الأربعاء 2017/06/28

آخر تحديث: 12:19 (بيروت)

مصطفى طلاس:حين حمت "العناية الإلهية" مبنى القيادة العامة

الأربعاء 2017/06/28
مصطفى طلاس:حين حمت "العناية الإلهية" مبنى القيادة العامة
طلاس، وزير الدفاع الأسبق، توفي الثلاثاء، في مستشفى قرب باريس، عن عمر 85 عاماً (انترنت)
increase حجم الخط decrease
في كتابه "ثلاثة شهور هزت سوريا"، كتب مصطفى طلاس: "وفي 12 آذار 1984 كنت نائماً في مكتبي وإذا بي أسمع بعد منتصف الليل جلجلة كبيرة في ساحة الأمويين وقدّرت أنه يوجد في الساحة حوالي ألف رجل يرقصون رقصة الحرب وكان على رأسهم الشيخ الجليل أحمد الرفاعي.. كانت سيوف الجنود تلامس الأرض إلا قليلاً وكانت الرماح تتطاول حتى لتنوف على شرفة مبنى القيادة العامة وكانت الأيدي تمسك بالأيدي والأكتاف متراصة كأنها بنيان مرصوص وقائد الدبكة الحربية يقول بصوت جهوري يشق عنان السماء:

يا أيها النبي والكوكب الدرّي أنت إمام الحضرة سلطانها القوي.

وعندما يصل الشيخ أحمد الرفاعي إلى كلمة (سلطانها القوي) تهوي ألف قدم على الأرض فترتج ساحة بني أمية وكأن زلزالاً ضربها.

استيقظت من نومي وأطليت من النافذة فلم أجد شيئاً وخرجت إلى الشرفة ومعي مرافقي المساعد سيف الدين سعدة فلم أجد شيئاً وعدت إلى النوم من جديد وما هي إلا نصف ساعة حتى عاودني المنام ونهضت من السرير وكررت المحاولة ولم أجد شيئاً وهكذا حصل معي في الرؤيا الثالثة وسجلت تاريخ الليلة على مفكرة المكتب.. وبعد انتهاء الأزمة اعترف النقيب مالك مصطفى من سريا الدفاع بأن العميد رفعت الأسد أمره ثلاث مرات أن يطلق قذيفة مدفعية محمولة من طراز كفاريكا على مكتبي وبعد خمس دقائق كان يأتيه أمر معاكس بأن ينزع القذيفة. وهكذا كانت العناية الإلهية تحرس مبنى القيادة العامة".

طلاس، وزير الدفاع الأسبق، توفي الثلاثاء، في مستشفى قرب باريس، عن عمر 85 عاماً. وهو كان قد استقر في باريس منذ العام 2012، ونُقل إلى المستشفى قبل 12 يوماً من وفاته، بسبب كسر في عظم الساق، دخل في غيبوبة على إثره.

كتابه "ثلاثة أشهر هزّت سوريا" يُعتبر وثيقة على المرحلة التي أعقبت دخول حافظ الأسد في غيبوبة وتنامي طموح شقيقه، رفعت، بالسيطرة على الحكم، مطلع ثمانينيات القرن الماضي. الكتاب الذي تحول إلى مصدر للتندر والفكاهة، على ما احتواه من تفاصيل ذاتية، وحضوراً لزوجة طلاس وأطفاله ومناماته، ودور القوى الغيبية في "حماية سوريا وقيادتها الحكيمة". في تلك الوثيقة وضع طلاس أساس مقولته التي عاد وكررها في معظم حواراته الصحافية: "سُلطتنا بالبارودة، واللي بده ينافسنا عليها لازم يجيب بارودة أقوى". في مقابلة مع صحيفة "در شبيغل" في العام 2005، برر مجازر حماة بالقول: "استخدمنا السلاح للوصول الى السلطة (...) واي احد يريد السلطة فعليه ان يأخذها منا بالسلاح".

وتقلد مصطفى طلاس منصب وزير الدفاع في عهد حافظ الأسد منذ العام 1972 ولم يغادره إلا في العام 2004، بعد ضمان توريث السلطة لبشار. موقف طلاس ظل غامضاً من الثورة السورية، وسافر في العام 2012 إلى فرنسا للاستقرار مع أسرته ولم يعد من بعدها.

ولم يُعرف عن طلاس، أي خبرة عسكرية، بل اشتهر بحبه لكتابة المطولات الأدبية المغرقة في الذاتية، وشغفه المتهتك بالنساء، ودعاباته الفاجرة.

وحده مسجد بلدة الرستن المحاصرة في ريف حمص الشمالي، نعى طلاس، المولود في البلدة في العام 1932. النعوة أثارت الكثير من اللغط بين الأهالي، فهل تجوز الرحمة على مجرم؟

في الحقيقة، لم يكن طلاس يوماً وزيراً للدفاع، بل كان حصّة السنّة في حكومة الظاهر السورية، في حين كانت السلطة الحقيقية بيد مجموعة من كبار رجال الأمن العلويين. ضابط الاستخبارات الفرنسي السابق، الخبير في الشؤون السورية آلان شوييه، قال لوكالة الأنباء الفرنسية: "قام طلاس بدور محدود في وضع الإستراتيجية العسكرية (للجيش السوري) التي كان يحددها حافظ الأسد والضباط العلويون في الجيش".

طلاس المُتهم بمجازر حماة، ربما لم يكن سوى الواجهة لها، كما كان واجهة في حرب تشرين وفي الاحتلال العسكري السوري للبنان. واجهة سنيّة بضحكة واسعة، تقرض الشعر، وتحتسي الويسكي، وتغازل النساء من موقع السلطة، وتوقع على مراسيم الإعدام الجاهزة.

وولع طلاس بالنساء الشهيرات، وصل إلى الأميرة دايانا، ومارلين مونرو، ومادونا. مرة باح لصحيفة "The Sun" عن ولعه بالمغنية والممثلة جينيفر لوبيز، وكذلك ببريتني سبيرز. ولم يعرف عنه أي تدخل في الحرب اللبنانية سوى عندما طلب في العام 1983 من المتقاتلين اللبنانيين عدم التعرض للقوات الايطالية المتواجدة ضمن القوات متعددة جنسيات خلال الحرب: "كي لا تذرف دمعة من عيني جينا لولو بريجيدا".

ثروة طلاس، جاءت من تخصصه بـ"إطعام الجيش السوري"، وما يتبع ذلك من صفقات فساد تستهدف تجويع "الجيش السوري" وسرقة مخصصاته. قيل يوماً إن لوائين كاملين وهميين كانا على قائمة الإطعام في الجيش.

يقول طلاس في وثيقته، عن تلك الليلة التي باتها في مبنى القيادة العامة: "ورغم حرص الأم على أولادها فإن زوجتي لم تمنع ولدينا (فراس ومناف) من حمل السلاح الفردي والمبيت في مبنى القيادة العامة كحرس مباشر لأمني القريب مع أني أكثر الناس إيماناً بالقضاء والقدر وأن صاحب العمر الطويل لا تقتله المصائب.. ومع ذلك عندما أتذكر هذه المآثر تعود بي الذاكرة إلى أيام العرب الأولى كيف كانت القبيلة طرفاً واحداً كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً".

مات طلاس في باريس، من دون أن يعرف موقفه الحقيقي من الأحداث في سوريا، رغم انشقاق ابنه مناف، القائد السابق لـ"اللواء 104" من "الحرس الجمهوري" في يوليو/تموز 2012.

رحل طلاس، وربما لن تتذكره أي من الشهيرات الجميلات اللاتي أعجب بهن. لكن السوريين سيذكرونه دوماً، فهو الرجل المكلل بالنياشين من دون انتصارات، ومبيض جرائم النظام رغم هامشية دوره وحضوره.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها