السبت 2015/05/09

آخر تحديث: 16:38 (بيروت)

إيران في مأزق الأسد

السبت 2015/05/09
إيران في مأزق الأسد
سمح للإعلام الإيراني الكشف عن مقتل ٢٠٠ عنصر من الحرس في سوريا
increase حجم الخط decrease

حرب اليمن "كسفت" انخراط الجمهورية الاسلامية في ايران بالحرب في سوريا، ولكنها لم تلغه. هذا التحول لم يقع لان اليمن اهم واخطر بالنسبة إلى النظام الإيراني، ولكن لأن "عاصفة الحزم" فاجأت الجميع خصوصاً طهران، وقلبت كل حساباتها مما أجبرها على تغيير أولوياتها، وبدا ذلك جلياً في التصريحات الرسمية والخطاب الإعلامي، إلى درجة أن وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، وحّد "المسارين" اليمني والسوري، وقال في محاضرة له في جامعة نيوريوك تزامن مع الأيام الأولى لـ"عاصفة الحزم": "لا أحد يستطيع تقرير مصير الشعبين اليمني والسوري الا هذين الشعبين نفسيهما".

مهما كابرت ايران، فإنها تبدو "مهمومة" بما يجري في اليمن، وإذا كانت قد ايقنت قبل "عاصفة الحزم" بانها أمسكت لأول مرة في تاريخها باب المندب، "المفتاح" الاستراتيجي للمنطقة وللتجارة الدولية، فإنها أدركت ان خسائرها ضخمة، ولكن مهما بلغ حجمها فإنها  ضمنت لنفسها حضوراً مستقبلياً في السلطة اليمنية، وفي صناعة القرار مع الوجود الحوثي على غرار "حزب الله" والشيعة في لبنان، ولا شك أن هذه النتيجة مهمة يمكنها من خلالها التفاوض على مواقع ومصالح اخرى في المنطقة، وعلى طاولة المفاوضات الشاملة مع الولايات المتحدة الأميركية.


أدركت طهران أن خط "الزلازل" بدأ يتحرك في سوريا، باكراً وسريعاً، لأنها الوحيدة التي تعرف تفاصيل الوضع الميداني وصولاً إلى جزئيات الوضع. لذلك، تعلم طهران من "خبرائها" من جنرالات "الحرس الثوري"، ومن المقاتلين الجنود من إيرانيين ولبنانيين وعراقيين، ومؤخراً من الأفغان من لواء "الفاطميّون" وباكستانيين في فصيل "الزينبيون"، وعيونها الأمنية من ايرانيين وسوريين منتشرين في كل مواقع النظام السوري، وبعضهم يصدر الأوامر مباشرة، أن الوضع العسكري والاقتصادي، أكثر من سيّء، وأن معالجته في ظل المفاوضات النووية والتراجعات الميدانية وخصوصية "المربع الاول" السوري في الإستراتيجية الإيرانية تتطلب تحركاً سريعاً، من دون أن يظهر أي ضعف يمكن لخصومها استثماره. ما يؤشر إلى ذلك أن نائب وزير الخارجية المتشدد، عبد الأمير اللهيان، وهو يقيّم الهدف من "عاصفة الحزم" قال إن "تغيير خريطة الشرق الأوسط هي الهدف، وسوريا هي الخط الاول لجبهة المقاومة".


طهران تعرف أن الجيش السوري قد تعب، وأن معنوياته قد انهارت بعد تمنع الشباب السوري، وخصوصاً العلويين عن تأدية الخدمة العسكرية، في وقت يبدو فيه الهم الدولي مركزاً على المحافظة على ما تبقى من هذا الجيش موحداً، فإن الجسم الأمني والمخابراتي الذي تشكل أجهزته العديدة "الدرع الحديدية" للنظام، قد فقد الكثير من حضوره وقوته، ذلك أن قياداته قتلت، أو اغتيلت أو مريضة، إلى جانب الوضع الاقتصادي المستمر بالانهيار، فالليرة السورية فقدت ٢٥ في المئة من قيمتها، وأسعار السلع الضرورية ارتفعت حوالى ٦٥ في المئة، مما خفض القدرة الشرائية للمواطن العادي، والمشكلة أن الانهيار مستمر ولا يبدو أن له قاعاً منظوراً. 


ما يرفع من منسوب الأزمة، أن طهران لم تعد تستطيع دعم الاقتصاد السوري بلا حساب، كما كانت تفعل طوال السنوات الأربع الماضية، والأسباب الإيرانية معروفة جداً. وقد تبلور ذلك في عدم تلبية المطالَب المالية السورية مؤخراً، إلا القليل منها مع تقديم ضمانات عقارية ضخمة. وقول عبد الامير اللهيان خلال مقابلته ناشطين سياسيين سوريين إن "الاقتصاد المقاوم نموذج ناجح لسوريا"، وكان هذا الحل قد حقق نجاحات هائلة في إيران وأن سوريا تملك الامكانات الإيرانية، أو أن السلطات السورية تسيطر على كامل التراب السوري!


إلى وقت قريب، كانت طهران تتصرف في سوريا على أساس إمكان تثبيت الوضع الميداني والانطلاق به إلى مفاوضات يكون الأسد الجزء الأساسي منها وفي قلب الحل. وبذلك، يمكن ضمان بقائه وبقاء مصالحها الى الأبد. لذلك قال ظريف في جامعة نيويورك "الشيء الوحيد الذي منع وقف إطلاق النار في سوريا هو الشرط المسبق بألا يكون الأسد في أي حكومة انتقالية". في الوقت الحالي ستتابع ايران دعم الأسد لأنه لا يمكن التخلي عنه قبل المفاوضات وفي ظل تغيير ميداني حقيقي لمصلحة المعارضة، إضافة إلى تغيير عميق في الموقف العربي بعد "عاصفة الحزم" وأيضاً وهو مهم جداً انخراط تركيا في هذا التغيير حيث بلغ الأمر بعد دعمها لهجوم المعارضة في الشمال أن أطلق عليها نظام الأسد "الغزو" التركي. 


أمام هذا الوضع الصعب، بادرت طهران إلى تصعيد غير مسبوق لتهديداتها للسعودية، ووصف علي لاريجاني"عاصفة الحزم" بأنها "هجوم وحشي غير مسبوق". أما الجنرال محمد علي جعفري قائد "الحرس الثوري"، فقد ذهب في إبداء قلقه على سوريا الى درجة تهديد الولايات المتحدة الأميركية بالقول إن "أي هجوم ستقوم به على سوريا سيؤدي الى زوال إسرائيل".


ولأول مرة، سربت طهران عبر الإعلام خبر إرسالها وحدات قتالية من "الحرس الثوري" إلى سوريا، وجرى احتفال شعبي ورسمي حضره ممثل المرشد، علي شيرازي، لتشييع خمسة جنرالات قتلوا في سوريا والعراق سابقاً وهم : محمد مالايير كجوري، وجلال حبيب الله بور، وهادي كجياف، وروزيه هليساي، وحبيب جنت مكان. وسمح للإعلام الإيراني الكشف عن مقتل ٢٠٠ عنصر من الحرس في سوريا. وقد يكون الاحتفال الرسمي هو رد غير مباشر على تسريب مصدر سوري رفيع أخباراً عن أن إيران أخذت ضمانات عقارية ضخمة في سوريا، وقد سجلتها باسمها لقاء مساهماتها المالية للنظام. أما الرد الإيراني من خلال التشييع، فهو أن إيران تقدم الرجال وتشارك بالتضحيات، وليس المال فقط، وهي مستعدة لتقديم المزيد، والدليل كما قال اللواء همداني أن "القادة الإيرانيين قد حرروا ٨٥ في المئة من الأراضي السورية في وقت كان حتى الرئيس الأسد قد بدأ يفقد الأمل".


لم يعد الكلام عن التصعيد الناري على كل الجبهات مجرد تحليل. لقد أصبح واقعاً، إلى درجة أنه عندما دعا الجنرال جعفري القيادات والجنود إلى حرب شاملة مع دولة عربية في المنطقة، لم يكن مجرد حملة إعلامية، لكن في الوقت نفسه، لا شيء يمنع من أن يكون كل ذلك بحساب على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية، التي شوهد علمها مرفوعاً في معرض إيراني رسمي لأول مرة منذ احتلال "الطلاب" للسفارة الأميركية في طهران.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها