جاء التسجيل الصوتي الأول لهشام عشماوي ضابط الصاعقة السابق في الجيش المصري، ومسؤول التدريب والعمليات في جماعة "أنصار بيت المقدس"، ليفجر نقاشاً كبيراً، نظراً لما حمله من دلالات متعددة من حيث الرسائل والإشارات الواردة فيه.
افتتح التسجيل المصور بلقطة لأيمن الظواهري قائد تنظيم القاعدة، وأُختتم بلقطة للمسجد الأقصى وبيت المقدس يرفرف أمامها علم الإحتلال الإسرائيلي، بينما حملت كلمة العشماوي، الذي تحدث بوصفه أبو عمر المهاجر، أمير جماعة "المرابطين"، حديثاً عن "الفرعون السيسي" وإشارات لما اعتبره "مظالم وانتهاكات" تحدث في مصر.
يمكن تقسيم رسائل ودلالات ما أراد العشماوي قوله إلى قسمين؛ الأول يتعلق بالخلاف الدائر بين المنتمين لأنصار بيت المقدس حول تبعيتها ومستقبل "الحالة الجهادية في مصر" ، حيث أظهرت لقطة الظواهري أن العشماوي يُعلن ضمنياً أنه يصطف جهادياً مع أيمن الظواهري، وليس البغدادي، بما يعني أن خلافه مع ولاية سيناء، قد نقله إلى العلن، حاسماً موقفه منها ومعلناً جماعة جديدة لها شعارٌ خاص يظهر على تسجيلاتها.
ويكشف مصدر وثيق الصلة بالفاعلين الرئيسيين في سيناء لـ"المدن"، قضية خلاف العشماوي مع قيادات "أنصار بيت المقدس" التي بايعت تنظيم "الدولة الإسلامية"، قائلاً إن خلافاً بين العشماوي وأبو أسامة المصري اندلع "عند مناقشة التنظيم لمسألة مبايعة البغدادي العام الماضي، ما سبب بانفصال العشماوي عن التنظيم بعد عملية كرم القواديس في أكتوبر/تشرين الأول 2014"، أي قبل نحو أقل من شهر للمبايعة التي اُعلنت في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، إلا أن المصدر أشار إلى أن العشماوي نسّق في عملية مهاجمة كتيبة صاعقة بعد ذلك مع "ولاية سيناء"، لكنها عملية لم يُعلن عنها بسبب إفشالها من قبل الجيش المصري، على حد قول المصدر.
وأشار المصدر إلى أن عدم وجود عشماوي ضمن كوادر "ولاية سيناء" يعود إلى خلاف امتد إلى كل من كمال علام وأحمد زايد، وهما مع أبو أسامة يشكلون الثلاث قيادات الأكبر في التنظيم بعد مقتل القيادي أبو منير، وجميعهم قد بايعوا "داعش".
يُعزز هذا الحديث، الكلمة التي جاءت في تسجيل لأبو أسامة في 20 مايو/أيار الماضي، وقال فيها: "رسالتي لأهل مصر من أهل المنهج القاعدي، أخاطبكم وأنا أنتظر اليوم الذي تصلون فيه حبال الود السابق وترممون فيه بناء الأخوة السالفة".
في هذا السياق، يشير المصدر إلى أن العشماوي حين انضم لأنصار بيت المقدس، كانت بوصلة التنظيم مستوطنة إيلات، ثم تحولت إلى الجيش المصري، بعد فض اعتصام رابعة، لكن لم يكن في حسبانه "دولة خلافة" أو "خليفة"، وجاء حسم موقفه من الخلاف حين سافر للعلاج في درنة بليبيا وتكوين جيش ومجموعات قتالية بعدما تواصل مع نائب رئيس الجبهة الاسلامية للانقاذ علي بلحاج، في الجزائر، وتنظيم القاعدة بشمال أفريقيا، واتصاله بقاعدة ليبيا والقيادي الجزائري فيها مختار بلمختار.
وبالتالي فإن أهم ما يُلفت في الشق الأول هو محاولة استقطاب العشماوي لأفراد بيت المقدس واستثمار الخلاف المكتوم حتى اليوم، والذي أشار إليه الكاتب السيناوي أحمد سالم، لـ"المدن"، حين نبّه إلى وجود عدد من الكتب من بين المضبوطات التي عرضها الجيش المصري، حين أعلن القبض على عدد من المطلوبين في منطقة العمليات بشمال سيناء في 7 يوليو/تموز الحالي، كان إحداها كتاباً يحمل عنوان "هذه شهادتي" لمؤلفه أبو أسامة الجزراوي، وهو كتاب يستعرض شهادات عن تجاوزات تنظيم الدولة في سوريا.
أما النقطة الأهم الأخرى فهو تزامن إعلان العشماوي مع إعلان تنظيم "المرابطين" الذي ينشط في مالي والصحراء الكبرى، تبرؤه من "داعش" ونقضه البيعة للتنظيم، وعقد بيعة جديدة للظواهري، وهو ما يكشف أن الخلاف القتالي بين القاعدة وداعش قد يمتد إلى المغرب العربي، فضلاً عن إظهار قوة شوكة القاعديين في الفترات الأخيرة وتوسع نفوذها.
أما القسم الثاني، فكان للداخل المصري، حيث أراد من اللقطة الختامية، وكأنه يشير أن البوصلة السابقة التي بدأت بها أنصار بيت المقدس أولى عمليتها في مايو/أيار 2010 هي القدس، أو فلسطين، وأن حديثه عن "الفرعون السيسي" أو الحديث عن الشأن المصري، يؤكد به عدم غفلته عن هذا الهدف. فهو يُعلن تمايزه مع "ولاية سيناء" التي لا ذكر للقدس في تسجيلاتها، فضلاً عن محاولته جذب الشباب المشتت من الإسلاميين، الذين خرجوا من رحم التيارات السلمية لصالح فكرة العمل المسلح، انطلاقاً من قاعدة أن أولئك الشبان لا يرغبون بالانضمام إلى "داعش"، وقد تكون مغازلتهم بفكرة القدس مقنعة، فضلاً عن رغبتهم في مواجهة محلية مع النظام المصري.
خلاصة القول هي إن العشماوي استخدم خطاباً استعطافياً، موجّهاً إلى الداخل المصري والى أعضاء تنظيمه السابق، معلناً تأسيس تنظيم جديد بمصر يتبع جناح القاعدة، ويستنسخ نسخة "أنصار بيت المقدس" ما قبل مبايعته لـ"داعش"، وما بعد إعلان القتال ضد السيسي والجيش المصري، يدور في فلك تحرك إقليمي جديد للقاعدة في بلاد المغرب العربي، ويكشف عن تصعيد قتالي مستقبلي يهدف إلى كسب أنصار جدد من شباب الإسلاميين، وتنظيم "ولاية سيناء" في آن واحد.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها