ويعيش في الصنمين، أكبر مدن درعا، قرابة 60 ألف مدني من الأهالي والمُهجّرين إليها. وتنقسم الصنمين بين مناطق شرقية خاضعة لسيطرة النظام، وفيها مقر "الفرقة التاسعة" والمساكن العسكرية وبعض فروع الأجهزة اﻷمنية خاصة "اﻷمن العسكري" المسؤول عن اعتقال مئات المدنيين من أبناء المنطقة. في حين تسيطر المعارضة على القسم الغربي منها. والصنمين مركز منطقة يتبع لها العديد من النواحي وأكثر من 20 قرية وبلدة.
ويأتي ذلك الإنذار بالإخلاء، بعد استهداف سيارة قائد "الفرقة التاسعة/دبابات" اللواء رمضان رمضان، وإصابة أحد مرافقيه من قبل عناصر الجيش الحر المتواجدين في المدينة. ذلك بالإضافة إلى فرار أحد المجندين من "الفرقة" باتجاه اﻷحياء المحررة في المدينة، ومطالبة قيادة "الفرقة" بتسلميه عبر بيان أمهل أهالي المدينة 48 ساعة لتسليمه، بدأت في 19 كانون الثاني.
وسرعان ما أعلنت مجموعة من الفصائل في المناطق المحررة القريبة من مدينة الصنمين تشكيل غرفة عمليات تحسباً ﻷي طارئ قد تتعرض له المدينة. فـ"الأمن العسكري" كان قد نفّذ مجزرتين في الصنمين؛ الأولى في نيسان/إبريل 2011 عبر إطلاق النار على تظاهرة سلمية بالقرب من مقر "اﻷمن العسكري" راح ضحيتها 10 متظاهرين، والثانية أثناء اقتحام النظام للمدينة في آذار/مارس 2013 وراح ضحيتها أكثر من 50 مدنياً.
القيادي في المعارضة النقيب عبدالحكيم العيد، قال لـ"المدن": "بعد تهديد النظام ﻷهالي الصنمين عملنا على تشكيل غرفة عمليات من غالبية الفصائل لتكون على أتم الجاهزية إذا ما حاول النظام اقتحام المدينة"، وتوقع العيد أن يعدل النظام عن قراره ويكتفي بإطلاق التهديدات التي ستقابل بالرد القاسي. وهو ما حدث فعلاً، فبعد أقل من ساعتين عادت مكبرات الصوت في المساجد لتعلن نفي البيان السابق وأن بإمكان اﻷهالي ممارسة حياتهم بالشكل المعتاد ولا داعٍ لإخلاء المدينة.
وسبق لقوات النظام أن عملت على ابتزاز أهالي الصنمين، لإجبارهم على "المصالحة" أواخر العام 2016. واضطر الأهالي حينها لجمع مبالغ مالية لشراء 20 بندقية آلية وتسليمها للنظام مقابل تجنيب المدينة الحرب. "المصالحة" في الصنمين تختلف عن بقية "المصالحات" في ريف دمشق الغربي، ويمكن توصيفها باتفاق "عدم اعتراض متبادل" بين النظام والمعارضة المتقاسمين للمدينة. وليست "المصالحة" في الصنمين بين النظام والمعارضة، بقدر ما هي "تسوية وضع" للأهالي والموظفين التاركين لأعمالهم، فقد اقتصرت على تسليم بعض البنادق اﻵلية، ولم يقبل عناصر الجيش الحر والمطلوبين للخدمة اﻹلزامية تسليم أنفسهم. وهو الأمر الذي يسعى النظام لتحقيقه في الصنمين منذ ما يقارب السنّة، فالمدينة تُشكّل خزاناً بشرياً من الممكن الاعتماد عليه مستقبلاً في معارك درعا، ومن شأن "المصالحة" فيها تشكيل نواة لـ"المصالحات" في بقية مدن درعا.
المكتب اﻹعلامي في الصنمين اعتبر في بيان له أن السبب وراء تراجع النظام عن تهديداته التي أطلقها هو تشكيل غرفة العمليات لمؤازرة المدنيين داخل الصنمين وخارجها. وأوضح البيان أن قيادة "الفرقة التاسعة" طالبت مجدداً وفداً من أهالي المدينة بضرورة تسليم العسكري المنشق من دون تحديد أي مهلة.
قادة عسكريون قللوا من أهمية التهديد واعتبروه فقاعة إعلامية الهدف منها إظهار قوة النظام وسيطرته على المدينة وقدرته على تحقيق مطالبه من خلال القوة. ولم يستبعد آخرون أن تتحول هذه التهديدات إلى وقائع في مقبل اﻷيام، خاصة إذا حاول النظام التقدم وفتح معارك بهدف السيطرة على بعض المناطق المحررة، الأمر الذي يستدعي تأمين خطوط إمداده والتي تعتبر الصنمين أهمها.
ناشطون اعتبروا أن هدف النظام من تهديد المدينة يكمن في محاولته الضغط على الحاضنة الشعبية، لتسليم قرابة 4000 مطلوب للخدمة الإلزامية واﻹحتياط وعناصر الجيش الحر، لإعادة تجنيدهم في صفوف قوات النظام وزجهم في جبهات القتال كما حدث سابقاً مع العديد من القرى والبلدات التي أجرت عمليات "المصالحة".

التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها