الإثنين 2016/11/14

آخر تحديث: 14:02 (بيروت)

السرورية: رحيل المعلم وبقاء الحلم الجدلي!

الإثنين 2016/11/14
السرورية: رحيل المعلم وبقاء الحلم الجدلي!
محمد سرور زين العابدين (انترنت)
increase حجم الخط decrease
عن عمر ناهز  78 عاماً، توفي الداعية السوري محمد سرور زين العابدين، مساء الجمعة في العاصمة القطرية الدوحة، بعد مسيرة طويلة من العمل الدعوي والسياسي، أنتج بالمحصلة مدرسة إسلامية جديدة، أثرت في العديد من المدارس والتيارات والجماعات الأخرى، وكانت في الوقت ذاته محط خلاف واتهام من قبل تلك القوى والتيارات. ومثلت الثورة السورية آخر محطات الحضور لهذه المدرسة التي عرفت إعلامياً باسم "السرورية"، والتي تجمع من الناحية العلمية بين السلفية التقليدية، والحركية الإخوانية.

ولد الشيخ محمد بن سرور زين العابدين سنة 1938 في حوران جنوبي سوريا، وانتمى في بداياته لجماعة "الإخوان المسلمين"، التي استقال منها أواخر ستينيات القرن الماضي، إثر الاختلاف داخل الجماعة بين التيار الحلبي بقيادة مروان حديد، والدمشقي بقيادة عصام العطار.

وقبل أن يستقر في قطر خلال السنوات الأخيرة الماضية، تنقل الشيخ سرور في العديد من البلدان التي كان يضطر إلى مغادرتها في النهاية، بسبب سعيه إلى نشر أفكاره انطلاقاً من المؤسسات التي عمل بها، وهي غالباً مؤسات تعليمية وإعلامية. فرحل من سوريا منذ العام 1974 حيث استقر في السعودية، وهناك عمل في البداية مدرساً لمادة الرياضيات في منطقة القصيم، ثم غادر المملكة إلى الكويت منتصف الثمانينات، وأقام هناك سنوات قبل أن ينتقل إلى بريطانيا، التي حظي فيها بأفضل مساحة حرية عبّر خلالها عن أفكاره السياسية بوضوح، بعدما اضطر سابقاً لإخفاء أي جانب سياسي في دعوته، وتقديمه دائماً السياسي في قالب ديني.

ورغم أنه قضى الفترة الأطول من حياته بعد سوريا في السعودية، ورغم أنه حقق النجاح الأكبر لدعوته هناك، حيث بات أتباعه منتشرين في عموم البلاد، ويحظون بمكانة شعبية ورسمية، وتبوأ الكثير منهم مناصب رفيعة في المؤسسات الدينية والتعليمية، وكذلك الإدارية والخدمية، ورغم أن المملكة غضت النظر عن نشاطه وأفكاره رغم ما فيها من توجهات تخالف سياسة الحكومة الرسمية، وتعاليم السلفية التقليدية، التي تعتبر مذهب الدولة الرسمي، إلا أنه إضطر إلى مغادرتها، بعد التضييق الذي بدأت تفرضه عليه وعلى اتباعه.

فقد تنامت في المملكة مطلع الثمانينات ظاهرة معارضة غريبة على الدعوة السلفية التقليدية، والتي تقوم في أحد جوانبها على بيعة ولي الأمر والطاعة له. وقد كان واضحاً أنها ظاهرة أنتجتها أفكار الشيخ سرور زين العابدين ومدرسته، والتي أسست، كما يرى طيف واسع، لظهور السلفية الجهادية، ولاحقاً التنظيمات الراديكالية المتشددة. تنظيمات انتهى بها الحال إلى مخالفة جميع التيارات الإسلامية الأخرى، وتكفير أغلبها.

وحتى العام 2004، رفض الشيخ سرور وأتباعه هذا الاتهام، وإن لم يتراجعوا عن أي من تعاليم دعوتهم وأفكارها، والتي تقوم على فقه المدرسة السلفية في العقيدة، وحركية الأخوان من الناحية التنظيمية، وأفكار سيد قطب على صعيد الحاكمية والسلطة السياسية والجهاد. وهي عملية دمج استرعت انتباه وملاحظة الكثيرين من الباحثين في الشأن الإسلامي، وحظيت بتوصيفات عديدة، أشهرها قول أحد الكتاب السعوديين: "إن محمد سرور زين العابدين، جمع بين عباءة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين بنطال سيد قطب، من خلال إمساكه بكتاب التوحيد باليد اليمنى، والظلال (في ظلال القرآن) في اليد اليسرى".

بعد خروجه من السعودية، عمل الشيخ زين العابدين لفترة غير طويلة في "مجلة المجتمع" الكويتية، قبل أن يضطر إلى الإستقالة ومغادرة البلد على خلفية اصطدامه مع السلطات هناك، بسبب سعيه إلى نشر أفكار دعوته، التي كانت قد شهدت انتشارها الأكبر في فترة السبعينيات والثمانينيات، مع ظهور ما يعرف بمرحلة الصحوة الإسلامية، والتي كانت موجهة بالأساس للتصدي للمد الشيوعي وإلحادية الاتحاد السوفياتي.

وفي بريطانيا، أسس زين العابدين "المنتدى الإسلامي"، الذي كانت تصدر عنه "مجلة البيان"، ثم أسس "مركز دراسات السنّة النبوية"، الذي كانت تصدر عنه مجلة "السنّة"، وهي المجلة التي قادت الهجوم الحركي الإسلامي على التعاون بين دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية، مع دول "التحالف الدولي" لإخراج الجيش العراقي من الكويت عام 1990. ووجدت "السرورية" في هذا الحدث فرصتها الكبيرة للجهر بمبادئها السياسية بشكل مباشر.

لكن بعد حادثة 11 أيلول/سبتمبر 2001 في نيويورك، وسلسلة التفجيرات التي نفذها تنظيم "القاعدة" في العديد من البلدان الأوروبية والعربية، خصوصاً تفجير الرياض عام 2003، بدأ الشيخ محمد سرور مع العديد من رموز مدرسته نشر ما يشبه المراجعات، التي وإن لم تقل بأخطاء ارتكبتها، إلا أنها عبرت عن رفض شديد للعمليات التي تستهدف المدنيين، وتلك التي تسبب الضرر للمسلمين، إن كان في بلادهم أو خارجها. كما أظهر التيار رؤية أكثر انفتاحاً في بعض القضايا السياسية التي تعتبر محسومة بالنسبة للسلفية التقليدية والجهادية، كالأحزاب السياسية والانتخابات وحقوق الانسان والحريات والمواطنة وغيرها.

شكلت هذه المراجعات نقطة افتراق للتيار مع السلفية الجهادية، التي بدأت تهاجم وبشكل غير مسبوق الشيخ سرور واتباعه، الذين تحولوا في نظرهم إلى "مرجئة" وأتباع للحكام والطواغيت، وصولاً إلى الحكم بتكفيرهم من قبل تنظيم "الدولة"، الذي نسب إلى "السرورية" معظم مخالفيه من القوى السلفية في سوريا، وخاصة "جبهة النصرة" ("فتح الشام" لاحقاً) و"حركة أحرار الشام الإسلامية".

وإذا كان واضحاً أن وضع "الجبهة" ضمن التيار السروري، يأتي في إطار الحرب الإعلامية بينها وبين تنظيم "الدولة"، الذي سعى لضرب انتماء "النصرة" للسلفية الجهادية، فإن نسبة "أحرار الشام" إلى التيار السروري، كانت أقدم من الاحتراب بين التنظيم وبقية فصائل المعارضة السورية، كما أنها جاءت
من جهات مختلفة.

أمر لم تجد "أحرار الشام" نفسها مضطرة لنفيه أو تأكيده إطلاقاً، وهذا يعود حسب البعض إلى وجود هذا التيار بالفعل داخل الحركة، إلى جانب تيارات أخرى. بينما يرى آخرون أن "أحرار الشام" مثل جميع الفصائل التي كوّنت "الجبهة الإسلامية" سابقاً، وهي "لواء التوحيد" و"لواء صقور الشام" وكذلك "جيش الإسلام" إلى حد ما، استفادوا من فكر الشيخ محمد سرور وكذلك من موارد الدعم التي وفرتها لهم العلاقة بتياره، إلى جانب الموارد الأخرى بطبيعة الحال.

وإذا كان عقد "الجبهة الإسلامية" لم يعمر طويلاً، فانفرط بسبب عدم الانسجام الفكري التام بين مكوناته، فإن استمرار الاندماج بين "حركة أحرار الشام" و"لواء صقور الشام" الذي استمر حتى الأمس القريب، يعبر بوضوح عن انسجام أكبر بين الفصيلين من الناحية الفكرية، التي تشابه في تجلياتها حالة التيار السروري، وخاصة لناحية عدم وضوح الهوية بشكل ناجز.

فالـ"سرورية"، وهو وصف كان "الاخوان المسلمون" أول من أطلقه على أتباع الشيخ محمد، وهؤلاء لا يفضلونه، وباعتبارها تجمع بين فقه السلفية والحركية الاخوانية، فقد ظل ينظر إليها على الدوام بأنها هجينة، وهذا ما جعل البعض يقولون "إن السروري هو من إذا رأه الإخواني ظنه سلفياً، وإذا رأه السلفي ظنه إخوانياً"!

عبارة يقول الكثيرون على الساحة السورية اليوم، إنها تنطبق بالفعل على بعض الفصائل، وفي مقدمتها "حركة أحرار الشام" التي سبق لأحد قادتها أن كتب رداً على التساؤلات حول هوية الحركة: "إن أحرار الشام ليست قاعدة وفي الوقت نفسه، ليست أخوان".

إجابة لا توضح الكثير طبعاً، وتبقي الجدل قائماً، كما هو الحال مع المدرسة التي أنتجها الشيخ محمد سرور زين العابدين، ورحل من دون أن يحسم هذا الجدل حول مدرسته، التي اتهمت من قبل السلفية التقليدية العلمية، بأن فيها الكثير من فكر الخوارج، حسب ما ينقل أتباع الشيخ ناصر الدين الألباني عنه، بينما يصفها طيف واسع من التيار السلفي الجهادي بـ"الإرجاء".

وحسب تصريح سابق للداعية السلفي المصري هاني السباعي، مدير "مركز المقريزي للدراسات الإسلامية" في لندن، فإن سرور لم يكن معجباً بالحركات الأصولية التي تلجأ إلى السلاح مثل "جماعة الجهاد المصرية" وتنظيم "القاعدة"، وأنه خلال زياراته لأفغانستان، كان مختلفا مع تيارات العنف التي كان يتهمها بالتهور، وكان يطالبها بعدم خوض صراع مع الأنظمة الحاكمة في البلاد العربية. إلا أن الأصوليين كانوا يتهمونه على الطرف الآخر، بأنه رومانسي النزعة وحالم، وأن نظرياته الفكرية لن تغير من الواقع شيئاً.

ولعل مرد هذا الاتهام، يعود إلى أن الشيخ سرور كان قد ألف العديد من الكتب، ومنها "دراسات في السيرة النبوية" و"منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله" و"الحكم بغير ما أنزل الله" و"أهل الغلو" و"جماعة المسلمين" و"التوقف والتبيّن" و"اغتيال الحريري وتداعياته على أهل السنة"، بالإضافة إلى مؤلفات أخرى، كانت بمعظمها ذات طابع حركي سياسي، تنطلق من النص الديني والتراث الفقهي، للمطالبة بتغيير واقع المسلمين وتطبيق الشريعة، لكن من خلال التركيز على الفكر والدعوة والانتشار بين الجماهير.

لكن يبقى كتاب "وجاء دور المجوس" المؤلف الأكثر شهرة لسرور، والذي كان قد نشره باسم مستعار بعد نجاح الثورة في إيران، ويعتبره أتباع الشيخ، العمل الأول الذي استطاع أن يقرأ أهداف المشروع الخميني في المنطقة، والذي اسماه بمشروع "الأكاسرة الجدد"، وهو الكتاب الذي لاقى رواجاً وسعاً في دول الخليج بعد انطلاق الحرب العراقية الإيرانية عام 1980. كما أن سرور كان قد أعلن وبشكل لافت دعمه لعملية "عاصفة الحزم"، التي قادتها السعودية ودول أخرى ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن عام 2015.

رحل الشيخ محمد سرور زين العابدين، بعد رحلة حافلة، كان الأكثر إثارة فيها، أنه استطاع أن يؤسس بمفرده، وبالاعتماد على مهاراته الشخصية ولوقت طويل، مدرسة فكرية أصبح لها ثقل لا يمكن تجاوزه داخل التيار الإسلامي، بغض النظر عن الجدل التي أثارته. رحيل جاء قبل أن يتمكن الشيخ من رؤية نتائج أول ترجمة عملية لأفكاره، والتي كان يرى أنها مرشحة لأن تتحقق في بلده سوريا، حسبما ينقل عنه بعض المقربين.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها