السبت 2018/10/20

آخر تحديث: 10:08 (بيروت)

درعا: "هالة إيمانية" تحيط بخطباء المساجد

السبت 2018/10/20
درعا: "هالة إيمانية" تحيط بخطباء المساجد
انترنت
increase حجم الخط decrease
بدأت وزارة الأوقاف ما أسمته "برنامج التوجيه الإيماني والوطني في محافظة درعا"، القائم على إيفاد خطباء للمساجد من الموالين للنظام، لخطبة الجمعة في مساجد المدن والبلدات التي استعادت مليشيات النظام السيطرة عليها مؤخراً، بالإضافة للمساجد الرئيسية في مدينتي درعا وإزرع.

وجميع الخطباء الذين حددتهم وزارة الأوقاف معروفين بموالاتهم للنظام، واستغلالهم الخطاب الديني إعلامياً بهدف الترويج للنظام، طيلة السنوات الماضية؛ عبدالسلام راجح عضو مجلس الشعب السابق، وأحمد قباني مدير أوقاف مدينة دمشق عضو مجلس محافظة دمشق سابقاً، ومأمون القادري الذي ظهر خطيباً في مسجد مدينة القارة عندما أدى بشار الأسد صلاة عيد الأضحى في أيلول/سبتمبر 2017، وغيرهم من خطباء مساجد دمشق والمحاضرين في جامعتها، باتوا زواراً متكررين لجوامع درعا.

"المدن" رصدت أكثر من خطبة في "البرنامج" الذي بدأ منذ منتصف أيلول/سبتمبر، وتمحورت معظم خطبه بالدعوة إلى "المصالحة" و"العودة إلى حضن الوطن" و"الحياة الآمنة" و"محاربة الإرهاب" و"التوعية بحب الوطن"، من دون أن تخلو من التأكيد أن تلك "المبادرات" تقودها "الدولة السورية". وتضمنت الخطب الكثير من المقارنة بالأوضاع المعيشية خلال السنوات الماضية، وتحسن الخدمات بعد سيطرة مليشيات النظام على المنطقة الجنوبية.

في البداية، بحث النظام عن إعطاء هؤلاء الخطباء نوعاً من "الهالة الإيمانية"، من خلال إيصالهم إلى المساجد برفقة طلاب المعاهد الشرعية، ليمنحهم صورة أمام المصلين بأنهم من "العلماء" الذين يملكون المخزون الديني والشرعي والفكري. وبهذا يُعرّفون عن أنفسهم بطريقة غير مباشرة، ويكسرون الحاجز الأول الذي قد يتشكل بينهم وبين المصلين الذين اعتادوا على الخطباء المحليين من أبناء بلدتهم.

ويحظى كل خطيب بـ"مُنسّقٍ" من أبناء المنطقة، يتولى مهمة الترتيب للزيارات والاجتماعات التي سيقوم بها الخطيب مع الوجهاء المحليين، في محاولة للتقرب من الحاضنة الشعبية ومواصلة حملة الترويج لخطاب النظام الذي بدأ من المساجد وانتقل إلى خارجها.

الدور الذي يمارسه هؤلاء الخطباء خارج المساجد، ربما يتجاوز في أهميته ما يمارسونه داخلها. إذ يستهدف كل مُنسّقٍ تجهيز وليمة غداء للخطيب ومرافقيه، وجمع أكبر عدد ممكن من الوجهاء للمشاركة فيها. وربما يشارك الخطيب في المناسبات المحلية التي تشهدها البلدة، للترويج للنظام وخطابه فيها والتحدث مع الحاضرين والتقرب منهم، مستغلاً "التقدير" الذي يضعه المجتمع المحلي لـ"علماء الدين" وخطباء المساجد.

رغم ما يُعرف عن بعض هؤلاء الخطباء من قربهم من الخطاب الشيعي، إلا أنه كان واضحاً في الخطب التي استطاعت "المدن" رصدها، وهي متقاربة من بعضها، أن الخطباء أظهروا حرصاً كبيراً على عدم الترويج للخطاب الشيعي، رغم دعوتهم للالتحاق بصفوف مليشيات النظام بشكل متكرر.

قد يُفهم من حرص الخطباء رغبة وزارة الأوقاف، وأجهزة النظام الأمنية من خلفها، بعدم إثارة الخطاب "الطائفي" في منطقة لم يمضِ على استعادة السيطرة عليها إلا أشهر قليلة، من دون إغفال الحضور الروسي في المنطقة، والذي يفترض أنه مرتبط بمنع التمدد الشيعي جنوبي سوريا. ولا ينفي ذلك أن الخطاب الشيعي موجود بشكل أو بأخر، إلا أن النظام يبحث عن عدم إظهاره ولا استخدامه بشكل علني وفظ.

وزارة الأوقاف عمدت إلى نقل الخطباء وتغييرهم بشكل مستمر، بحيث لا يتواجد الخطيب في البلدة نفسها إلا لمرة واحدة فقط، ويتم تغييره بخطيب آخر في الجمعة التي تليها، ويُكرر الخطيب الجديد محاولة التقارب مع المجتمع المحلي.

تهدف سياسة التناوب بين الخطباء إلى إعطاء هذا "البرنامج" الزخم المتواصل في كل أسبوع. الترويج للخطاب ذاته، بأساليب متغيرة، ومن أشخاص مختلفين، وخلال فترات زمنية قصيرة ومتصلة، ما يُساعد بترسيخ مضمون الخطاب وإيصاله إلى شريحة أوسع من الناس.

ويرى مراقبون أن انتقال النظام من سياسة تدمير المساجد بقصفها، إلى استخدامها للترويج لخطابه الفكري بشكل ممنهج ومدروس، يوازي انتقاله من مرحلة السيطرة العسكرية إلى مرحلة استعادة السيطرة الكاملة على كافة مفاصل الحياة في سوريا، والتي تُستَخدَمُ فيها المؤسسة الدينية كإحدى وسائل السيطرة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها