الإثنين 2018/10/15

آخر تحديث: 09:15 (بيروت)

"تحرير الشام" تقبلُ اتفاق إدلب: صُلح الحديبية!

الإثنين 2018/10/15
"تحرير الشام" تقبلُ اتفاق إدلب: صُلح الحديبية!
(انترنت)
increase حجم الخط decrease
أصدرت "هيئة تحرير الشام"، ليل الأحد/الإثنين، بياناً توضح فيه موقفها الرسمي من الاتفاق التركي–الروسي حول إدلب، قبل ساعات من نهاية مهلة 15 تشرين الأول/أكتوبر التي حددها الاتفاق الروسي-التركي.

البيان المطول أشار بشكل غير مباشر إلى موافقة "تحرير الشام" على تطبيق الاتفاق، ورحب بالجهود التي تبذلها كل الجهات في الداخل والخارج لمنع اجتياح ادلب، وحذر من مراوغة روسيا والوثوق بنواياها.

إعلان موقف "الهيئة" جاء بعد شهر تقريباً من التوقيع على الاتفاق الروسي-التركي في سوتشي، وعزت "الهيئة" ذلك إلى "المشاورات التي كانت تجريها مع القوى والفعاليات الشعبية"، وقالت في بيانها: "آثرنا تأجيل إبداء موقفنا مما يجري، وآثرنا التشاور والتواصل مع باقي المكونات الثورية في الشمال المحرر، ونخبه في الداخل والخارج، وبعد أن استفرغنا الوسع في ذلك".

وعلى الرغم من أن موقف "الهيئة" من الاتفاق كان متوقعاً، بسبب تعاطيها الإيجابي مع تطبيق المراحل الأولى منه، وإسكات الأصوات الرافضة له في صفوفها، إلا أنه كان مفاجئاً بالنسبة للمناهضين لها، وكارهيها من فصائل المعارضة المسلحة، ومنظرين جهاديين منشقين عنها، وتنظيمات جهادية منافسة لها في ادلب. اللغة التي كُتب بها البيان، أشبه بلغة "الجبهة الوطنية للتحرير"، وربما بدا أكثر ليونة، وأقل تهديداً. وتحدث البيان عن الشعب السوري، والحرية، والمظاهرات، وغيرها من العبارات التي كان مجرد الحديث عنها سابقاً من وجهة نظر منظري "الهيئة" عبارة عن "شرك وكفر بواح".

"الهيئة" قبلت رسمياً بالاتفاق، وأن لم تصرح بذلك بشكل مباشر، ولكنها اتبعت الأسلوب ذاته في المراوغة أمام عناصرها أولاً، وتحدثت عن استمرار الجهاد، وعدم التخلي عن السلاح، وذكرت المهاجرين وفضلهم، وجاء في البيان: "لن نحيد عن خيار الجهاد والقتال سبيلاً لتحقيق أهداف ثورتنا المباركة وعلى رأسها إسقاط النظام المجرم، وفك قيد الأسرى، وتأمين عودة المُهجَّرين إلى بلدهم آمنين سالمين، سلاحنا هو صمام أمان لثورة الشام، وشوكة تحمي أهل السنة وتدافع عن حقوقهم، وتحرر أرضهم، لن نتخلى عنه أو نسلمه، ولن ننسى فضل من ساندنا وناصرنا وهاجر إلينا، فهم منا ونحن منهم، لهم ما لنا وعليهم ما علينا".

واستدل المنظرون المناهضون لـ"الهيئة"، على موافقتها على البيان، من خلال توجيهها الشكر لتركيا التي "سعت لمنع المجازر في الشمال"، وهذا يعني القبول، وكذلك أضاف البيان أن "الهيئة" استشارت المكونات الثورية في الشمال قبل قرارها. وبات معلوماً أن جميع فصائل المعارضة قبلت بالاتفاق.

ادعت "الهيئة" في بيانها أنها تسعى لتوفير الأمن والاستقرار للمدنيين وفق "السياسة الشرعية"، وهي محاولة لتبرير موافقتها، فجاء في البيان: "إننا سعينا ونسعى لتوفير الأمن والسلامة لأهلنا وشعبنا والعيش الهانئ بكل ما نستطيع من وسائل مشروعة تتيحها لنا السياسة الشرعية المتوازنة وضوابطها، دون إيقاع أهلنا بفخ المؤامرات من خلال جرّهم إلى أمان موهوم ودعاوى واهية".

وألمح البيان إلى أن الموافقة على الاتفاق كان ضرورة بهدف إفشال مخططات روسيا التي كانت ترمي للإيقاع بين فصائل المعارضة المسلحة في ادلب: "هرع المحتل الروسي إلى مسرحية اتفاق جديد، حتى يعيد ترتيب أوراقه من أجل العمل على إحداث خروقات في الصف الثوري في الشمال المحرر، ولكن سرعان ما تلقى الجواب بمواقف مشرفة ووعي رائد في إدارة الصراع".

أنصار "الهيئة" دافعوا عن الموقف الذي ورد في البيان، واعتبروه تصريحاً موفقاً، ويدعو للفخر لأنه يحتمل أكثر من تفسير؛ فالمعارضة فهمت منه موافقة "الهيئة" على تطبيق الاتفاق، أما المواقع الإعلامية الموالية للنظام فقد قالت إن "الهيئة" رفضت الاتفاق.

قادة وأعضاء في مجلس شورى "الهيئة" أيدوا البيان. "أبو ماريا القحطاني"، و"أبو وليد الكويتي"، و"عبدالغفور الدالاتي"، شاركوا البيان في "تلغرام"، من دون تعليق، أما المصري "أبو الفتح الفرغلي"، فقد أكد أن الموقف هو "استمرار للجهاد حتى دمشق، وما بعد دمشق". أما مظهر الويس، فقد دافع عن موقف "الهيئة"، وقال: "يزعجهم أن تكون على الجادة، ويؤرقهم أن تبقى محافظا على سنيتك، هذا يتمنى منك أن تتشدد وتنغلق وتتنطع، وهذا يتمنى لك أن تميع وتنحرف وتنبطح، ليس إلا للهوى وإرضاء قيح النفوس وعفنه".

الفلسطيني "الزبير الغزي"، أحد قادة "الهيئة"، أيد الموقف، واستشهد بنص منقول عن المنظر الجهادي "أبو قتادة الفلسطيني"، قال فيه: "لا بد يوماً أن تجلس مع خصمك، وبمجرد قبوله لك سياسياً يعني أنك صرت مؤثرا، ويمكن حينها بلا تزوير أن تحتج بصلح الحديبية، لا كمن يخنع ويتنازل ثم يبحث عن الدليل، ولا من يتعامل معه الخصم تعاملا أمنياً فقط، من خلال رجل الاستخبارات والمخابرات، غير معترف بك إلا كمارق أو نتوء يجب زواله".

القائد العسكري في "جيش العزة" العقيد مصطفى بكور، أكد لـ"المدن"، أن موقف "الهيئة" غير واضح، فهي لم توافق صراحة على الاتفاق، ولم ترفضه قطعياً، بل تركت مجالاً للمناورة بما يتناسب مع امكانية تغير المواقف الدولية أو التغيير على الارض، خاصة بعد التقارب التركي-الأميركي الأخير، وهو عامل مهم للغاية في تحديد مستقبل الاتفاق حول ادلب.

سيتضح موقف "الهيئة" خلال الأيام القليلة المقبلة، والمطلوب منها الآن البدء بعملية الانسحاب الكامل من المنطقة "منزوعة السلاح"، بعدما سحبت أسلحتها الثقيلة خلال الأسبوع الماضي. وفي حال التزمت بالفعل بعملية الانسحاب، فهي قد وافقت عملياً على تطبيق الاتفاق. وتنتظر المخابرات التركية التي تدير ملف إدلب، من "الهيئة" دوراً مهماً في الضغط على التنظيمات الجهادية؛ "حراس الدين" وغيرها، ودفعها للانسحاب من المنطقة "منزوعة السلاح"، والمشاركة في تفكيكها. وفي ما بعد سيكون على "الهيئة" حل نفسها.

انسحاب التنظيمات الجهادية من المنطقة "منزوعة السلاح" بما فيها "تحرير الشام" لم يطبق حتى الآن، وما يزال لدى هذه التنظيمات بعض الوقت كي تنصاع للأوامر التركية، وتنفذ عملية انسحاب كاملة كما هو مطلوب منها، قبل فوات الأوان. مليشيات النظام والمليشيات المدعومة من إيران تحاول استغلال الأمر وتصعد على الأرض، وقد شنت خلال الساعات الـ24 الماضية حملة قصف مدفعي وصاروخي عنيفة استهدفت مدن وبلدات أطراف ادلب الواقعة في "المنطقة العازلة". ودعت المليشيات فصائل المعارضة مرة أخرى عبر مكبرات الصوت كي تترك أسلحتها، وتخلي المنطقة، في جبهات الضواحي الشمالية لمدينة حلب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها