الجمعة 2017/08/25

آخر تحديث: 13:28 (بيروت)

في يوم عيدهم: الانتقام من حياد المرشديين

الجمعة 2017/08/25
في يوم عيدهم: الانتقام من حياد المرشديين
Getty ©
increase حجم الخط decrease
مساء الثلاثاء، وفي ذروة الازدحام بسبب عيد الطائفة المرشدية، وصل عناصر من فرع "الأمن العسكري" بلباسٍ مدني إلى السوق التجاري التقليدي في اللاذقية، في حين اختبأ العشرات بسياراتهم في مكان بعيد قليلاً. الدورية أوقفت شابين من الطائفة المرشدية، طالبة بطاقاتهما المدنية، للتأكد من حالتهما العسكرية.

وما أن قبضت الدورية على أحد الشابين، بسبب تخلفه عن الخدمة العسكرية، حتى اعترض صديقه وصرخ، ما دفع رجل أمن للتجديف المسيء للمرشديين وإطلاق التهديدات. وما أن سمع الشاب المرشدي التجديف، حتى انهال ضرباً على رجل الأمن، قبل أن يتجمع المرشديون المتواجدون في السوق، موقعين رجال الأمن على الأرض تحت وابل الصفعات والضربات. وسرعان ما تدخلت "شعبة حزب البعث" في منطقة شارع هنانو، فخرج عناصرها بكامل سلاحهم وعتادهم وأطلقوا النار في الهواء. وبعد لحظات وصل إلى المنطقة حوالى مئة رجل أمن، وأمسكا الشابين وضربوهما أمام المارة جميعاً، بقسوة شديدة، مُهينين المرشديين قصداً، موجهين السلاح إلى المارة.

ما حدث الثلاثاء قد يكون الأول من نوعه، فالنظام تحاشى طويلاً مهاجمة المرشديين، الذين يتركز ظهورهم العلني في اللاذقية في يوم عيدهم السنوي؛ 25 آب/اغسطس، والذي يسميه المرشديون "عيد الفرح بالرب". في كل عام، يغزو المرشديون مدينة اللاذقية، بشكل جماعي، قبل يوم العيد، لشراء الحلويات والملابس. شراء الحلويات بشكل مبالغٍ به جعل بعض الناس يسمون عيد المرشديين بـ"عيد الحلو". طبعاً تُطلق الأوساط الشعبية أحياناً تسميات مُهينة على عيد المرشديين، فيما يُعتقد أنه بسبب الخلاف التاريخي على قضية انشقاقهم عن الطائفة العلوية، مع سلمان المرشد وأولاده إبان الثلث الأول من القرن العشرين. ولا يتجنب المجتمع السُني إهانتهم أيضاً بوصفهم لا يملكون ديناً. إلا أن العداء الاجتماعي الأكثر وضوحاً يبقى من المجتمع العلوي بوصف المرشديين ممن شقوا صف الطائفة.

هذه الطائفة الخاصة، والتي تُبقي أركان عقيدتها سرية، تبدو مسالمة رغم البُعد العصبوي الواضح لديها والمختلف نسبياً عن بقية المذاهب الإسلامية في سوريا. تماسك المرشديين ووحدة آرائهم إلى حدٍ كبير، ظهر جلياً إبان الثورة السورية. فلم تأخذ الطائفة المرشدية بُعداً أقلوياً، ولم تُشارك العلويين من أقربائهم الأقرب انغلاقهم على الثورة، أو التمسك بالنظام، أو دعم مليشياته.

وتمكن المرشديون من رفض التأييد الاجتماعي للعنف الذي كرسه النظام ودعايته في "تحالف الأقليات" ضد الثورة، ولم يشاركوا في المسيرات الموالية، بل واجتهدوا لإبراز حيادهم. هذا ما جعل العلويين يبالغون في إبراز النقمة ضد المرشديين، الذين لم يرفعوا صور الرئيس السوري بشار الأسد على نوافذ منازلهم، ولم يحتفلوا مع المليشيات بأي نصر، رغم سكنهم في أحياء العلويين. هذا ما جعل حيادهم مُكلفاً. ولا يخجل أي مرشدي من رفض القتل الذي بدأه النظام منذ اليوم الأول للثورة، فنطاق التعبير الشفوي كان واضحاً للجميع.

احتفظ النظام للمرشديين بحقهم في الحياد العسكري، باستثناء بعض مناطقهم في سهل الغاب التي أُجبروا فيها على حمل السلاح بالتعاون مع النظام لحماية أنفسهم من المليشيات الإسلامية المتشددة، والتي لم يحدث أن اصطدمت مع المرشديين أبداً، وهم لم يصطدموا بها.

حملات تجنيد الشباب في قوات النظام حاول المرشديون تجنبها بشكل كبير، وحافظوا على أبنائهم داخل القرى والبيوت. مصدر من عائلة سلمان المرشد، قال لـ"المدن"، إن "الآلاف من المرشديين لم يخرجوا من بيوتهم وقراهم إلا أثناء فترة العيد"، وهناك شباب يتخفون منذ أربع سنوات تجنباً للذهاب إلى الجيش. وكثيراً ما دفع المرشديون مبالغ كبيرة كرشى لمنع تجنيد أولادهم قسرياً.

النظام بدوره تجنّب نشر قواته الأمنية الخاصة بسوق الشباب إلى الجيش عنوة، في أعياد المرشديين السابقة. هذا العام يبدو مختلفاً، فالنظام نشر قواته المتخفية التي تخطف الشباب للخدمة العسكرية في أرجاء المدينة أثناء الاستعدادات لعيد "الفرح بالرب". الأثر كان شديداً، فحرم آلاف الشباب من المرشديين من زيارة المدينة، وحرموا من ممارسة طقوسهم في العيد، والذي يُشكل لهم أحد أجمل أيام حياتهم، بحسب وصفهم لعيدهم وقداسته. السوق امتلأ بالنسوة المرشديات فقط.

تجنب النظام للمرشديين يبدو وكأنه قد انتهى، فانتصاراته العسكرية بواسطة الدعم الإيراني والروسي، لم تغفر غضبه على حياد المرشديين، ويُعتقد اليوم أنه أوصل الرسالة واضحة: حيادكم مرفوض، واجتهادكم في الحياد لم يعد فعالاً.

مصادر "المدن" أشارت إلى أن الصراع بين التخفي والانتظار، بدأ اليوم بين النظام والمرشديين، وسط تأكيد بأن النظام قد يرسل قواته لجلب المرشديين من مناطقهم للخدمة العسكرية. صراع مُكلِفٌ للنظام، لكنه بات اليوم أكثر استعداداً لدفعه مع انتصاراته المعمدة بدم السوريين.

توقيت الرسالة كان مقصوداً في "عيد الفرح بالرب" هذه السنة، ما يبدو وكأنه سيحمل انتقاماً ممن فضّل الحياد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها