الأحد 2015/11/01

آخر تحديث: 15:09 (بيروت)

التشيُّع في السلَمّية: سلطة ونفوذ وتقاطع مصالح

التشيُّع في السلَمّية: سلطة ونفوذ وتقاطع مصالح
"المجلس الإسلامي الشيعي الاسماعيلي الأعلى" في السلَمية لم يبادر إلى اي اعتراض على ما يحدث من مظاهر تشييع
increase حجم الخط decrease
لا يمكن اعتبار الوجود الإيراني في سوريا، وتحديداً بعد الثورة ضد النظام السوري، بشقّيه: "الحرس الثوري الإيراني" و"حزب الله" اللبناني والميليشيات الشيعية الشبيهة به، وجوداً عسكرياً محضاً، وذلك تبعاً للاستراتيجية الإيرانية في السيطرة والنفوذ والامتداد ديموغرافياً في سوريا، والتي سهّلَها النظام، من جهة، والحضور القوي للإيديولوجيا الدينية الشيعية في ذلك المشروع من جهة أخرى. فاستراتيجيا نظام الملالي في طهران تعتمد على التقاطع بين الدين والسياسة، في علاقة تربط الغيبيات الخلاصية بمقتضيات الراهن السياسي.

لم يعد خافياً التوسع الديموغرافي للشيعة في سوريا، عبر تسهيل النظام السوري لمتمولين شيعة من إيران أو من حلفائها، لامتلاك وحيازة مناطق سكنية وغيرها، أو سيطرتهم بالقوة على مناطق وأحياء هجَرها أصحابها بفعل الحرب أو هُجّروا منها بغية استبدالها بطابع طائفي على حساب السكان المحليين، وهم من السنّة غالباً. إلا أن المناطق التي لم تشهد تهجيراً بالمعنى الذي عرَفته مدن وبلدات سورية تعرضت مباشرة للحرب والتدمير، كان لها نصيب أيضاً من ذلك التغلغل الشيعي فيها، بطرق وأساليب مختلفة.


السَلمية نموذجاً

ليس ثمة ما يجمع بين الإسماعيليين -الأكثرية السكانية في السلَمية- وبين الشيعة الإثني عشرية، من ناحية طقوس العبادات أو الإيمان بالأئمة. ورغم وجود الإيمان بإمامة ذرية "أهل البيت" والاعتراف المشترك بين الطائفتين بإمامة أبناء علي بن أبي طالب، فإن المسألة الإيمانية والقواسم المشتركة بينهما لا يمكن أن تفسِّر، بالمطلَق، ظاهرة التشيّع في السلَمية، والتي صارت ملحوظة لسكان المدينة القاطنين فيها.

يمكن القول أن التقسيم الطائفي/الديموغرافي في السلَمية وريفها، يسمح بإمكانية حضور شيعة وافدين من خارج سوريا إلى المنطقة، وعلى استعداد بعض السكان المحليين الاسماعيليين والسنّة، والعلويين بالطبع، للاتجاه نحو التشيّع. كان يمكن رصد حركة تشيّع طفيفة وسرّية قبل الثورة السورية قياساً بعلنيتها بعد 2011، والانتباه إلى أن "حسينيّةً" بدأ بناؤها في الحي الشمالي الغربي في السَلمية قبل الثورة بسنوات. إلا أن الدخول الإيراني العلني في معركة النظام ضد غالبية السوريين، والاستقطاب السياسي والعسكري والاصطفاف مع النظام من قبل شرائح اجتماعية وطائفية من مستويات متعددة في المدينة، هو الذي أذن بالانطلاق العلني نحو تلك الظاهرة، مع مباركة ضمنية من النظام وممثليه الأمنيين والعسكريين في السلَمية.

قرية صبّورة، هي إحدى القرى العلَوية الواقعة في الشمال الشرقي من السلَمية، وتتمركز في المنطقة كتيبة عسكرية تجعل من القرية قلعة منيعة في وجه أي محاولة لاقتحام القرية من قبل المعارضة المسلحة او "داعش". ويتحدث ناشطون عن أن المركز الأساسي لتواجد شيعة إيرانيين ولبنانيين في السلَمية وما حولها هو في الصبورة وكتيبتها، يشاركون في العمليات العسكرية التي يخوضها النظام وحلفاؤه في مواجهة "داعش" في المناطق الشمالية، مع تواجد كتيبة إيرانية في خطوط التماس مع تنظيم "داعش" في منطقة "أثرية"، والتي جرت فيها اشتباكات طاحنة مع التنظيم قبل أيام قليلة سقط فيها قتلى من أبناء السلَمية.

يُذكر أن أحد قادة "اللواء 47" والذي قتل قبل أيام، هو من سنّة إحدى القرى في الريف الشرقي للمدينة، وقد تشيّع قبل فترة. في حين أن حسن الشّمق، من إحدى قرى ريف السلَمية الشمالي، هو من الطائفة الشيعية وكان من أبرز الناشطين في عمليات تجنيد بعض الشباب في السلَمية وما حولها والعمل على "تشييعهم" في بدايات الثورة السورية. قُتل الشّمق عام 2012 في كمين من قبل مجهولين، بعد أن كان قبل الثورة السورية صاحب مكتبة معروفة في السَلمية، تُعرف بـ"مكتبة الإمام الصادق". ويتحدث ناشطون عن أن ضابطاً سوريا من منطقته يقوم الآن بالمهمة نفسها في نشر التشيّع والتجنيد له.

وفي المدينة، تم رصد حالات كثيرة لشيعة من قرى المخرّم والاسماعيلية وأم العمد، وفدوا إلى السلَمية وصاروا من سكانها بناء على "علاقات قربى تجمعهم مع بعض العائلات من أبناء المدينة انفسهم" وفقاً لمصادر في المدينة. إلى جانب وجود ما يعرف بـ"الحجاج الإيرانيين"، وهم في غالب الأحيان من قادة الكتائب المقاتلة في صبورة وما حولها، يقومون بـ"تطويع" بعض شباب المدينة بإغراءات مادية وسلطوية كثيرة.

التشيّع في المدينة لا يزال محصوراً بشبان مراهقين أو في العشرينات من عمرهم من أبناء المدينة على ما يبدو، وهؤلاء تشيَّعوا أو أن بعضهم لم يتشيع أساساً، لكنه يمالئ الجو العام المسيطر سلطوياً وأمنياً في سوريا والسلَمية مع شعارات مرفوعة "يا حسين، يا زينب.."، إلى جانب أغاني لطميات أو شبيهة باللطميات، كتلك الأغنية التي قام بتوزيعها أحد "المطربين" في المدينة، وهي أغنية بكلمات تحيّي قوات النظام ولحن لا يمكن تمييزه عن اللطميات الشيعية المعروفة.

ثمة قسم من "الحجاج الإيرانيين" ومن معهم، لا يمكن اعتباره مقاتلاً بالمعنى العملي والميداني للكلمة، إلا أنهم يقومون بعمليات لاحقة للعمليات التي تقوم بها قوات النظام في بعض المناطق السورية بقصد استملاك البيوت أساساً.

قبل دخول البلاد في دوامة من الاقتتال الأهلي والطائفي، عمل النظام على افتعال حالات فتنة طائفية داخل السلَمية عندما كان الحراك الثوري المعارض في المدينة في ذروته. ولم تشهد المدينة حتى الآن حالات اقتتال طائفي رغم عدم غياب صدامات هنا وهناك، ليس بسبب الانقسام في المدينة بين معارضة وموالاة، وإنما بين الانتماءات الطائفية لموالي النظام، مع وجود "آل سلامة" كمثال بارز على الطائفية التي لم يعد النظام قادراً على ضبطها، وهو ليس في وارد ذلك على كل حال. ويتحدث معارضون في المدينة عن تنسيق محتمَل بين آل سلامة وحواجز لـ"حزب الله" موجودة قرب حمص، مثل منطقة كفر عويد، لناحية السلب والخطف وما شابهها من ممارسات.

واليوم، بات واضحاً أن تغلغل النفوذ الشيعي الإيراني هو مشروع لا تكاد تسلم مدينة سورية منه، طالما أن الوضع الأمني والعسكري يسمح، موضوعياً أو ذاتياً، بذلك التغلغل. أما على مستوى الاعتراض المحلي من مرجعيات محلّية، فيُلحظ أن "المجلس الإسلامي الشيعي الاسماعيلي الأعلى" في السلَمية لم يبادر إلى اي اعتراض على ما يحدث من مظاهر تشييع في المدينة، وهي مظاهر مرشحة للتزايد بغض النظر عن تراجع الدور الإيراني في البلاد بعد الدخول العسكري الروسي المباشر. وربما يعرف أبناء المدينة أكثر من غيرهم أن المسألة ليست عدم اعتراض أو تأخُّر مبادرة مضادة غائبة من المجلس لظاهرة التشيّع، بل ربما مباركة ضمنية لذلك بحكم الترابط بين مسؤولين فيه وبين النظام ومن هم وراء هذا النظام من داعمين غير سوريين له.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها