الإثنين 2014/06/02

آخر تحديث: 13:19 (بيروت)

تركيا: العمال الكردستاني يستعيد أعداءه التاريخيين

الإثنين 2014/06/02
تركيا: العمال الكردستاني يستعيد أعداءه التاريخيين
حرب الكردستاني ضد الجمهورية لم تعد مغرية
increase حجم الخط decrease
 عاود حزب العمال الكردستاني نشاطه ضد الحكومة التركية؛ من عمليات خطف، وفرض للسيطرة والرقابة على الطرق العامة في شرق البلاد. ويأتي ذلك بعد فترة جمود طاولت عملية السلام بين الحكومة والحزب، بعيد انتهاء الانتخابات البلدية التركية، ومع التحضير للانتخابات الرئاسية. 

وكانت عائلات من مدينة ديار بكر جنوب شرق البلاد، قد دعت إلى الاعتصام أمام مبنى البلدية، للمطالبة بعودة أبنائها المختطفين من قبل الحزب. الخطف الذي تمّ بهدف تجنيد الشباب في صفوف الكردستاني، بحسب الأهالي. كما واصل الحزب هجماته ضد حزب "الدعوة الحرة الكردي"، حين خطف الأسبوع الجاري، رئيس بلدية قضاء دجلة في ولاية ديار بكر، وقتل أحد قيادات "الدعوة". ويعتبر الدعوة حزباً كردياً إسلامياً، ووريثاً لحزب الله التركي المحظور، إلا أنه لا يعتمد العنف وليس لديه كتائب مسلحة. ويُعد حزب الله منظمة كردية سنية مسلحة، تأسست في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، لمواجهة حزب العمال الكردستاني، يساري التوجه.

وكان الصراع المسلح بين حزب الله التركي والعمال الكردستاني، الممتد بين عامي 1990 و2000، قد أودى بحياة مايقارب ألفي شخص معظمهم من المدنيين. وشملت ساحات المواجهة، المدن الأساسية في شرق تركيا؛  ديار بكر وباتمان ونصيبين وماردين وكزل تِبة. ثمّ سرت اشاعات لاحقاً عن دور المخابرات العسكرية التركية "الجاندرمة" في الصراع بين القوتين الكرديتين. وأشارت تقارير صحفية إلى دعم الدولة لحزب الله التركي، لتقويض نفوذ حزب العمال الكردستاني في المدن.

وعلى الرغم من رفض العمال الكردستاني إلقاء سلاحه، والتحول إلى حركة سياسية، على غرار ما فعله حزب الدعوة الكردية؛ إلا أن الأحزاب الكردية التي تمثل الأذرع السياسية للعمال الكردستاني، حققت تقدماً في بعض المناطق الكردية. ينطبق ذلك على حزب السلام والديمقراطية، وحزب الشعوب الديمقراطية. ولم ينعكس النجاح السياسي لحزب الشعوب الديمقراطية، على عدد الأصوات التي حازها، في الانتخابات البلدية التركية الأخيرة التي أجريت في نهاية أذار/ مارس، مما أشار إلى انخفاض شعبيته. 

ويبدو بأن الدولة التركية لم تعد تميل إلى محاربة أية تنظيمات كردية، بما فيها حزب العمال الكردستاني. مالم يكن هناك هجوم مسلح ضدها. بل هي تتجه نحو حل القضية الكردية بالطرق السلمية والدبلوماسية. لكن المشكلة تكمن في عدم رغبة الكردستاني إعلان الطلاق مع العمل المسلح.

فكرة الصراع العسكري لاسترداد الحقوق الكردية، بدأت بعد أكثر من خمسين عاماً على إنكار الهوية الكردية. ولكن اليوم أقرت الدولة التركية بالهوية الكردية، وإن بشكل غير رسمي، مع فتحها لباب إقرار الأمر بشكل دستوري، من خلال مشروع الدستور الجديد. ولم يمنع ذلك، الشباب الكردي من استمرار الالتحاق بصفوف حزب العمال الكردستاني في الجبال. ضرورة العنف لاستعادة الحقوق في ظل هذه المتغيرات، أجبرت قيادة الحزب على إعادة ترتيب أفكارها لضمان استمرار الحزب. فالعمال أخذ يعي بأن حربه ضد الجمهورية التركية، تحت شعار استرداد الحقوق، لم تعد مغرية للشباب. وخاصة بعد الإصلاحات الحكومية الأخيرة، وهي وإن لم تكن كافية بحد ذاتها، إلا أنها تحمل يقيناً بإمكانية الحلول السياسية. يأتي ذلك، في ظل الازدهار الاقتصادي الذي أخذ يمتد إلى المناطق الكردية. وذلك يرخي بحقيقة خسارة الحزب للكثير من بريق أهدافه الكبرى وأعدائه الخارجيين. مما دفعه إلى إعادة تحديد أعدائه الداخليين. فعلى المستوى التركي حاول أن يعيد لنفسه بريقه اليساري، بدا ذلك جلياً في رسالة زعيم الحزب عبد الله اوجلان الأخيرة بمناسبة عيد النوروز. هاجس إحياء الخلافات الكردية الداخلية، دفع الحزب لاستعادة العداء مع حزب الدعوة الحرة.

لايقتصر أمر إعادة صناعة أعداء داخليين على المستوى التركي فحسب، بل تعدى ذلك إلى الصعيد السوري. فبعد أن فقدت فكرة العداء لنظام البعث السوري وهجها، أقدم الحزب على التحالف مع النظام السوري في إدارة المناطق ذات الأغلبية الكردية. وقام حزب الإتحاد الديمقراطي، جناح حزب العمال الكردستاني في سوريا، بتوجيه مخالبه نحو الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا. فالديمقراطي الكردستاني كان قد أعاد توحيد صفوفه، بضغط من الحزب الأم في كردستان العراق بزعامة مسعود البرزاني. مما جعل الوسائل الإعلامية التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي، تتحول إلى آلة لا تتوقف عن الهجوم على الديمقراطي الكردستاني، المنضوي تحت لواء الائتلاف السوري المعارض. الإتهامات امتدت من الخيانة والعمالة لصالح الحكومة التركية، إلى العمل على تقسيم الصف الكردي.

يبدو بأن المتغيرات السياسية الديمقراطية، التي حصلت في تركيا، قد ألقت بضغط كبير للحفاظ على منظومة حزب العمال الكردستاني الفكرية والتنظيمية. وإذا أضيف لها تحالف إقليم كردستان العراق مع الحكومة التركية، للحفاظ على نفسه في منطقة تعاني انقساماً طائفياً وإثنياً؛ فالأمر بات يشكل تهديداً لوحدة وسلامة المجتمع الكردي في دوله المختلفة، وفي إطاره العام.
  
increase حجم الخط decrease