مجالس إدلب: من "مجلس المحافظة" إلى "إدارة الخدمات"

المدن - عرب وعالمالجمعة 2017/09/01
DSC01669.JPG
مجالس محلية وإدارية عديدة كانت قد أدارت شؤون مدينة إدلب (المدن)
حجم الخط
مشاركة عبر
بعدما أنهكت وحلت أغلب القوى العسكرية المعارضة التي لا ترضخ لها، تمكنت "هيئة تحرير الشام" من الإجهاز على كافة المؤسسات المدنية المستقلة في مدينة إدلب، عبر الإعلان عن تشكيلات إدارية تتولى أعمال المؤسسات السابقة، واستيلائها على كافة المباني والدوائر العامة بقوة السلاح. وتهدف "هيئة تحرير الشام" إلى السيطرة عسكرياً وإدارياً على كافة مفاصل الحياة شمالي سوريا.

إلا أن مجالس محلية وإدارية متعددة كانت قد أدارت شؤون مدينة إدلب، قبل خطوة "هيئة تحرير الشام" الأخيرة. ومن تلك المجالس؛ "مجلس محافظة إدلب" و"مجلس إدارة إدلب" و"مجلس مدينة إدلب"، وسنشير لهم بـ"مجلس المحافظة" و"مجلس الإدارة" و"مجلس المدينة".

في العام 2013، قبل خروج مدينة إدلب عن سيطرة النظام، تشكل "مجلس محافظة إدلب" مدعوماً من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ليُشرِفَ على أعمال كافة المجالس المحلية في مدن وقرى محافظة إدلب. ويتخذ "مجلس المحافظة" من بلدة تفتناز شرقي إدلب مقراً له، لإنه مُنِعَ من ممارسة نشاطاته أو تقديم خدماته داخل مناطق سيطرة "جيش الفتح".

وعقب هزيمة النظام في مدينة إدلب، عام 2015، حاول "مجلس المحافظة" تقديم دعم إلى مخابزها، لكن تم طرد ممثله من مبنى "إدارة مدينة إدلب" بسبب تبعية "مجلس المحافظة" إلى "الائتلاف" ذي "النظام العلماني الكافر" بحسب وصف "إدارة إدلب". ولذلك لم يساهم "مجلس المحافظة" في تقديم أية خدمات إلى مدينة إدلب، واقتصر نشاطه على دعم المجالس المحلية في قرى ومدن المحافظة.

وتم تشكيل "مجلس إدارة إدلب" المعروف محلياً بـ"الإدارة" أو "إدارة جيش الفتح"، في آب/أغسطس 2015، تحت إشراف مكونات "جيش الفتح" العسكرية. وباشر المجلس أعماله بتأسيس ستة مكاتب منها؛ "المكتب المالي" و"الرقابة والتفتيش" و"الشؤون الإدارية" و"الشؤون القانونية" و"الموارد البشرية"، وحاول تفعيل الدوائر العامة تباعاً، وبدأ بدائرة "المصالح العقارية" التي أعاد ترميمها واحتفظ بنسخة من الوثائق الموجودة داخلها، وفعّل "دائرة الإمداد والتموين"، وأعاد تشغيل أفران الخبز من خلال صيانتها وتوظيف كادر فاعل، ثم مؤسسات المياه والكهرباء والاتصالات. ويمتلك هذا المجلس خزينة خاصة به تستمد ميزانيتها من عوائد الدوائر والمؤسسات السابقة، ويصرف مخزونها لتحسين خدماته، وتأمين وقود لمولدات الأفران وتشغيل مضخات جر المياه، مستحقات موظفيه بشكل شهري.

معوقات عديدة أنهكت عمل "مجلس الإدارة"، وأبرزها الخلافات الفصائلية التي نشبت بين مكونات "مجلس شورى جيش الفتح" المشرف على أعمال "الخزينة العامة"، وهي خزينة أخرى تستمد رصيدها من المبالغ المالية التي تدفعها الفصائل المؤسسة لـ"جيش الفتح".

وتبلورت الخلافات بعد بدء معارك حلب الشرقية، ورفض "هيئة فتح الشام" دفع مستحقاتها الماليه لخزينة "الشورى". خزينة "مجلس شورى جيش الفتح" حاولت السيطرة على خزينة "مجلس الإدارة"، وبالفعل تمكت من ذلك بعد مقتل مؤسس "إدارة إدلب" أبو عبدالسلام، خلال معارك حلب وتعيين بديل عنه.

سوء العلاقات العامة، والقيود التي فرضها "مجلس الإدارة" على مصادر الدعم، تسببا في تدني الروابط مع المنظمات الخدمية، وبالتالي انحسار أعمالها، وأفضى ذلك إلى عدم تعامل هذه المنظمات مع "مجلس الإدارة". ونتيجة ذلك باتت الخدمات محدودة في مدينة إدلب، وأصبحت المنطقة بحاجة ماسة إلى إدارة مدنية مستقلة عن القوى العسكرية يمكنها التعامل والاستفادة من خدمات المنظمات المدنية.

في كانون الثاني/يناير 2017، ووسط ترحيب شعبي، تم انتخاب وتشكيل "مجلس مدينة إدلب" المتعارف عليه محلياً بـ"المجلس المحلي في مدينة إدلب"، بعد توقيع مذكرة تفاهم مع "مجلس الإدارة" تنص على تسليم كافة الدوائر المدنية الرسمية في إدلب إلى المجلس المنتخب، خلال فتره أقصاها ثلاثة شهور، لكن بشروط غير معلنة عُرِفَ منها؛ عدم تبعية المجلس إلى "مجلس محافظة إدلب"، وعدم اتخاذه نظام المجالس المحلية، وأن يطلق عليه اسم "مجلس مدينة إدلب" عوضاً عن "المجلس المحلي في مدينة إدلب".

وجود امرأة خلال عملية الانتخاب تسبب بنشوب خلاف مع أعضاء "مجلس الشورى" كاد ينسف العملية الانتخابية برمتها. وتم الإعلان عن فوز 25 مرشحاً بأعلى نسبة أصوات، وعمل المجلس على تنظيم 6 مكاتب له؛ رئيس المجلس وأمانة السر و"مكتب الشؤون المالية" و"مكتب الدراسات والتخطيط" و"مكتب الرقابة" و"مكتب الموارد البشرية"، ولم يتمكن من استلام مقر دائمٍ له إلا في تموز/يوليو.

وحاول "مجلس المدينة" تنظيم شؤون المدينة والنهوض بالواقع الخدمي فيها، وأسس "مديرية النقل". فعلياً، لم يتسلم المجلس سوى "مديرية الخدمات" و"دائرة الأفران" ومؤسستي الكهرباء والمياه، إي القطاعات المُنهِكَة بسبب ارتفاع تكاليف الخبز وضعف المياه وعدم وجود الكهرباء، واعتماد المنطقة على مولدات خاصة تعمل يومياً لساعات محدودة. وتصعب تلبية احتياجات المدنيين من خلال هذه المؤسسات والدوائر لأن أغلب مرافقها معطلة ومدمرة. الأمر الذي أفضى إلى ضعف الحاضنة الشعبية للمجلس. ويبدو أن ذلك كان مراد "إدارة جيش الفتح" التي تعمدت إدارة بقية الدوائر العامة في مدينة إدلب، من دون الإيفاء بمذكرة التفاهم الموقعة سابقاً مع "المجلس المحلي في مدينة إدلب".

وعلى الرغم من كافة القيود السابقة، بات واضحاً خلال شهور معدودة، تغيّر معالم مدينة ادلب من خلال مشاريع متعددة أتمها المجلس ومنها؛ مشاريع النظافة، ومشاريع "النقد مقابل العمل" التي قامت بصيانة كافة الدوّارات الرئيسية وغالبية الأرصفة والمنصفات والحدائق العامة، إضافة إلى مشروع تعبيد شوارع المدينة، ودعم المشاريع الصغيرة، وحفر آبار لتغذية شبكة المياه، وتنظيم ساعات تشغيل مولدات الكهرباء الخاصة بشكل يناسب الجميع. وكان المجلس على وشك البدء بمشاريع متميزة كإنارة الطرقات بواسطة الطاقة البديلة، وتركيب مولدات ضخمة تغذي كامل مدينة إدلب بساعات كهرباء إضافية وتساهم في تشغيل مضخات المياه بشكل مستمر.

"هيئة تحرير الشام" لم تنهِ "مجلس الإدارة"، بعد حلّ "جيش الفتح"، بل سيطرت عليه، واستبدلت مدراء دوائره بأخرين يتبعون لها، وحاولت توسيع نشاطه ليشمل كافة محافظة إدلب. "الهيئة" أنهت بشكل شبه تام "مجلس المحافظة"، وساهت في تجميد أعماله بعدما استحدثت "الإدارة المدنية للخدمات" التي أصدرت بياناً اعتبرت من خلاله أن الهيئات والمديريات العاملة في المناطق المحررة شخصيات اعتبارية مستقلة لا أكثر.

ويُعد "مجلس المدينة" هو المتضرر الأكبر من هيمنة "هيئة تحرير الشام" على الشؤون المدنية، فقد تمّ أنهاؤه بشكل تام وبقوة السلاح، رغم التزامه بعقود ومشاريع مع جهات متعددة ومنظمات داعمة. وحتى اللحظة لم يصدر عن "مجلس المدينة" أي بيان رسمي يوضح مجريات ما تعرض له.

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث