بعد أجواء من التسخين الكلامي والتهديدات الاسرائيلية بشن عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، شهدت الجبهة الجنوبية تصعيداً ميدانياً لافتاً، صباح الأربعاء، تمثل بشن الطائرات الإسرائيلية غارات قوية على اهداف عدة في القطاع، رداً على إطلاق صاروخ "دقيق" سقط على منزل في النقب، ما أدى إلى حدوث اضرار مادية جسيمة فيه.
تصعيد دفع المجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر (الكابينيت) إلى الغاء جلسته، التي كانت مقررة الأربعاء، للتباحث بشأن التطورات الميدانية على حدود غزة، وقطع رئيس اركان الجيش الإسرائيلي غادي ايزنكوت زيارته لنيويورك وعاد إلى تل ابيب.
واصدرت قيادة الجبهة الداخلية في إسرائيل تعليمات جديدة للمستوطنين القاطنين في المستوطنات المحاذية للقطاع. وتأخر بدء اليوم الدراسي فيها ساعتين كما فُرضت قيود على التجمهر.
وتم اغلاق معبري "بيت حانون- ايرز" و"كرم ابو سالم" الواصلين الى القطاع، وتقليص منطقة الصيد للغزيين المسموح بها الى ثلاثة اميال بحرية فقط، وذلك في إطار إجراءات عقابية جماعية ضد سكان القطاع كما يحصل عادة في مثل هذه الحالة.
ويأتي التصعيد الميداني بالتزامن مع قدوم الوفد الأمني المصري (على مستوى ضباط) الى غزة، الثلاثاء، للتباحث مع "حماس" بشأن التهدئة والمصالحة مع فتح، قبل زيارة يجريها رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، الخميس، إلى تل أبيب ثم رام الله.
والواقع، أن لا أحد يمكن أن يقدر مآل الأمور الميدانية في قطاع غزة، على ضوء الحديث عن نية وزير الجيش افيغدور ليبرمان تقديم خطة لـ"الكابينيت" تقضي بشن هجوم عسكري واسع ضد القطاع، بسبب رفض حركة "حماس" وقف مسيرات العودة على الحدود الشرقية وفشل جهود الوساطة عبر الأمم المتحدة ومصر وقطر، على حد ادعاء ليبرمان.
وبغض النظر عن الجهة التي اطلقت الصاروخ باتجاه النقب، فإن اسرائيل توعدت بالرد بقوة، لكن المراقبين يجمعون على أن وجود الوفد الأمني المصري في الاراضي الفلسطينية يعتبر عاملاً مهماً لمنع اي انزلاق نحو سيناريوهات لا تُحمد عُقباها، كما أن الإعلام العبري أدرج الحديث عن خطة ليبرمان في سياق المناكفة السياسية الداخلية في إسرائيل؛ إذ إن الخطة عبارة عن رد سياسي من قبله- أكثر مما هو أمني- على خصومه في الكابينيت الذين اتهموه بالتخبط وعدم وجود استراتيجية واضحة ومدروسة لديه في التعامل مع غزة.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المضمار: ما الذي حمله الوفد المصري إلى حماس؟.. هل هو التحذير من هجوم إسرائيلي أم محفزات للقبول بتخفيف حدة مسيرات العودة؟
مصدر مطلع قال لـ"المدن"، إن إسرائيل معنية باتفاق للتهدئة لكن المعضلة الرئيسية تكمن في "تعنت" ورفض السلطة الفلسطينية من منطلق المناكفة مع "حماس"، فضلاً عن المبارزة السياسية الداخلية في إسرائيل التي تمنع الأخيرة من اعطاء الثمن الذي تطلبه "حماس" مقابل التهدئة.
ولهذا فإن المصدر يقول إن تل أبيب معنية بتفاهمات مرحلية لتخفيض التصعيد الميداني مقابل ثمن لـ"حماس" متعلق بأمور إنسانية ملحة؛ من قبيل عودة السماح بدخول السولار الممول قطرياً إلى القطاع، والسماح بإدخال كمية أكبر من الكهرباء الاسرائيلية، إضافة إلى تحسينات على المياه فضلاً عن السماح بإدخال كميات أكبر من مواد البناء.
لكن هذه التسهيلات الإسرائيلية المشروطة بقبول حماس تهدئة المسيرات، تبقى حلولاً مؤقتة بيدَ أنها ربما تهيئ المناخ لمواصلة المباحثات بهذا الاطار.
أياً كان ما ستؤول إليه الأوضاع على جبهة غزة، لا أحد ينكر من الأطراف ذات العلاقة أن التصعيد الحاصل بين الفينة والأخرى بمثابة أداة من أدوات التفاوض التي تستخدمها كل من "حماس" وإسرائيل لتحسين شروطهما في المفاوضات الدائرة حول التهدئة بقيادة مصر واطراف اقليمية ودولية أخرى.
وعلى صعيد المصالحة، قال قيادي في السلطة الفلسطينية لـ"المدن"، إن الأخيرة تنتظر من رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل الذي تلتقيه في رام الله، الخميس، رداً حاسماً من "حماس" حيال ورقة المصالحة التي اعدتها القاهرة، كي تحدد السلطة مسار سلوكها في ما يخص الوضع الداخلي.
وبغض النظر عما ستقوله "حماس" للوفد المصري، فإن الأخير يحاول تقديم مقترحات للحيلولة دون أي قرارات مرتقبة من السلطة ضد قطاع غزة مثل قطع التحويلات المالية كاملة، أو على الأقل تأجيلها أو تجميدها. ما يعني أن التحرك المصري في هذه اللحظة يندرج في سياق "الإحتواء" على مستوى المشهد الداخلي الفلسطيني أكثر من تقديم حلول جذرية.
القيادي الفلسطيني احتج عندما سالته "المدن" حول العقوبات التي ستتخذها السلطة ضد غزة، مُعرباً عن غضبه من استخدام تعبير "عقوبات"، ذلك أن السلطة تدفع لغزة شهرياً ما بين 96 و100 مليون دولار لصالح تغطية القطاعات الرئيسية بما فيها الكهرباء والماء، والتي تجبي "حماس" ايراداتها، على حد تعبيره.
غير أن المصدر عاد وقال إن السلطة لن تقبل تمويل ما أسماه "انقلاب حماس" بعد مرور أحد عشر عاماً عليه، ما يوحي أن المجلس المركزي الفلسطيني سيتخذ عندما يجتمع نهاية الشهر الحالي العديد من القرارات "الحاسمة" ضد القطاع. وهو امر لن تقبله مصر ولا إسرائيل، بالتأكيد، لدوعٍ أمنية متعلقة بهما.
ويتابع المصدر المقرب من رئيس السلطة محمود عباس: "ننتظر من المصريين منذ مدة رداً محدداً من حماس على ورقة القاهرة التي تحفّظنا عليها ثم قبلناها.. لكن لن نقبل أي مماطلة وتسويف بعد الآن.. وعلى ضوء ما سنتسلمه الخميس القادم من الوفد المصري، سنحدد خياراتنا للحفاظ على وحدة الشعب والنظام السياسي وأراضينا".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها