الأحد 2016/05/15

آخر تحديث: 13:54 (بيروت)

داريا: الموت البطيء برعاية دولية

الأحد 2016/05/15
increase حجم الخط decrease
عاودت قوات النظام والمليشيات الموالية، محاولة اقتحام مدينة داريا في غوطة دمشق الغربية، من جبهتين رئيسيتين: الغربية والجنوبية الغربية. ودفعت قوات النظام بأعداد كبيرة من الجنود والدبابات والمدرعات، تحت تغطية نارية، من المدفعية وصواريخ أرض-أرض، وقصفت المدينة بوحشية. 

القوات المُهاجمة تكبدت خسائر بشرية ولوجستية، وقال أحد أبرز القادة الميدانيين في الجيش الحر في داريا أبو جعفر، لـ"المدن"، إنهم إستطاعوا قتل ما لا يقل عن عشرين عنصراً وإصابة عدد كبير من قوات النظام والمليشيات، ومن بينهم تم التأكد من مقتل إيراني إستطاعت قوات النظام إخلاء جثته، والقيادي في "الحرس القومي العربي" الجزائري حسين عيسى. كما تم تدمير دبابة "T-72".

الجيش الحر الممثل بـ"لواء شهداء الإسلام" في داريا، أعلن عبر صفحاته في مواقع التواصل الإجتماعي في بيان له، أنه "لا صحة لما يتداوله إعلام النظام حول خرق الجيش الحر في مدينة داريا للهدنة، فالنظام قام بالإعتداء وبدأ منذ الصباح بالقصف المدفعي على المدينة. كما نؤكد نحن لواء شهداء الإسلام إلتزامنا بوقف الأعمال العدائية حتى اللحظة، إلا أننا سنتعامل مع أي خرق من قبل قوات النظام ومليشياته".

وتجدد قصف قوات النظام على مناطق المدنيين في داريا، وبالتحديد من المدرسة الثانوية شمال شرقي المدينة حيث تقيم قوات النظام معسكراً صغيراً تقصف منه مناطق تواجد المدنيين وجبهات القتال مع الجيش الحر.

وتفيد معلومات المعارضة بأن أعداداً كبيرة من المقاتلين الإيرانيين والمليشيات وفدت إلى المنطقة لمؤازرة قوات النظام، للسيطرة على مدينة داريا، التي تعتبر أكثر المدن استراتيجية في الغوطة الغربية.

القصف لم يستهدف فقط جبهات القتال وأحياء المدنيين، بل استهدفت قوات النظام المناطق الزراعية، بغرض حرق المحاصيل الزراعية التي يعيش عليها السكان المحاصرون منذ ثلاثة أعوام.

وتتحدث جميع الأطراف الدولية عن ضرورة إيجاد حل لمدينة داريا، وضرورة وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات للمدنيين، الذين كانت قد زارتهم لجنة من الأمم المتحدة، في 16 نيسان/إبريل، ممثلة بأهم مندوبيها في دمشق: خولة مطر وأمير الندى، من مكتب المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، ومحمد خفاجي من الأمم المتحدة.

مطر دخلت إلى داريا، وإلتقطت صوراً مع الأطفال الجائعين وهم يغنون، ولكنها لم تحمل لهم حتى قطع البسكوت والحلوى في سيارتها المصفحة، ولا حتى لقاحات لهم ضد الأمراض السارية المتفشية بينهم. ومع ذلك فقد وصفها المجتمع الدولي وأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، بـ"السيدة الشجاعة". ربما لأنها إستطاعت مجرد الدخول إلى مكان محاصر تقطنه كائنات لا يأبه العالم لموتها، وتمكنت من اللعب مع أطفالهم وإلتقاط الصور معهم من دون أن يصيبها مكروه.

الخفاجي شبه مقيم في دمشق والعارف تماماً بماهيّة النظام، كان قد شارك في العديد من عمليات وصفقات إخلاء المدن السورية من سكانها، ونقلهم خارجها بحسب ما تشتهيه الرغبات الطائفية لنظام الأسد.

الفريق الدولي في سوريا، الذي لم تتغير بنيته تقريباً منذ بعثة المراقبة التي أرسلتها جامعة الدول العربية عام 2012 برئاسة الضابط السوداني محمد مصطفى الدابي، خرج بالكثير من الوعود التي لم يتحقق منها شيء، لا بلّ وشجّع المُحاصَرين الجوعى في المدينة، بتقديم حلول، واعداً بأنه سيسمع مقترحاتهم. وأول ما فعلته اللجنة أنها قللت من تقدّير أعداد المحاصرين، وقالت بوجود نصف الأعداد التي قدّرتها هيئات المدينة، وقالت إنه يوجد فيها قرابة أربعة ألاف مدني محاصر، لا ثمانية ألاف، كما يقول المحاصرون. ذلك سيجعل قتل الألاف الأربعة، أقل ضجة وإقلاقاً لضمير العالم.

ولم تكتمل القصة مع وعود منظمات المجتمع الدولي، بل إن "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" أبلغت المشفى الميداني في داريا، في 11 أيار/مايو، نيتها إدخال مساعدات دوائية إلى المدينة المحاصرة في 12 أيار، بعدما أخذت موافقة النظام على ذلك، ومن دون أن تتضمن مساعدات غذائية. فالمساعدات للمحاصرين، التي وافق نظام الأسد على دخولها، بعد ثلاثة أعوام من العزل والحصار، تضمنت أدوية ولقاحات وحليب أطفال فقط.

الأهالي تجمعوا صباح الخميس، في انتظار قافلة المساعدات، وعبروا عن استنكارهم لاستثناء المساعدات الغذائية مسبقاً من الدخول. ووصلت القافلة التي تضم أعضاء من الأمم المتحدة، و"اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، و"منظمة الهلال الأحمر العربي السوري"، بُعيد الظهر إلى مشارف مدينة داريا، ليتم إيقافها عند حاجز لـ"الفرقة الرابعة" بالقرب من معمل "آيس مان"، للتفتيش. وأصر ضباط قوات النظام من الفرقة التابعة لشقيق الرئيس السوري ماهر الأسد، على منع دخول حليب الأطفال والأدوية، والسماح فقط بإدخال اللقاحات.

الفريق المسؤول عن القافلة أصر على دخول المساعدات الدوائية كاملة، واستمر التفاوض بين الطرفين لساعات من دون الوصول إلى نتيجة ما أدى إلى إلغاء المهمة بالكامل، وعودة القافلة إلى دمشق حوالى الساعة السادسة والربع مساءً.

منع إدخال حليب الأطفال والأدوية إلى مدينة محاصرة منذ ثلاثة أعوام، ما هو إلا تنفيذ لقرار بالإعدام الجماعي للناس. هو إقرار بوجوب موت الأطفال والمرضى والمصابين. ألا يكون هذا فعلاً من أفعال التطهير العرقي؟ أم أن الأمم المتحدة لا تجرؤ على تسمية الأشياء بمسمياتها، وهي المتورطة في ملف اخلاء السكان من حمص وصولاً إلى ريف دمشق.

بعد ذلك مباشرة، قصفت قوات النظام أماكن تجمّع المدنيين المنتظرين دخول المساعدات، بقذائف الهاون ما تسبب بإصابة 5 مدنيين ومقتل اثنين.

كل ذلك، أصبح يعطي التسريبات عن وجود إتفاق دولي لتأمين طوق العاصمة لصالح النظام، مصداقية، وبأن جميع الأطراف اتفقت على ممارسة سياسة غض النظر عن أفعال النظام، حتى من قبل الدول التي تدعّي وقوفها إلى جانب الشعب السوري. وفي كل مرة يقول فيها تشكيل عسكري من فصائل الجنوب إنه يحاول أو سيبدأ العمل لفتح الطريق إلى داريا ومعضمية الشام، فسرعان ما يتلقى تهديدات بقطع الإمدادات عنه، من قبل "غرفة عمليات الموك". حتى "جبهة النصرة" وغيرها من الحركات الإسلامية، وجدت في صمود داريا ومجلسها المدني وجيشها الحر في أشرس معركة وجودية، أمراً أزعجها، فحاولت التشويش عليه والإساءة لداريا بالخطابات الرنانة والتبني والوصاية عن بعد، كما يفعل شيخها عبدالله المحيسني.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها