الأحد 2016/08/07

آخر تحديث: 22:42 (بيروت)

المعركة التالية في حلب: وقف تقدم المعارضة

الأحد 2016/08/07
المعركة التالية في حلب: وقف تقدم المعارضة
استفاد المقاتلون من تردد قوات النظام وحلفائها بخوض حرب شوارع بعد رصد طريق الكاستللو (ا ف ب)
increase حجم الخط decrease

سيطر النظام السوري وحلفاؤه مطلع شباط/فبراير على ممر أعزاز بين حلب وتركيا، وتلك الخسارة لم تكن الوحيدة التي مني بها المعارضون في تلك الفترة، إلا أنها كانت بمثابة نقطة تحول كبير في حلب.

منذ ذلك الوقت، استمر النظام المدعوم جواً من الطيران الحربي الروسي، وبراً من حزب الله، ومليشيات يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني، بتحقيق انتصارات هزيلة وبطيئة في ظاهرها، ظنّ البعض في البداية أنها تتعلق بحماية ضاحيتي نبل والزهراء، إلا أن المحصلة النهائية لها كانت كارثية على المعارضة، إذ أسست لدخول المناطق التي تسيطر عليها في حصار هدد حياة أكثر من 300 ألف مدني، بعد معارك حاسمة جرت في الضواحي الشمالية مكّنت النظام من رصد طريق الكاستللو، الذي كان آخر المعابر لفصائل المعارضة والمدنيين في الجزء الشرقي من مدينة حلب.


المدنيون المحاصرون في الأحياء الشرقية، هم الكتلة السكانية الأكبر التي تعرضت إلى حصار طيلة المعارك التي اندلعت في حلب خلال السنوات الأخيرة، ويلاحظ أن الاستراتيجية القتالية للنظام والطيران الروسي حددت أولوية قصوى هي المدنيين، تمثّلت بضرب كل مقومات الصمود في مناطقهم، فضربت المستشفيات والمراكز الطبية والمرافق الخدمية الأساسية، ما دفع بعشرات الآلاف إلى الهرب باتجاه الحدود التركية، الأمر الذي شكّل ضغطاً هائلاً على الفصائل المسلحة وتركيا في آن معاً. وتقول التقديرات إن نحو ربع مليون شخص علقوا على بوابات تركيا نهاية فبراير/شباط.


استفاد المقاتلون من تردد قوات النظام وحلفائها بخوض حرب شوارع بعد رصد طريق الكاستللو، فقد اقتصرت خطة موسكو ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، على تدمير الأبنية والمرافق بالغارات الجوية، وانتظار أن يطلب المدنيون المحاصرون في الأحياء الشرقية من فصائل المعارضة إخلاء المنطقة.


ظّن معسكر النظام أن الوقت المناسب قد حان لإنهاء ملف حلب، فأعلنت وزارة الدفاع الروسية وحكومة دمشق أواخر يوليو/تموز، عن خطة إنسانية مزعومة، تقضي بفتح ممرات آمنة للمدنيين الراغبين بالخروج من الأحياء الشرقية، وتسوية أوضاع المقاتلين الذي يرغبون بالاستسلام.


لم يجد هذا العرض المتسرّع استجابة تذكر بين المدنيين أو المقاتلين في حلب الشرقية. وقد حاولت موسكو بعرضها هذا أن تحاكي سيناريو إخلاء أحياء حمص القديمة في مايو/أيار 2014، بيد أن هناك فوارق جوهرية بين الحالتين، إذ في حمص كانت مفاوضات شاقة، بإشراف تركي، تجري بين مندوبين إيرانيين، و"الجبهة الإسلامية" التي فوّضّت قائد "لواء الحق" أبوراتب الحمصي لإنجاز ملف الإخلاء داخل تلك الأحياء، كما أن سكان تلك الأحياء كانوا يطهون أوراق الأشجار والأعشاب، وكانت المعارضة في أسوأ تجارب الحصار في سوريا على الإطلاق، مع انهيار جبهات القلمون، بعكس الفترة الحالية، التي يضطلع فيها تحالف "جيش الفتح" بدور كبير جداً، ومتماسك، في القرار العسكري شمال سوريا بعد سيطرته على إدلب، ويملك خطوط تواصل بالغة الأهمية مع فصائل حلب، فضلاً عن وجود قوات له في الريف الجنوبي للمحافظة، وأي انتكاسة في حلب تشكّل انتكاسة لقواته في إدلب.


مع تحقيق المعارضة لأهداف العملية الأخيرة في حلب، تدخل المنطقة الشمالية من سوريا مرحلة جديدة من الصراع، لا يقل دموية عن المواجهات الأخيرة، فقد بدأت بعض أطراف المعارضة بالتلميح إلى وجود رغبة بالتقدم نحو الجزء الخاضع لسيطرة النظام في مدينة حلب، وكان آخر إعلان بهذا الخصوص قد صدر عن قيادي في "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً)؛ وهذا الأمر إذا ما تحقق، فإنه يعني سقوط مركزية إدارة المواجهة في حلب للنظام وحلفائه، فضلاً عن أنه يشكّل مقدمات لخروج المنطقة الشمالية عن نطاق التأثير الإقليمي على الأطراف المتصارعة بمجرد القضاء على أحدهما.


ومن الملاحظ أن المعارضة كانت تتوقف، دائماً، بصورة مفاجئة، عن التقدم نحو مناطق جديدة، عندما يشكل ذلك التقدم احتمال حدوث اتصال جغرافي بين المحافظات وخلل في التوازن العسكري، على غرار ما جرى في درعا والقنيطرة، والقلمون وحمص. وفي درعا، على الأقل، لم يكن هناك دور يذكر لـ"جبهة النصرة" أو "أحرار الشام" في المعارك التي أوقفت، فيما تقاسمت "جبهة فتح الشام"، و"أحرار الشام"، و"جبهة أنصار الدين"، و"جماعة أنصار الإسلام"، و"الحزب الإسلامي التركستاني"، وفصائل "المعارضة المعتدلة"، جبهات المعركة الأخيرة في حلب.


الانجازات التي حققتها المعارضة في حلب، ترسم ملامح تدخل دولي عاجل للطلب من الدول التي دعمت معركة فك الحصار -والحديث يتردد عن دعم تركي-سعودي-قطري- بتثبيت خطوط التماس حالياً في المناطق التي وصلت إليها عمليتا "ملحمة حلب الكبرى"، و"غزوة ابراهيم اليوسف"، لاسيّما أن المبرر بالنسبة للداعمين كان خرق روسيا والنظام لاتفاق "وقف الأعمال العدائية" مرات عديدة، وتجاوز دمشق وموسكو لخطوط التماس التي رُسمت بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا؛ فسقف الرد المسموح على هذا الخرق لا يبدو أنه سيتعدى خطوتين إلى الأمام حققتهما المعارضة، وخطوة إلى الوراء سيطلب منها أن تخطوها. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها