الأربعاء 2014/12/17

آخر تحديث: 17:04 (بيروت)

فصل جديد من الحرب بين أردوغان وغولن

الأربعاء 2014/12/17
فصل جديد من الحرب بين أردوغان وغولن
أطلق حزب الشعب الجمهوري المعارض حملة أسماها "أسبوع مناهضة الفساد"، رفعت فيها صور الوزراء السابقين المتهمين بالفساد (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
كان الإثنين 15 كانون الأول/ديسمبر، يوماً أسود في أسواق البورصة والعملات الصعبة في تركيا، فقد هبط سعر الليرة التركية أمام الدولار هبوطاً حاداً ليبلغ سعر الدولار 40.2 ليرة تركية، وهو مستوى غير مسبوق. وتزامن هذا الهبوط مع الهبوط التراجيدي للروبل الروسي أمام العملات الصعبة، وكأن هناك علاقة سببية بين هذا التطور وبين الاتفاق الروسي–التركي الذي تم توقيعه مؤخراً أثناء زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأنقرة، حول إنشاء خط أنابيب لبيع الغاز يكون بديلاً لخط "تيار الجنوب"، الذي كان من المفترض أن يربط بين روسيا وأوروبا.

بيد أن التفسير الغالب لهبوط قيمة العملة التركية أمام العملات الأخرى يربطه بالتطورات الداخلية في تركيا. فقبل "يوم الإثنين الأسود" بأربع وعشرين ساعة، صُدم الرأي العام بأخبار توقيف عدد من الإعلاميين والسينمائيين، إضافة إلى ضباط شرطة سابقين، وتحويلهم إلى القضاء، بتهم "تلفيق الأدلة في قضية لها صلة بالإرهاب". وبسبب طبيعة هذا الاتهام، تكفلت بالتوقيفات التي شملت أكثر من ثلاثين شخصاً، شعبة مكافحة الإرهاب في جهاز الأمن التركي.

ولكن بعيداً عن الاتهام الرسمي، لوحظ أن جميع المستهدفين هم أشخاص أو مؤسسات معروفة بقربها من جماعة "الخدمة" التي يقودها، من مقر إقامته في الولايات المتحدة، الداعية الإسلامي فتح الله غولن. وبين هذا والرئيس أردوغان حرب معلنة منذ عام بعدما اختمرت، منذ العام 2010، بعيداً عن وسائل الإعلام. بل إن أردوغان كان توعد علناً باجتثاث الجماعة التي وصفها بـ"البنية الموازية" أو الدولة داخل الدولة، في أكثر من مناسبة، بعدما قام بتطهير مؤسستي الأمن والقضاء من أتباع غولن.

زاد من تسييس هذه التوقيفات سلفاً، ما نشره شخص مجهول الهوية على حساب باسم "فؤاد عوني"، في موقع التواصل الإجتماعي "تويتر"، من تغريدات أفشت خبر التوقيفات المتوقعة قبل حدوثها بيومين. "فؤاد عوني" هذا الذي أصبح ظاهرة لافتة في الرأي العام التركي، منذ الثورة البيئية في منتزه "جيزي" أواخر أيار/ماية 2013، يشكل اليوم الهدف المعلن لدوائر الأمن التركية بسبب إفشائه لكثير من خطوات الحكومة التي تستهدف خصومها. لكن عدم تعاون السلطات الأمنية الأميركية في كشف عنوان الـ"IP"، الذي يدخل منه هذا الشبح المزعج للحكومة إلى حسابه في تويتر، حرم السلطات التركية من الكشف عن هويته الحقيقية، لإلقاء القبض عليه ومحاكمته، باتهامات باتت جاهزة لدى النيابة العامة.

كان لتوقيف مدير تحرير جريدة "زمان" الموالية لفتح الله غولن، أكرم دومانلي، ومدير محطة تلفزيون "سمان يولو" هدايت كراجة، بين من شملتهم توقيفات فجر الأحد 14 كانون أول/ديسمبر، وقع الصدمة في الرأي العام الداخلي والخارجي على حد سواء. استنكرت كل القوى المعارضة للحكومة، وبعض الصحافة المعارضة، استهداف الإعلاميين، من غير أن يحمل أحد من معارضي الحكومة الاتهامات التي اعتبرتها مفبركة، على محمل الجد. وهذا ما شكل أيضاً رؤية وزارة الخارجية الأميركية وكذا الاتحاد الأوروبي، اللذين اعتبرا الحدث تضييقاً من السلطة على حرية الإعلام، وطالباها باحترام المعايير الأوروبية. ولم يتأخر أردوغان بالرد بقسوة على ما اعتبره تدخلاً غير مقبول من الاتحاد الأوروبي في شأن يخص القضاء التركي.

يخشى مراقبون أن يؤدي هذا التوتر بين تركيا والاتحاد الأوروبي، إلى ازدياد عمق الهوة السياسية بين الجانبين، الأمر الذي بدأ، في رأي معارضي أردوغان، منذ القمع العنيف لاحتجاجات منتزه جيزي، في اسطنبول قبل عام ونصف، تسارع بعدها ابتعاد تركيا عن أوروبا واقترابها من روسيا.

كما تُعبّر المعارضة عن مخاوفها، من تعمق الميول الاستبدادية لدى أردوغان التي بدأت منذ الاحتجاجات المذكورة وتفاقمت أكثر منذ قضية الفساد التي اتهم بها وزراء في حكومة أردوغان، قبل عام، بل طالته شخصياً من خلال ابنه بلال. ويلفت المراقبون النظر إلى توقيت الحملة الأمنية – القضائية الجديدة التي توافقت مع الذكرى السنوية الأولى لتوقيفات قضية الفساد (17-25 كانون الأول 2013). تلك التوقيفات التي وصفها أردوغان وأركان حكمه والإعلام الموالي له بـ"المحاولة الانقلابية" التي دبرها فتح الله غولن وأتباعه في المؤسستين الأمنية والقضائية.

بصورة متوازية مع مداهمة جريدة "زمان" ومحطة "سمان يولو" التلفزيونية، واعتقال عدد من العاملين فيهما، صدر قرار قضائي بإغلاق ملف قضية الفساد. الأمر الذي أعطى الانطباع بأن كلاً من التوقيفات وطي ملف الفساد الحكومي يشكلان ثأر أردوغان من خصمه اللدود فتح الله غولن. فأطلق حزب الشعب الجمهوري المعارض حملة أسماها "أسبوع مناهضة الفساد"، رفعت فيها صور الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد في حكومة أردوغان السابقة، وعلى وجوههم أقنعة اللصوص الرمزية.

من المحتمل أن أردوغان لن يخسر من شعبيته في الداخل شيئاً بمناسبة التطورات الجديدة، فهناك كتلة شعبية متراصة من الموالاة تمكن من الاحتفاظ بولائها بسبب الاستقطاب الداخلي الحاد والمركب في الحياة السياسية التركية، بين الحكومة والتيار العلماني من جهة، وبينها وبين تيار غولن الإسلامي من جهة ثانية، هذا التيار الذي كان حليفاً وشكل رأس حربة أردوغان في مواجهة الوصاية العسكرية وخصومة العلمانيين معاً.

لكن أسباب صداع أردوغان لا تقتصر على هذين الخصمين، فلديه أيضاً المشكلة الكردية الحاضرة بصورة دائمة من جهة، والمشكلة السورية التي سببت خلافات حادة بين القيادة والتركية والإدارة الأميركية من جهة ثانية، والموقف من الإخوان المسلمين والقيادة الانقلابية في مصر التي أدت إلى خلاف تركي – سعودي من جهة ثالثة. بل إن نتائج اجتماع الدوحة الأخير لقادة دول مجلس التعاون الخليجي أدت إلى مزيد من العزلة السياسية التركية مع محيطها القريب.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها