الجمعة 2018/10/12

آخر تحديث: 14:46 (بيروت)

"تحرير الشام" تواجه نفسها: البراغماتية مقبرة الجهاد؟

الجمعة 2018/10/12
"تحرير الشام" تواجه نفسها: البراغماتية مقبرة الجهاد؟
Getty ©
increase حجم الخط decrease
انهت فصائل المعارضة المسلحة عمليات إخلاء المنطقة العازلة "منزوعة السلاح"، في محيط ادلب، بهدوء ومن دون عوائق، وفي وقت قياسي، حتى قبل انتهاء المهلة الممنوحة للفصائل لتطبيق هذا البند من اتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا.

"الجبهة الوطنية للتحرير"، كبرى فصائل المعارضة المسلحة في ادلب، أعلنت انتهاء العملية بنجاح، واستقبلت وفداً من "الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة" للتسويق لنجاح الخطوة. وزارة الدفاع التركية علقت على انتهاء العملية الناجحة. وأعقب ذلك تصريحات روسية أكدت أن المنطقة باتت خالية من الأسلحة الثقيلة، وأتبعتها بتصريحات أكثر ليونة أكدت فيها أن الخطوات التالية تحتاج وقتاً أطول من الوقت المحدد في بنود الاتفاق، في إشارة إلى الخطوة "الأهم" لروسيا؛ انسحاب التنظيمات الجهادية وتفكيكها.

المعارضة رأت أن التصريحات الروسية تعكس رغبة بتطبيق الخطوات التالية من الاتفاق، وربما حمايته من الخروق المحتمل وقوعها من قبل المليشيات المحسوبة على إيران، بهدف تعطيله. لكن المعارضة تتخوف من الخطوة التالية، التي قد تكون فخاً لا تحمد نتائجه؛ فهي الخطوة الأصعب على الإطلاق. ضمان انسحاب كامل التنظيمات والتشكيلات المسلحة المصنفة "إرهابية" من "المنطقة منزوعة السلاح" قد يحتاج إلى وقت طويل، وإلى الآن لا تزال هذه التنظيمات تحتفظ بأغلب مواقعها ومقارها في المنطقة، ولم تُجرِ أي انسحاب جدي.

"هيئة تحرير الشام" بدأت عملية إعادة انتشار لكتائبها في عمق ادلب، لكن العملية تبدو بطيئة للغاية بسبب الانقسام داخل صفوف "الهيئة"، وتصرف قيادتها بحذر. وفي الأثناء تعمل "الهيئة" على تحييد القيادات المؤثرة الرافضة لتطبيق الاتفاق، بالاعتقال أو التصفية، أو غيرها من الأساليب التي بدت واضحة خلال الأسبوعين الماضيين.

عمليات الاغتيال بالعبوات الناسفة والتفجيرات وإطلاق النار المباشر، طالت شخصيات أمنية وقيادات محلية ومهاجرة في صفوف "الهيئة"، خلال الأسبوع الماضي. قبل أيام اغتيل "أبو يوسف الجزراوي"، سعودي الجنسية، والمستشار الأمني لزعيم "تحرير الشام" أبو محمد الجولاني. كما قُتِلَ خطاب الحموي، أحد أعضاء المكتب الإعلامي، بعبوة استهدفت سيارته في مدينة سراقب. القيادي "أبو مصعب الديري" قُتلَ على طريق دركوش-عزمارين. والقيادي "محمد أبو إسلام"، قُتِلَ أمام منزله في بلدة إحسم في جبل الزاوية. كما قتل قادة من الصف الثاني في ريف إدلب، وريفي حماة وحلب.

الاعتقالات كانت واسعة، وسرية للغاية، وطالت عدداً كبيراً من "الجماعة المصرية"، خلال الأسبوعين الماضيين، بتهم متنوعة. و"الجماعة المصرية" من أشد الرافضين لتطبيق الاتفاق.

الشرعي العام في "تحرير الشام" المصري "أبو الفتح الفرغلي"، اتهم في مقال له بعنوان "البراغماتية مقبرة الجهاد"، بشكل غير مباشر، الجولاني بـ"تضييع الجهاد"، ولمح إلى أنه يقود "الهيئة" بطريقة براغماتية.

التيار المدافع عن تطبيق الاتفاق داخل "الهيئة" صار يتحدث بشكل واضح عن المبررات التي قد تدفع إلى تطبيق الاتفاق. القيادي العسكري "أبو الأيهم الشامي"، تحدث مطولاً عما حدث مع "الهيئة" شرقي سكة حديد الحجاز أواخر العام 2017، وكيف بقيت "الهيئة" وحيدة أمام مليشيات النظام، بعدما تركتهم فصائل المعارضة التي وقعت على اتفاق أستانة الذي ينص على الانسحاب من المناطق شرقي السكة، وفق زعمه. ولمّح إلى أن هذا مبرر منطقي كي لا تبقى "الهيئة" وحيدة مرة أخرى، وربما المرة الأخيرة. وردّ "الشامي" على المطالبين بإصدار بيان واضح من "الهيئة" لتبيان موقفها من الاتفاق، بالقول: "يقولون إن الهيئة مدانة بتنفيذ سوتشي حتى تخرج بيان براءتها، متى كنا أمة بيانات؟ سنين عديدة ونحن نشاهد كثيراً من البيانات كم أخرجت من عنتريات. ولكن للأسف كانت مجرد عنتريات فارغة لا تقدم ولا تؤخر".

التنظيمات الجهادية التزمت بتنفيذ الخطوة الأولى بما يخص سحب السلاح الثقيل، مثل بقية فصائل المعارضة، ولم يصدر عنها أي رد فعل يعيق العملية. وقد تظن تلك التنظيمات أنه بمقدورها البقاء في مواقعها، أو إعادة انتشارها، والبقاء في المنطقة "منزوعة السلاح" متخفية كما يروج بعض منظريها. لكن طيران الاستطلاع الروسي، حاضر في الأجواء، منذ مطلع تشرين الأول/أكتوبر، يحلق بكثافة في أجواء ريف حماة الشمالي والغربي، وريف اللاذقية وصولاً إلى ضواحي حلب الغربي والجنوبية. كذلك لم يحصل الأتراك حتى الآن على وعد روسي بشأن التخلي عن مشاركة القوات الروسية للقوات التركية في الدوريات المفترض تسييرها في المنطقة العازلة. المسألة ليست سهلة كما يروج لها الجهاديون.

المتحدث الرسمي باسم "الجبهة الوطنية" النقيب ناجي مصطفى، أكد لـ"المدن"، أن الخطوة الأولى من تطبيق الاتفاق قد نجحت بالفعل، وحصل الأمر في وقت قياسي من دون أي عراقيل تذكر، وتوقع الانتقال السلس إلى الخطوة التالية، وقد يحتاج تحقيق ذلك وقتاً إضافياً. وأشار ناجي، إلى أن الجيش التركي عمل على تعزيز نقاط المراقبة وقواعده العسكرية في ادلب خلال الأسبوع الماضي، وأدخل أرتالاً من العتاد الحربي الثقيل كما وعد بالفعل، وهو إجراء تعويضي بعد سحب فصائل المعارضة سلاحها نحو مناطق العمق.

وبدا ناجي، كما غيره من قادة فصائل المعارضة المسلحة، غير متأكدين من تفاصيل الخطوة المقبلة، ولا كم سيتطلب تنفيذها من الوقت.

"الجبهة الوطنية" وفصائل معارضة أخرى بدأت تنتقد بقاء مليشيات النظام في مواقعها، محافظة على عتادها الحربي الثقيل، مع أنه لم يرد في بنود الاتفاق المعلنة أي توصية تخص انسحاب المليشيات أو إخلاء مواقعها في خطوط التماس من الأسلحة الثقيلة.

القائد العسكري في "جيش العزة" العقيد مصطفى بكور، أشار في حديثه لـ"المدن"، إلى أن بعض بنود التفاهم التركي–الروسي حول ادلب غير معلنة، ومنها تقليص عدد قوات المليشيات في محيط "المنطقة معزولة السلاح"، وتفكيك بعضها، وسحب أسلحتها الثقيلة تدريجياً. وهي تفاصيل قد يُدفعُ الروس إلى تطبيقها في مراحل لاحقة. بكور أكد أن المعارضة رصدت خلال الأسبوع الماضي انسحاب مليشيات النظام من مواقع ومقار لها في جبهات جبل التركمان، وسحبت معها الأسلحة الثقيلة. وقد يكون هذا مقدمة لوصول المعارضة إلى شواطئ المتوسط، أي أن مناطق المعارضة في الشمال سيكون لها منفذ بحري.

وبالنسبة إلى قدرة المليشيات التي يديرها "الحرس الثوري الإيراني"، أوضح بكور، أنها لم تعد قادرة على فعل شيء يؤثر بشكل فعلي على تنفيذ بنود الاتفاق، وأن تحركاتها دعائية تحاول من خلالها الضغط للبقاء كطرف فاعل في الاتفاق، لأن القوات الروسية تتجاهل وجودها في معظم الملفات المتعلقة بالاتفاق.

وأشار بكور إلى أن التزام روسيا بتطبيق كامل تفاهماتها مع تركيا قد يضمن نجاح الخطوات اللاحقة، والتي تتضمن تنظيم الفصائل المعارضة في كيان عسكري موحد، وفتح الطرق الدولية، وإنشاء إدارة مدنية في ادلب.

"هيئة تحرير الشام" تشترط على المخابرات التركية أن تكون لها الحصة الأكبر في الإدارة المدنية والأمنية في ادلب لاحقاً، مقابل قبولها بتطبيق كامل بنود الاتفاق، وهو أمر ترفضه تركيا، وترفضه أيضاً فصائل المعارضة المسلحة التي اجتمعت معها قبل مدة من دون التوصل إلى اتفاق. "الهيئة" ترفض بشكل قطعي أن يكون لـ"الائتلاف" أو "الحكومة المؤقتة"، أي دور مستقبلي في ادلب. وفد "الائتلاف" الذي زار الشمال مؤخراً كان يبحث عن دور له في الإدارة المدنية، وعن شركاء محليين منافسين لـ"الهيئة".

في حال نجحت تركيا وفصائل المعارضة المسلحة بسحب التنظيمات الجهادية وتفكيكها، وهي خطوة قد تستغرق شهوراً، فلن يكون الانتقال إلى الخطوات التالية أقل صعوبة وكلفة بالنسبة لتركيا.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها