الجمعة 2017/12/29

آخر تحديث: 13:25 (بيروت)

الرهان على العشائر: هل تنجح تركيا؟

الجمعة 2017/12/29
الرهان على العشائر: هل تنجح تركيا؟
إلى أي حد يمكن اعتبار الرهان التركي على هذا الفرس رابحاً؟ (انترنت)
increase حجم الخط decrease
ليس في مخرجات "مؤتمر العشائر والقبائل السورية"، الذي انعقد مؤخراً في اسطنبول أي شيء استثنائي، كما لا يمكن توقع إضافة مهمة من "المؤتمر التأسيسي العام لمجلس شورى القبائل والعشائر السورية" الذي عُقد في ريف حلب الشمالي، على الأقل حالياً، خاصة مع تشديد القائمين على هذين المؤتمرين التأكيد على تبنى المبادئ والشعارات والأهداف نفسها، المجتمع عليها من قبل المعارضة.

ولعل اللافت الوحيد في الحراك الأخير، هو حضور ممثلين عن العشائر والقبائل التركمانية والكردية، بعدما ظل الحديث عن هذا العشائر مقتصراً على العنصر العربي، ما يشير طبعاً إلى الدور التركي في هذا الملف. وبدأت أنقرة منذ ستة أشهر في إيجاد جسم عشائري متماسك في الشمال، يكون ممثلاً في الوقت نفسه لمن يقيم على أراضيها من أبناء هذا المكون من السوريين.

ليس هناك تصور واضح بعد عن الرؤية التركية لهذا الملف، الذي لم يسبق لأنقرة أن دخلت في المنافسة عليه مع القوى الأخرى، بما فيها "حكومة الانقاذ" التي أعلنت عنها "هيئة تحرير الشام" في إدلب مؤخراً، والتي شكلت في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 "ديواناً لإدارة شؤون العشائر السورية".

لكن إلى أي حد يمكن اعتبار الرهان التركي على هذا الفرس رابحاً، خاصة وأنه فرس مستهلك ومستنزف كما يرى الكثيرون، أو على الأقل مجرب، سبق وأن راهنت عليه معظم أطراف الصراع في سوريا، من دون أن يحقق أي منها نجاحاً مهماً يمكن استلهامه!

وإذا كان استثمار النظام في الحالة العشائرية قبل الثورة وبعدها أصبح معروفاً، وقد استفاد إلى حد معقول من هذا الاستثمار مع تفجر الثورة، فإن بقية أطراف الصراع والقوى الداعمة لها، قد عملت بعد العام 2011 للدخول في المنافسة على هذا المكون، وحققت نجاحات متباينة، من دون أن يتمكن أي منها من حسم المنافسة لصالحه.

من ناحيتها، فإن الثورة بتشكيلاتها التنظيمية الأولى، قد تنبهت إلى أهمية المكون العشائري، الذي ينتمي إليه، حسب التقديرات، 60 في المائة من المجتمع السوري، فأطلقت "تنسيقية الثورة السورية" اسم "جمعة العشائر" على مظاهرات العاشر من حزيران/يونيو 2011، قبل أن يقر "المجلس الوطني السوري" حصة خاصة بهذا المكون داخله.

وعلى المنوال نفسه سار "الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، الذي بلغ الحضور العشائري في مؤسسات الثورة السياسية فيه ذروته، مع اختيار أحمد الجربا رئيساً للإئتلاف على مدار دورتين، بين تموز/يوليو 2013 وتموز/يوليو 2014، وتعويم سالم المسلط، المعارض القديم وأحد زعماء أكبر القبائل في سوريا "الجبور" كقيادي أساسي في الائتلاف.
فترة اعتبرها الكثيرون بأنها تمثل مرحلة الهيمنة السعودية على المعارضة، ليس فقط بسبب العلاقة الخاصة التي تربط الجربا بالمملكة، بل وكذلك بسبب انتماء الأخير إلى قبيلة شُمَر التي تعود أصولها إلى منطقة نجد، مثلها قبيلة عِنِزَةْ. ويرتكز انتشار القبيلتين في منطقة الجزيرة السورية بشكل رئيسي، وقد لعبتا أدوار مهمة، رغم انقساماتهما، في الحرب خلال السنوات السبع الماضية.

لكن وعلى عكس ما كان متوقعاً، ورغم ما حققته من مكاسب، إلا أن المراهنة السعودية على المكون القبلي والعشائري في سوريا لم تنجح بالقدر الذي أرادته الرياض، وهو ما يعزى إلى فشل قيادة الجربا للإئتلاف، وعدم توفر عمق جغرافي للسعودية في سوريا، باستثناء الجنوب (حوران) حيث تمكنت في بادية اللجاة، وبالتعاون مع الأردن، من تشكيل "جيش العشائر" الذي لا زالت هويته الثورية محل جدل.

أما في منطقتي البادية والجزيرة فقد واجهت الرياض المشكلة ذاتها في التعامل مع العشائر العراقية السنية، إذ افتقدت إلى جانب التواصل الجغرافي، الانسجام الفكري، بسبب توجس هذه العشائر من الإيديولوجية الوهابية التي كان يُخشى باستمرار من سعي السعودية لنشرها. هذا التوجس الذي تضاعف بعد ظهور التنظيمات السلفية الجهادية في مناطق هذه العشائر، وهي تنظيمات تتبنى "الوهابية" كمرجعية بطبيعة الحال.

ومع ذلك، فقد شهدت الفترة ذاتها، 2013-2014، ذروة التنافس على العشائر بين كل من "جبهة النصرة" وتنظيم "الدولة الإسلامية". وتركزت هذه المنافسة، التي حسمها الأخير في النهاية لصالحه، في وادي الفرات؛ الرقة وديرالزور وشرقي حلب، بعد عمليات ترهيب وترغيب مشهودة، وكذلك في بعض أجزاء منطقتي الجزيرة والبادية، المتوفرتين على كل العوامل الاجتماعية والاقتصادية التي تجعل من المنافسة عليهما مغرية. وذلك، قبل أن يدخل على خط المنافسة هذه حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني" بواجهاته ووسائله المختلفة، والذي استطاع مع توسع سيطرته في الشرق والشمال الشرقي، إعادة خلط الأوراق على صعيد الولاء العشائري، المرن غالباً تجاه السلطة.

الكثير من القيادات العشائرية والقبلية، التقليدية منها والوليدة، مرت بمحطات ولاء متعددة، من النظام قبل الثورة، مروراً بـ"الجيش الحر" بعد تفجرها، وصولاً إلى "جبهة النصرة" أو "تنظيم الدولة"، وليس انتهاء بالجانب الكردي. بينما سجلت اسماء مهمة مواقف مؤيدة تماماً للثورة، لكنها عادت بعد ذلك والتحقت بالنظام، وليس نواف البشير، شيخ "عشيرة البقارة" سوى أشهرها.

إلا أن ما تجب الاشارة إليه في الحديث عن هذه التقلبات، هو عدم قدرة أصحابها على إحداث تغيير في مواقف أبناء العشائر التي يمثلونها، إذ حافظت القواعد غالباً على مواقفها وانحيازاتها السياسية الأساسية، مع الانحسار في دور وحضور العشيرة في حياة الفرد والأسرة خلال العقود الأخيرة الماضية، ناهيك عن ظهور وجوه وقوى جديدة داخل العشائر، ترفض أو تزاحم الوجاهات التقليدية على الزعامة، ووجدت في الصراع المتفجر فرصة لتحقيق طموحاتها، عندما انضمت لهذا الطرف أو ذاك، على امل الاستحواذ على السلطة العشائرية، ما أسهم أكثر في إضعاف هذا المكون.

وإلى جانب كونها الداعم الرئيس لـ"قوات سوريا الديموقراطية" التي يهيمن عليها الأكراد، فإن الولايات المتحدة، من داخل "التحالف الدولي" أو بشكل مستقل عنه، قد حاولت بدورها تشكيل قوى مرتبطة بها من العشائر العربية، على غرار تجربة الصحوات في العراق، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل، واقتصر أفضل ما تحقق لها، على علاقة خاصة في إطار غرفة عمليات الدعم الموجودة في الإردن "الموك"، سابقاً، مع فصيلي "جيش مغاوير الثورة" و"جيش أسود الشرقية".

والتشكيلان الأخيران هما أبرز القوى العسكرية ذات الطابع القبلي الخالص، المعترف عليهما من قبل الثورة، ويتكونان من المقاتلين والضباط أبناء عشائر البادية، أو الذين فروا من محافظة دير الزور بعد سيطرة "تنظيم الدولة" عليها عام 2014.

عمليات الفصيلان العسكرية، وبالتعاون مع "قوات الشهيد أحمد العبدو"، التي يمكن القول إنها تمثل بشكل أو بآخر العنصر العشائري في منطقة القلمون، تركزت في منطقة البادية السورية ضد "داعش" وقوات النظام، كما يوجد مجموعات تابعة لـ"أسود الشرقية" في ريف حلب، شاركت في عملية "درع الفرات" التي أطلقتها تركيا ضد تنظيم "الدولة" بين عامي 2016 و2017، واستقرت هناك بانتظار السماح لها بالمشاركة في استعادة محافظة ديرالزور بالتعاون مع قوات "التحالف الدولي". وهو الأمر الذي لم يتحقق في النهاية، إذ اعتمد التحالف بشكل كامل على "قوات سوريا الديموقراطية" التي يقودها الأكراد، وتضم في صفوفها مقاتلين من عشائر عربية مختلفة، لكن أبرزها عشيرة "شُمر" التي يشكل أبناؤها غالبية "قوات الصناديد" بقيادة الشيخ حميدي دهام الجربا، الحاكم المشترك لمقاطعة الجزيرة في "الإدارة الذاتية" التي أعلن عنها "حزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني".

تجمع عشائري آخر من قبيلة "شمر" هو "قوات النخبة" كان قد شكله رئيس "تيار الغد" أحمد الجربا، فشل أيضاً في كسب ثقة "التحالف" وايجاد مكان له في معركتي الرقة وديرالزور، بينما نجح نواف البشير العائد حديثاً إلى حضن النظام في قيادة "لواء الأمام الباقر" المؤلف من مقاتلين من عشيرة البقارة في هذه المعركة إلى جانب قوات النظام، وسط غياب شبه كامل لقبائل منطقة الجزيرة ووادي الفرات الأخرى كالعكيدات والجبور والشرابين وعدوان وحرب وغيرها، ممن قسمها تحول الولاءات أو تعددها، وكذلك توالد الزعامات وانقلاباتها، ما أضعف حضورها الجمعي أخيراً، فغلب عليها طابع الحياد تقريباً.

المشكلة ذاتها عانت منها عشائر منطقة البادية، الممتدة من ريف إدلب الشمالي حتى حدود السويداء، حيث تأثرت بانقسامات ابنائها بين القوى الرئيسية التي تبادلت السيطرة على المنطقة: النظام، تنظيم "الدولة" و"جبهة النصرة"، ما أفقد الموالاي والحديدين وبني خالد وغيرها من قبائل البادية أي حضور خاص في الصراع. مثلها في ذلك مثل عشائر ريفي حلب الجنوبي والشرقي، التي توزع موقف أبناؤها بين الثورة والنظام، وكذلك أيضاً الجماعات الإسلامية، وأبرز عشائر هذه المنطقة هي البطوش والعساسنة واللهيب والبوشعبان، إلى جانب فرع البقارة. وهي عشائر صغيرة بالمقارنة مع عشائر المناطق الأخرى، مثلها في ذلك مثل عشائر محافظة الرقة، ومن بين جميع هذه العشائر، قاد آل بري قبيلة قيس "جيس" للوقوف تماماً في صف النظام، باستثناء قلة ضعيفة من القبيلة أيدت الثورة.

تسعى تركيا وفق خطة مدروسة على ما يبدو، لتشكيل تجمع عشائري واسع يكون حليفاً أو تابعاً لها، تستطيع أن تعتمد عليه لتقوية موقفها في مسارات الحل السياسي التي يتم بناؤها أو انجازها حالياً، بعد فقدان الفصائل الكثير من قوتها، والانقسام الحاد المستمر في أجسام الثورة السياسية، وهو خيار ممكن جداً بالنسبة لتركيا، القادرة على توفير متطلبات انجاح مثل هذا التجمع، وتسويق زعاماته وجمع أبناء العشائر من حولهم. لكنه طريق يبقى محفوفاً بالمتاعب والألغام، بسبب حساسيات العلاقة بين معظم هذه العشائر، وبين أفخاذ وأسر العشيرة الواحدة، وسرعة تبدل ولاءات هذا المكون، ما يؤدي باستمرار إلى انقسامات تضعف العشائر وتحد من تأثيرها السياسي، بدليل رفض عشائر الداخل في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، بما فيها منطقة "درع الفرات"، الإعتراف بشرعية "مؤتمر العشائر والقبائل" الذي عقد في اسطنبول مؤخراً، ما دفع الراعي التركي للعمل على عقد مؤتمر جديد باسم "المؤتمر التأسيسي العام لمجلس شورى القبائل والعشائر السورية"، انعقد في 25 كانون الأول/ديسمبر، وحضره ممثلون عن الطرفين، على أمل جمعهما في تكتل واحد.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها