الثلاثاء 2016/05/03

آخر تحديث: 14:45 (بيروت)

فصائل الغوطة ضد "جيش الإسلام"

الثلاثاء 2016/05/03
فصائل الغوطة ضد "جيش الإسلام"
يعد جهاز القضاء الحالي في الغوطة أحد مسببات تفاقم المشاكل بين الفصائل وتراكمها (عدسة شاب دمشقي)
increase حجم الخط decrease
تواصلت المعارك، الإثنين، لليوم السادس على التوالي بين "جيش الإسلام" من جهة، و"فيلق الرحمن" و"جبهة النصرة" و"لواء فجر الأمة" من جهة أخرى. فيما أعلنت "حركة أحرار الشام"، التي تشكل مع الفصيلين الأخيرين ما يعرف بـ"جيش الفسطاط" في الغوطة، اعتزال الاقتتال. وقد نتج عن الاقتتال طرد "جيش الإسلام" من معظم بلدات الغوطة ومدنها، ما عدا مدينة دوما وبلدات الشيفونية والأحواش وبيت نايم، وسيطرة الطرف الآخر على ما تبقى من الغوطة.

ولم يستجب قيادات الفصائل فعلياً إلى أي من مبادرات الحل التي تم تقديمها من الداخل والخارج. وحملتْ جميع بيانات "فيلق الرحمن" و"جيش الإسلام" تصعيداً متبادلاً باللهجة، رغم إعلانهما الظاهريّ القبول بالتهدئة. ولم يقوما بأي خطوات ميدانية تصدّق قبولهما بالتهدئة. فيما لم يقم كل من "لواء فجر الأمة" و"جبهة النصرة" بإصدار أي بيان.

"الهيئة العامة للغوطة الشرقية"، المشكلة من جميع القوى المدنية والمؤسسات العاملة في الغوطة، قدمت الأحد مبادرة للحل تتضمن: وقف إطلاق النار، وتشكيل مجلس من القادة العسكريين والهيئة العامة مناصفة، ودعوة القضاة والحقوقيين والشرعيين لتشكيل قضاء جديد مستقل لتسليمه كل الملفات العالقة التي تسببت في الاقتتال. لتقوم "جبهة النصرة"، فجر الإثنين، باقتحام منطقة العب الواقعة في مدينة دوما التي يسيطر عليها "جيش الإسلام" من جهة مسرابا المسيطر عليها من قبل "النصرة". كما قامت "النصرة" باعتقال قائدين للمظاهرات التي عمت الغوطة مطالبة بوقف الاقتتال، واتحدت في مظاهرة واحدة متجهةً إلى مدينة دوما التي تطبق الفصائل الحصار عليها. اعتقال "النصرة" لكل من سيفو العكر، وأبي عماد صابر، جاء على الرغم من معرفة الجميع بعدائهما الشديد لـ"جيش الإسلام" وتجييشهما مظاهرات ضده في السابق. ما أعطى انطباعاً بأن "جبهة النصرة" تحاول عرقلة أي مسعى للتهدئة، من أي طرف كان، قيادات مدنية أو تجمعات شعبية أو غيرها.

وكان "جيش الإسلام" قد تصدى لمحاولة الاقتحام وأطلق معركة لاقتحام بلدة بيت سوا المحاذية لمسرابا من جهة الشرق، وكذلك مدينة حرستا المحاذية من جهة الغرب. وقد فشل في اقتحام الأخيرة، فيما نجح في الأولى، قبل أن يشن "فيلق الرحمن" هجوماً مضاداً استطاع فيه استعادة السيطرة على بيت سوا بالكامل.

وبدأ "فيلق الرحمن" هجومه مع "النصرة" و"فجر الأمة"، بحسب تصريحات عن الفيلق، بعدما رفض "جيش الإسلام" تسليم المتورطين في ملف الاغتيالات التي تشهدها الغوطة منذ نحو عامين، وكذلك لاعتداءاته المتكررة على مقارّ "فيلق الرحمن"، ما يعطي علامات عن نية "جيش الإسلام" بالقضاء على "الفيلق".

"جبهة النصرة" كانت قد ألقت القبض على من اتهم بمحاولة الاغتيال الأخيرة للشيخ خالد طفور، نهاية آذار/مارس، واعترف بتبعيته لـ"الجهاز الأمني" في "جيش الإسلام". ومن بعدها قام قائد "فيلق الرحمن" الملازم أبو النصر، بجمع وجهاء الغوطة وقادتها المدنيين، في اجتماع سري لعرض الاعترافات عليهم، وكلفهم بتشكيل لجنة قضائية للتحقيق في القضية.

وقد رفض "جيش الإسلام" اللجنة القضائية، مطالباً بتحويل المتهم إلى "القضاء الموحد" للغوطة الشرقية، رغم أن جميع قضاة اللجنة هم من العاملين في "القضاء الموحد"، وهو ما رفضه "فيلق الرحمن" والجهات المدنية التي حضرت الاجتماع لعلمهم بسيطرة "جيش الإسلام" على "القضاء الموحد" وتبعية "المجلس القضائي الأعلى" وقضاة الصف الأول له.

وقال أحد أعضاء "اللجنة القضائية"، في تصريح خاص بـ"المدن"، إن هناك 12 شهادة تؤكد تبعية المتهم، واسمه محسن عبد السلام بدر الدين، ويكنّى بأبي علي حزة، إلى "جيش الإسلام"، وأولها شهادة زوجته، وكذلك شهادة "المجلس المحلي" في بلدة حزة. وأن هناك قائمة باسماء أشخاص تابعين لـ"جيش الإسلام" متورطين بسلسلة الاغتيالات التي تمت في الغوطة، ومنها اغتيال المرحوم الشيخ أبو أحمد عيون وغيره. وقد استطاعت اللجنة بالتعاون مع "فيلق الرحمن" من إلقاء القبض على بعض الأسماء في القائمة، واعترفوا بما قاموا به من اغتيالات. فيما الصف الأول من المتورطين متواجدين في دوما، "جيش الإسلام" حيث يصعب اعتقالهم في ظل رفض الجيش تسليمهم، وأهمهم الشرعي العام لـ"جيش الإسلام" سمير كعكة المكنى بأبي عبد الرحمن، ورئيس "الجهاز الأمني" في "جيش الإسلام" سعدو الغزاوي المكنى بأبي سفيان.

ويعد جهاز القضاء الحالي في الغوطة أحد مسببات تفاقم المشاكل بين الفصائل وتراكمها، حيث تنعدم الثقة في حياديته ونزاهته. وقد تم تأسيس "القضاء الموحد" بداية العام 2014 مع اندماج كافة مشايخ الفصائل وشرعييهم وأتباعهم من دارسي الحقوق، باستثناء "جيش الإسلام"، في جسم قضائي واحد. وبعد فترة قبل "جيش الإسلام" الانضمام بشرط خروج "جبهة النصرة" من "القضاء الموحد"، وهو ما تم.

وجرت بعد ذلك، توسعة القضاء ليشمل معظم الكفاءات القانونية في الغوطة، مع احتفاظ الفصائل بالسيطرة على "المجلس القضائي الأعلى" الذي يشكل رأس الحربة. ومنذ بداية تشكيله، كان هناك رفض للاستناد على القانون السوري الوضعي الذي يحكم بغير "ما أنزل الله"، واعتمدت الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع.

ولم يستطع القضاء إدانة أي تابع لتلك الفصائل في كل الادعاءات التي وجهت إليهم، بسبب التوازنات القائمة فيه. كما فشل في كشف كثير من الجرائم الكبرى التي شهدتها الغوطة، كالاغتيالات والخطف والتهجم على الناشطين في بيوتهم. إلى أن آلت الأمور إلى لجوء الفصائل إلى السلاح لفرض ما تراه "عادلاً".

وتبدو الأمور متجهة نحو التصعيد مع فشل مبادرات الحل في تهدئة الطرفين، علاوة على عدم قدرة الفيلق على ضبط "جبهة النصرة" التي لا تقبل بوقف القتال قبل القضاء على "جيش الإسلام" كاملاً.

وقد شكلت الضربة التي باغتت فيها الفصائل "جيش الإسلام" مفاجأة للجميع، بمن فيهم أولئك الذين ينتمون لهذه الفصائل. وقال أحد عناصر "فيلق الرحمن" أمام جمع من الناس، إنه وزملاءه لم يتوقعوا أن تصل النتائج إلى هذا الحد، بعدما ظنوا أنها ستكون مجرد "خناقة" كالعادة، تنتهي في اليوم ذاته، من دون وقوع كل هذا العدد من الضحايا وحصر "جيش الإسلام" وقوته الضاربة في مدينة دوما وعدد من البلدات الصغيرة.

ومع تكتم معظم الفصائل على عدد قتلاهم، وصعوبة العمل على إحصائهم، فإن متابعين يقدرون عدد القتلى بالمئات، بينهم عشرات المدنيين. وتمتلئ المشافي بالجرحى الذين تمنع "جبهة النصرة" نقل أي منهم إلى مشافي دوما المجهزة بشكل أفضل من بقية مشافي الغوطة، حتى لو كان الجرحى مدنيون.

وقد قال قادات تلك الفصائل في جلسات خاصة، إن الدعم الخارجي متوقف عنهم لصالح "جيش الإسلام" الذي يتلقى دعماً ضخماً، ما جعلهم يلجؤون إلى حفر الأنفاق والإتجار بالمواد الغذائية والالكترونية والمحروقات.

وتشهد جبهات القتال مع قوات النظام ما يشبه الهدوء بعد إعلان حلفاء النظام عن هدنة في ريف دمشق، منذ بدء الاقتتال الداخلي في الغوطة. لكن قوات النظام قامت بالتقدم، السبت من جهة منطقة الركابية في المنطقة الجنوبية من الغوطة قبل أن يعلن "جيش الإسلام" أنه قام باستعادة كل ما تمت خسارته في الساعات السابقة.

وقام "جيش الإسلام" بسحب كل قواته من جبهة دير العصافير، الأحد، فقامت قوة من "جبهة النصرة" بمحاصرة القوات المنسحبة في منطقة المحمدية لمنعها من الوصول إلى بلدة بيت نايم، حيث يبدأ نطاق سيطرة "جيش الإسلام" الممتد إلى مدينة دوما. وقال مدنيون في منطقة المحمدية إن بعض عناصر "جيش الإسلام" قد تم قتلهم، وأسر آخرون.

قوة جميع الفصائل التي تقاتل "جيش الإسلام"، بالإضافة إلى "حركة أحرار الشام" التي اعتزلت القتال، لا تصل إلى ربع قوة "جيش الإسلام" في العديد والعتاد. لكنّ ما حدث يذكّر بقول نيتشه في معرض نقده لنظرية داروين حول "الصراع من أجل الحياة" و"البقاء للأقوى" الذي يعتبر حدوثه مجرد استثناء: "لكن لنفترض أن هذا الصراع موجود، وذلك ما يمكن أن يحدث بالفعل، فإنه سيجري في الاتجاه المناقض لما تنتظره المدرسة الداروينية: أي على حساب الأقوياء وذوي الامتياز.... فالضعفاء ما انفكوا يفرضون سيادتهم على الأقوياء".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها