الثلاثاء 2016/04/12

آخر تحديث: 18:06 (بيروت)

الانتخابات التشريعية السورية..التراجيديا في ذروتها!

الثلاثاء 2016/04/12
الانتخابات التشريعية السورية..التراجيديا في ذروتها!
صور بعض المرشحين تضمنت رقم هاتف جوال أو حتى "واتساب" للتواصل مع المرشح وطرح أي تساؤل (انترنت)
increase حجم الخط decrease
أن يتجاوز الواقع حدود السخرية، فهو الدخول في التراجيديا. ذلك تماماً ما فعلته صفحة خاصة بالدعوة لانتخابات مجلس الشعب في سوريا، في موقع التواصل الاجتماعي، عندما نشرت عبارة لجورج أورويل: "الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والخونة، لا يعتبر ضحية بل شريكاً في الجريمة".

وفي حين يجري الإعداد لعقد جولة جديدة من مفاوضات جنيف، حول حجم وشكل التغييرات الانتقالية التي تمس سلطات الحكم الأساسية، والتشريعية منها، يُكمُل نظام الأسد الإعداد لمسرحية انتخابات "مجلس الشعب"، فتنتشر حملات المرشحين الدعائية، بزهو، في صور ولافتات ملونة تملأ الشوارع، وبيانات وشعارات تملأ الواقع الافتراضي الموازي.

يتساءل المرء، من ذا الذي يدخل مهزلة انتخابات تشريعية خلال محادثات تتضمن في مقترحاتها اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال 18 شهراً؟ وبأي وقاحة يتم ذلك وحوالى نصف السكان صاروا خارج البلاد أو "سوريا المفيدة" لعائلة رأس النظام ومقربيه؟ من هم المرشحون الذين يستجيبون لصفقة كهذه؟


نوعان

لابد أن فرقاً كبيراً يقسم المرشحين إلى فئتين، واحدة بميزانيات دعائية ضخمة تعتمد السياسات الدعائية التي سادت في سوريا من قبل الثورة؛ من نشر الصور واللافتات في كل مكان، وحتى فوق صور المرشحين الآخرين، إلى توزيع أكياس الخبز المرفقة ببرنامج انتخابي، وإقامة "مضافة" وتوزيع مواد غذائية وهدايا تذكارية. معظم هؤلاء في دمشق، من رجال الأعمال ذوي العلاقات القوية مع السلطة منذ أعوام.

النوع الأخر ممن استفاد من خلو الساحة، ورأى الفرصة سانحة لتحقيق مكاسب فردية أو ربما جماعية. إحدى المرشحات استعارت من مرشح لمجلس النواب المصري شعاره: "الشعب يريد نائب جديد: يرى، يسمع، يتكلم". اللافتة المعلقة في ساحة باب مصلى، يقرأها شبان لا يملكون إلا الضحك، فمطالبات كهذه مثيرة للسخرية أمام كل ما يعيشه السوريون.


النساء بقوة

على عكس مناطق سيطرة المعارضة، يتباهى النظام بدعمه المزعوم لحقوق المرأة، ورغم وجود ملفات ضخمة معلقة لسنوات من دون تغيير في هذا الصدد، إلا أن الدعاية الخاصة بكون المرأة تتمتع بكل حقوقها، أمر شائع في أوساط المؤيدين والحياديين. والنساء في هذه الدورة الانتخابية حاضرات أكثر من ذي قبل بكثير، وبشكل لا يقبل الشك. القوائم الانتخابية القوية في دمشق تحتاج إلى إضافة التوابل النسائية لتأكيد دور "العصرنة" المطلوب، وربما أيضاً التنوع واللحمة الوطنية.

عضو مجلس الشعب في دورته السابقة المهندسة ماريا سعادة، عادت للترشح في "قائمة الشام" أي قائمة رجل الأعمال محمد حمشو، في إصرار لا يخلو من ابتذال على تأكيد التآخي الديني، بين الإسلام والمسيحية، وتمكين المرأة السياسي. المهندسة والداعية الإسلامية فرح حمشو في "قائمة دمشق"، لـ"محمد حمشو" أيضاً. ومنعاً لتكرار الألقاب في القائمة الواحدة، وحفاظاً على المهنية، تظهر صورة حمشو، لتمثل الشاميات البرجوازيات و"القبيسيات"، خجولة كما يجب لامرأة متدينة بين صناعيي وتجار المدينة. إلا أن حملة فرح تعرضت لاستنكار بعد نشر إحدى الصفحات في "فايسبوك"، خبراً عن رغبة فرح في "نشر الإسلام كما أنزل"، لتثور ثائرة علمانيي النظام، ما استدعى نفي المرشحة لما نسب إليها، ولتؤكد أن هدفها هو "نبذ التطرف" كما يظهر في شعار حملتها.

السخرية تتواصل، وينتاب المراقب شعور غريب أثناء متابعته تفاصيل الحملات الانتخابية في سوريا، حتى يكاد يشعر أنه يعيش إحدى مؤامرات مسلسل "هاوس اوف كاردز"، حيث يتغير الكثير تبعاً لتأثير الرأي العام.


"دمشق" و"الشام"

قائمتا "دمشق" و"الشام" لم تسلما من سخرية الشارع؛ الباحث عن الفرق الحقيقي بينهما، وقد تتابعت صور حملتيهما لصيقة متجاورة دوماً على الأبنية واللوحات الإعلانية. البعض رأى الفرق في ارتداء مجموعة "دمشق" لربطات العنق وامتناع قائمة "الشام" عن ذلك، كما هيمن اللون الأزرق على واحدة والأخضر على الأخرى، لضرورة التمييز. لكنهما بناءً على الاقتراح الذي أعلنه رئيس "اتحاد المصدرين" محمد السواح، فقد أعلن عن توحيد القائمتين، بقائمة واحدة باسم "قائمة دمشق الشام"، واحتل الأخضر الخاص بمحمد حمشو، منذ دوراته الانتخابية السابقة، خلفية الصورة. كيف لا وهو المرشح الأقوى، والصديق المقرب من ماهر الأسد؟!

وساهم رئيس "اتحاد غرف التجارة" غسان القلاع، في توحيد القائمتين، بحسب صفحات المرشحين، ليكاد المرء يحس أنه يخوض غمار العملية الديموقراطية بحق. جميع المرشحين بلا استثناء، لم يفوتوا فرصة للتعبير عن ولائهم وإيمانهم ودعمهم وثقتهم والتفافهم حول قیادة و"حكمة سید الوطن الرئیس بشار الأسد"، كما يسميها مرشحو "القائمة المتحدة الجديدة" في بيانهم. لا آراء أخرى حول شخص الرئيس من مرشحي الشعب، الذي وللغرابة لا زال يخوض حرباً داخلية منذ أعوام، أحد أهم عناوينها بقاءه من عدمه، لا بل ومحاسبته أيضاً. فتأتي مرشحة كمنال خليفة، بشعار معبر: "مع القائد البشار.. من النهار إلى النهار".


محافظات وتواصل

المحافظات التي لم تعد خاضعة لسلطة النظام لم تنجُ من هذا "العرس الوطني" الكبير. مرشحو دير الزور والرقة والقنيطرة ينشرون صورهم في شوارع دمشق مستهدفين نازحي ومهجري مناطقهم، بشعارات تذكر بالرغبة بـ"تحريرها"، مفعمة بالولاء للقيادة التي ستقوم بالمهمة.
قوائم حلب وريفها وجدت الإعلان عن نفسها في معقل النظام وموئل النازحين أمراً مجدياً، ومنهم المخرج نجدة اسماعيل أنزور، مرشح قائمة "حلب الأصالة".

صعوبات التنقل في البلاد مع التأثر بوسائل العصر الحالي، جعلت مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة "فايسبوك" ذي الشعبية الكبيرة بين السوريين، مساحة لحشد التأييد والإعلان عن البرامج الانتخابية الممتلئة بالشعارات الفضفاضة. .


شعارات

دمشق والياسمين، حضرتا بقوة، كمفردات في شعارات المرشحين، فهناك "قائمة الياسمين"، وشعارات مثل "سنغمر دمشق بالياسمين"، أو "نعيد إلى دمشق الياسمين" مع صور للزهرة تزين اللافتات، ما يدفع المرء للتساؤل عن أهمية الياسمين الحالية، ورائحته التي يستحيل الاحساس بها، في غمرة الحرائق والقصف.

كثيرون من المرشحين الشبان دخلوا غمار النزال الانتخابي، بشعارات كـ"صوت الشباب الحر"، و"شباب مسؤول وفاعل". المطالبات بدعم الجيل الشاب ليست بجديدة، لكن عدد المرشحين الشبان هو الجديد مقارنة بالدورات السابقة.

المرشحة في دمشق عن محافظة القنيطرة جانسيت قازان، زوجة أحد ضباط النظام، والملقبة بـ"أم الشهداء"، استخدمت لقبها بشكل فعال، وزينت صورها بشعار: "كرمال ولادنا اللي  راحوا.. مكملين"، في حين عاهدت المرشحة أشواق عباس، الشهداء في شعارها: "للشهداء عهدنا دائماً". كثرٌ من المرشحين، وجدوا في أقارب لهم قضوا في صفوف قوات النظام، سبباً وجيهاً للترشيح.

تفاوتت الشعارات بين "لمحاربة الإرهاب حتى النهاية" التي ترى الأولوية في انهاء "الأزمة"، وبين أخرى تجاوزتها إلى "رح نعمرها"، أو "لعودة المهجرين" التي تتناسى في أي زمن نعيش اليوم تماماً. ورغم أن الأولى تحريض خالص على العنف إلا أنها ببساطة لا تنقل الناخب المستهدف برسالة المرشح إلى جنة وردية حيث انتهت الحرب وليس علينا اليوم إلا العودة للحياة كما كانت. شعارات كهذه تهين ولا تجذب إن أتيح للسوريين أن يتكلموا بما يفكرون، لكنها وحرية الرأي والصحافة لا تزال مطالبة بالبقاء "تحت سقف الوطن" تبقى حبيسة سخرية سوداء في أفواه من صمتوا في دمشق.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها