الأربعاء 2016/05/04

آخر تحديث: 15:51 (بيروت)

اللاذقية:النازحون الحلبيون يتخوفون من سوقهم للقتال بحلب

الأربعاء 2016/05/04
اللاذقية:النازحون الحلبيون يتخوفون من سوقهم للقتال بحلب
كل من يذهب للقتال في حلب، إما يُختطف وإما يُقتل من دون أمل في عودة جثمانه (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
تواجد عشرات الآلاف من النازحين الحلبيين المقيمين في مدينة اللاذقية، لم يكن سبباً كافياً لتسجيل أي تحرك شعبي للتضامن مع مدينتهم، التي تشهد أحداث عنف لم يسبق لها مثيل منذ انطلاق الثورة السورية حتى الآن. وعلى الرغم من حدوث تحرك بسيط في طرطوس لمنظمات شعبية ومهنية، رفعت صور رئيس النظام ونادت بضرب "الإرهابيين" بيد من حديد، إلا أن الصمت المطبق كان سيد الموقف في اللاذقية، التي انشغلت بزحمة أعياد دينية ووطنية، تناولت الخطابات الرسمية فيها جميع المواضيع، من المؤامرة الكونية، والحصار الاقتصادي، وتاريخ نضال العمال العالمي، وغابت عنها حلب. وكأن ما يحصل في حلب لا يعني الشارع المؤيد المؤمن بأن الأمر برمته عبارة عن مؤامرة إعلامية مقصودة، تستهدف النظام السوري، وتحاول ظلماً تحميله مسؤولية ما يحدث هناك.

لم يعلق الحلبيون كثيراً حول ما يجري مدينتهم، فغالبيتهم لا تُفضل الحديث عن الموضوع. انشغالهم بأعمالهم وحياتهم في مدينتهم الجديدة، اللاذقية، أبعدهم عن تداعيات الاشتباكات التي هربوا منها، لينعموا بأمن الساحل، تاركين المهمة القتالية لقوات النظام التي تحظى بفائض دعائهم. حلبيو اللاذقية لم يقدموا دعماً بشرياً لقوات النظام أو المليشيات المختلفة، ما أثار حفيظة العلويين في الساحل، وبدأت اصواتهم تعلو مطالبة بتطويع النازحين الحلبيين ليذهبوا ويدافعوا عن مدينتهم، خاصة وأن الوافدين قدموا أصلاً من الأرياف الحلبية، أو أحياء المدينة الواقعة تحت سيطرة المعارضة. لذا فالأجدر بهم، بحسب الأصوات الغاضبة، أن يذهبوا لقتال الإرهابيين من أبناء جلدتهم، ويتركوا انشغالهم بالتجارة وأعمال البناء التي يبرعون بها. لكن تجاهل هذه الدعوات ومتابعة الحياة بكل انسيابية، كان ردّ الفعل الوحيد الصادر عن أغلب الوافدين إلى الساحل.

ولا يعيش النازحون الحلبيون في بحبوحة مادية كبيرة، والكثير منهم حاول البدء من جديد، ونجح في ذلك ضمن مدينة تعمها الفوضى الأمنية، وآخرون ما زالوا يلهثون وراء لقمة عيش بات من الصعب الحصول عليها دون بذل جهود مضاعفة. وقد حاول الكثير منهم بداية الأمر تجنب الانخراط في سلك المليشيات التي يشكلها النظام بين حين وآخر، إلا أن الحاجة المالية دفعت آخرين للتطوع ضمن مليشيا "قوات درع الساحل"، وبعض التشكيلات العسكرية العاملة في ريف اللاذقية، بهدف الحصول على رواتب مالية مجزية، وضمان البقاء في مناطق باردة نسبياً من حيث الاشتباكات، وإبعاد فكرة ارسالهم للقتال في حلب، الثقب الأسود، كما تُسميها الأوساط الشعبية. فكل من يذهب للقتال فيها، إما يُختطف وإما يأتي خبر مقتله من دون أمل بعودة جثمانه إلى ذويه.

تبقى معركة حلب، التي يحشد لها النظام بشكل كبير في الآونة الأخيرة، مصدر قلق للكثيرين من الحلبيين المقيمين في مدينة اللاذقية، خاصة من فضّل البقاء خارج "مراكز الإيواء" التي استقطبت النساء والاطفال والكبار في السن. الخوف من انتشار حواجز التفتيش للسوق إلى المعركة، بات شبحاً يطارد من هم دون سن الأربعين من النازحين الذكور. فالنظام لم يتخذ بعد خطوات جديّة لسوق المطلوبين للاحتياط إلى الخدمة العسكرية، كما أن الحواجز تتساهل نوعاً ما، في التفتيش عن الهاربين من الخدمة. لكن انتشار أحاديث تشير إلى تردد عدد لا بأس به من العلويين في الذهاب لخوض المعركة، حوّل توجس النازحين الحلبيين إلى حقيقة، وباتت أصابع الاتهام تتجه نحوهم بأنهم هربوا من مدينتهم، تاركين مهمة الدفاع عنها لطائفة قدمت الآلاف من أبنائها للقتال في محافظة لا ينتمون إليها، ولم تترك في مخيلتهم سوى ذكريات سيئة، وهزائم نكراء مع كل هجوم يعلنه النظام لاستعادتها، انطلاقاً من "أم المعارك" في العام 2012، حتى معركة حلب الحالية.

الترويج لمساندة سلاح الجو الروسي في المعركة المرتقبة، ونشر أخبار عن استقدام مقاتلين وخبراء من إيران والصين والجزائر، لم تنفع في تحفيز العلويين للثقة بتحركات قياداتهم والاسراع لخوض المعركة. فالأخبار القادمة من ريف اللاذقية لا تبشر بخير، رغم تواجد الطائرات الروسية والمدفعية الأرضية، إلا أن كل هجوم خاطف تنفذه المعارضة المسلحة في كباني، آخر معاقل المعارضة في المنطقة، ينتج عنه عشرات القتلى، ينقلون إلى مشافي اللاذقية، إلى جانب مصابين لم تشف جراحهم بعد. فكيف سيكون الحال في منطقة تعج بآلاف الفصائل المسلحة، التي تعرف طبيعة الأرض جيداً واختبرت القتال فيها. عوامل مجتمعة جعلت الضغوط تزيد على النازحين، ليتحملوا "مسؤوليتهم" في مساندة النظام الذي "وفر لهم كل شيء"، وجاء دورهم الآن لـ"ردّ الجميل".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها