشأت المحافظة في مدينة الباب مشروع رعاية وإيواء للحالات الصحية الخاصة من المهجرين.

 مدير المكتب المالي في المحافظة عبدالكريم أبو عبدالله، قال لـ"المدن": "أصدرنا بياناً مالياً كاملاً يشمل كافة التفاصيل بما فيها الأموال التي بعهدة فيلق الرحمن، تم تدقيقه من قبل لجنة مختصة وتم نشره على صفحة مجلس المحافظة في الفيسبوك، ولا يوجد لدينا ما نخفيه ونحن جاهزون للسؤال من أي جهة مدنية بشرط أن تكون رسمية ومعترف بها".

بالتزامن مع هذه الأحداث، يسعى ممثلو "اللجان المحلية" مع الفعاليات والشخصيات الثورية المعتبرة لإنشاء كيان ثوري مدني مستقل، يُمثّلُ كافة مناطق ريف دمشق، سيطلق عليه اسم "الهيئة العامة لدمشق وريفها". ويتم التنسيق حالياً بين فعاليات الغوطة مع باقي فعاليات ريف دمشق لإطلاق هذا الكيان. وتتميز "الهيئة" عن "محافظة ريف دمشق الحرة" بانبثاق مكاتب مختصة عن "الهيئة"، أما المحافظة فهي عبارة عن لجان محلية. وقد تم الانتهاء من وضع النظام الداخلي لـ"الهيئة" من قبل لجنة مختصة، وتعمل الآن لجنتها التحضيرية لوضع الأسس لاختيار ممثلي المدن والبلدات.

إطلاق مشروع "الهيئة العامة لدمشق وريفها"، قد يقطع الطريق أمام تشكيل أية كيانات جديدة منعزلة ضمن مناطق جغرافية صغيرة، أو مرتبطة بإيديولوجيات وولاءات لأطراف محددة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها