الثلاثاء 2018/01/16

آخر تحديث: 11:49 (بيروت)

"جيش خالد": الرحلة "السهلة" بين الشمال والجنوب

الثلاثاء 2018/01/16
"جيش خالد": الرحلة "السهلة" بين الشمال والجنوب
المعارضة أعلنت تكبيد "خالد بن الوليد" خسائر كبيرة (انترنت)
increase حجم الخط decrease
أثار هجومان شنهما "جيش خالد بن الوليد"، المبايع لتنظيم "الدولة الإسلامية"، ضد مواقع فصائل المعارضة في ريف درعا الغربي، الكثير من التكهنات. وشنّ "خالد بن الوليد" هجومه الأول في 4 كانون الثاني/يناير على أطراف بلدة الشيخ سعد، بشكل مفاجئ، وسيطر على الحاجز الرباعي الاستراتيجي وتل النبي أيوب و"كتيبة النقل" قرب البلدة. وتُعتبر هذه المواقع الاستراتيجية المدخل الشرقي لحوض اليرموك، معقل "جيش خالد".

وشنّ التنظيم هجومه الثاني، في 10 كانون الثاني/يناير، على قريتي الجبيلية والبكار، المدخل الشمالي الغربي لحوض اليرموك. واستطاع "خالد بن الوليد" في الهجومين، السيطرة على المواقع التي هاجمها، قبل أن يعاود الانسحاب منها، بعد استعادتها من قبل فصائل المعارضة، بعد ساعات قليلة. المعارضة أعلنت تكبيد "خالد بن الوليد" خسائر كبيرة، في الوقت الذي اكتفى فيه "الجيش" بالحديث عن هجمات له أسفرت عن قتلى وجرحى وأسرى في صفوف المعارضة، واغتنام أسلحة.

هذا النوع من الهجمات الذي يستمر لساعات فقط، يُعرّف في المصطلحات الجهادية بـ"الصولة"، وبات كثير التكرر في معارك حوض اليرموك. "الصولتان" الأخيرتان حملتا تفاصيل أكثر مما ظهر للعلن، بعدما لاحظ الأهالي في حوض اليرموك، وجود عناصر جديدة من "جيش خالد" داخل بلداتهم، بشكل مفاجئ، وانتشار معلومات عن دخولهم أثناء الهجمة الأولى، محمّلين بكميات من الأسلحة. وفي الهجمة الثانية انتشرت معلومات عن كميات من الأسلحة وُصفت بـ"الضخمة"، دخلت إلى حوض اليرموك من منطقتي الجبيلية والبكار. ويطرح ذلك الكثير من الأسئلة حول هوية العناصر الجدد وطريقة وصولهم إلى حوض اليرموك ودور فصائل المعارضة في "تسهيل" دخولهم، وحول وجود صفقات سرية لتزويد "جيش خالد" المحاصر داخل حوض اليرموك بكميات من الأسلحة، في ظل غياب أي تفسير لما حصل، من خسارة المعارضة السريعة لنقاط استراتيجية، واستعادتها لاحقاً.

مصادر من حوض اليرموك، قالت لـ"المدن"، إن العديد من "الوجوه الجديدة" تمت ملاحظتها بعد صلاة الجمعة، في 5 كانون الثاني/يناير، في مسجدي الشجرة وسحم الجولان، بشكل خاص، مع سماعهم لأحاديث تناقلها عناصر "جيش خالد" عن وصول مجموعة جديدة من المقاتلين من الشمال السوري إلى منطقتهم. وهو ما أكده أكثر من مصدر لـ"المدن"، بأن الهجوم الأول الذي نفذه "جيش خالد" على أطراف بلدة الشيخ سعد كان الهدف منه التغطية على دخول العشرات من المقاتلين.

وأوضحت المصادر أن الدخول والخروج من حوض اليرموك "ليس بالأمر الصعب ولكنه يتم عبر مجموعات صغيرة يتراوح عددها بين 3-5 عناصر فقط"، وبررت المصادر دواعي الهجوم بأن أعداد المقاتلين الواصلين كان أكبر من المعتاد، بالإضافة إلى أن منخفضاً جوياً كان سيؤثر على طرق المرور البديلة للدخول إلى حوض اليرموك، "ما استدعى إدخالهم بشكل أسرع". المصادر أوضحت أن "تنوع الفصائل العسكرية التي تسيطر على بلدات محافظة درعا، وغياب الكفاءة الأمنية اللازمة، تُعتبر أهم أسباب انتشار خلايا جيش خالد في مناطق سيطرة المعارضة وتخفيهم فيها". ولاحقاً يتم استخدام هذه الخلايا كمحطات عبور مؤقتة أثناء حركة مقاتلي "جيش خالد" من وإلى حوض اليرموك.

وأثار السقوط السريع لمواقع فصائل المعارضة قرب بلدة الشيخ سعد، قبل أن يتم استعادها، شكوكاً بتورط الفصائل المتواجدة في هذه المواقع بصفقة ما تتيح لـ"جيش خالد" السيطرة على مواقعها ضمن خطة إدخال مقاتليه إلى مناطق سيطرته. وهو ما لم تؤكده المصادر أو تنفيه في ظل "غياب التفسيرات الواضحة حول أسباب الخسارة السريعة لمواقع بهذه الأهمية، ثم استعادتها بشكل سريع".

في الوقت ذاته، لم تجزم المصادر حول المكان الذي دخل منه عناصر "الجيش"، سواء كان من منطقة الحاجز الرباعي الذي استطاع "جيش خالد" السيطرة عليها لساعات أو من منطقة أخرى. ولكن المصادر اعتبرت أن الهدف كان "إحداث بلبلة في المنطقة وإشغال جميع الفصائل في محيط حوض اليرموك بالحدث"، وهو ما حصل فعلاً.

المتحدث الرسمي باسم "جيش الثورة" أبو بكر الحسن، أحد أبرز التحالفات العسكرية العاملة ضد "جيش خالد" في محيط حوض اليرموك، أوضح لـ"المدن"، أن نقاط التماس بين الجيش الحر و"جيش خالد" في حوض اليرموك، تمتد لعشرات الكيلومترات واصفاً إياها بـ"الوعرة في أغلب المناطق". ولم ينفِ أبو بكر الحسن قدرة عناصر التنظيم على الدخول والخروج من مناطقهم لكنه أوضح أن "التنوع الجغرافي لهذه النقاط، ووجود وادٍ في الجهة الجنوبية للمنطقة، وسط امتداد طويل، يجعل من تحرك أفراد متنكرين كفلاحين، أو كأبناء المنطقة، أمراً وارداً". ورجّح الحسن أن انتقال عناصر التنظيم وتحركهم ضمن مناطق سيطرة قوات النظام، يتم "بالتنسيق مع النظام، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال الوسطاء". وهو ما يفسر المخاوف الدائمة لفصائل المعارضة من تمدد "جيش خالد" نحو مدينة الشيخ مسكين الخاضعة لسيطرة قوات النظام، والوصول لمناطق تماس معه، وما قد يتبعه ذلك من اتفاقيات سرية بين الطرفين.

أبو بكر الحسن، قال إن الهجمات الأخيرة التي نفذها التنظيم تندرج في "الهجمات اليائسة، وهي غير مرتبطة بدخول عناصر جدد، بل بحاجة التنظيم لرفع معنويات عناصره المنهارة، بعد سقوط مناطق سيطرته الأساسية شرقي سوريا وغربي العراق". الحسن ردّ على الاتهامات التي سيقت للجيش الحر بالتساهل في صد هذه الهجمات وإتاحة الفرصة أمام تنظيم "داعش" للسيطرة والتحرك في المنطقة، بأن "كيل الاتهامات أمر سهل"، موضحاً أن الحاجز الرباعي يُعتبر "نقطة اشتباك مباشرة مع تل عشترة الخاضع لسيطرة التنظيم، ويبعد أقل من 500 متر عنه، وهو هدف رئيسي للتنظيم لتقطيع أواصر مناطق سيطرة الجيش الحر".

مصادر أهلية من حوض اليرموك، قالت لـ"المدن"، أن مقاتلي "جيش خالد" تداولوا أنباءً عن حصولهم على كميات كبيرة من الأسلحة بينها صواريخ قصيرة المدى، في استهدافهم قريتي الجبيلية والبكار. مصادر "المدن" أكدت حصول "جيش خالد" على "كمية وافرة من الأسلحة، التي كان من الغريب أساساً تكديسها بهذه الكمية داخل القرى التي سيطر عليها". وفي هذا الصدد لم يستبعد القائد العام لـ"فرقة الحق" العقيد إبراهيم الغوراني، التابعة للجيش الحر والعاملة في المنطقة، في حديثه لـ"المدن"، هذه الأنباء، موضحاً: "إن حصول شيء من هذا القبيل لا يعني أن الفصائل تساعد التنظيم".

وأشار العقيد الغوراني: "لا نستبعد وجود خلايا للتنظيم داخل الفصائل نفسها"، وأوضح أن فصائل الجيش الحر تتابع موضوع الخلايا النائمة بشكل مستمر، ولكنه حمّل "العشائرية المتهاونة" مسؤولية استمرار ذلك حتى اليوم. وأضاف: "تلقي فصائل الجيش الحر القبض على الخلايا وتقوم بتسليمها لدار العدل، ولكن دار العدل تتهاون في محاسبتهم نتيجة ضغوطات من العشائر التي ينتسب لها هؤلاء المتهمين، وتطلق سراحهم لاحقاً بكفالات مالية".

وأشار العقيد إلى أن "جيش خالد" يعتمد بأعماله العسكرية على سياسة الهجمات المتتالية، مضيفاً: "هدفهم إنهاك الجهة التي تقابلهم وترهيبها، ومن بعد ذلك شن هجوم قوي للتوسع والاحتلال والسيطرة على مواقع جديدة". وفسر العقيد ما حصل في الهجمات الأخيرة من تقدم لساعات ثم الانسحاب بأنها "هجمات استطلاعية، هدفها رفع معنويات مقاتليه المنهارة، وفي ذات الوقت اكتشاف قدرات الجهة التي ينوي مهاجمتها، حتى يشن لاحقاً هجوماً واسعاً، كما حصل سابقاً في بلدتي تسيل وسحم الجولان".

قدرة عناصر "جيش خالد بن الوليد" على قطع مئات الكيلومترات ذهاباً وإياباً إلى الشرق والشمال السوريين، تيقى قضية صعبة التفسير، في ظل تنوع المناطق التي يسلكونها بين الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في ريف درعا، مروراً بمناطق سيطرة مليشيات "درزية" موالية للنظام في محافظة السويداء، وصولاً إلى البادية التي يتقاسمها النظام السوري وقوات "التحالف الدولي"، وأخيراً مناطق سيطرة تنظيم "داعش" شرقي سوريا أو إلى مناطق سيطرة فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام" في محافظتي حلب وإدلب. ولا تقتصر هذه الرحلة على العناصر، بل يخوضها قادة وشخصيات بارزة في التنظيم، إذ تمكنت المعارضة في حزيران/يونيو 2016، من إلقاء القبض على الشرعي في "حركة المثنى الإسلامية" محمد المسالمة، في مدينة إعزاز في حلب، وهو الذي خرج من درعا ووصل إلى حلب بشكل غامض بعدما كان من أبرز المطلوبين للجيش الحر في درعا. في شباط/فبراير 2017 وصل قائد "جيش خالد" السابق أبو محمد المقدسي، إلى حوض اليرموك، بشكل غامض، بعدما كان قائداً لفرع تنظيم "الدولة الإسلامية" في مدينة الضمير في ريف دمشق، والمطلوب لفصائل الجيش الحر فيها.

ويُرجح أن قادة وعناصر التنظيم يتنقلون بشكل مستمر بين الجنوب والشمال. ويبدو هذا التنقل أمراً سهلاً، لتُضاف هذه القضية إلى غيرها من القضايا المعقدة حول تشابك علاقات "التنظيم" مع أكثر من طرف لتسهيل هذه التحركات وتأمين الأسلحة والذخائر وإدخالها لمناطقه المحاصرة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها