الصراع على سوريا: مَن يقود الشرق الأوسط الآن؟
في منتصف الستينات من القرن الماضي، أصدر الصحافي البريطاني باتريك سيل كتاباً بعنوان "الصراع على سوريا"، جاء فيه أن اهتمام الوطنيين العرب، انصب ما بين الحربين العالميتين على تخليص أقطارهم أولاً من وجود الدولة الأجنبية المحتلة، ومن الممكن تعريف الوطنية في هذه الفترة بأنها رفض السيطرة الأجنبية.
فقد كان ثمّة رجال مختلفون في نزعاتهم وماضيهم، يتّحدون تحت راية الإستقلال الوطني، لكن صخب التصفية التدريجية للاحتلال العسكري والإدارة السياسية لكل من الفرنسيين والانكليز، تغير في مضمون التطلعات العربية بصورة متزايدة، من المساجلة مع الأجنبي إلى نوع آخر منها قلما يكون أقل عنفاً ويتم في ما بينها، لحق النضال من أجل الوحدة بالسباق من أجل الاستقلال. وكان هذان الأمران، الاستقلال والوحدة، كالسوائل في الأواني المستطرقة. فحين تُقطع الخيوط الغربية الموجهة، يتخذ التوتر بين الدول العربية وفي داخلها أهمية غير متوقعة، وحين يتضاءل النفوذ الغربي فإن المشكلات المحلية لكل من القيادة والتنظيمات للأسرة العربية تزداد ظهوراً.
في وسط هذه التيارات المتعارضة، تقف سوريا كمرآة المصالح المتنافسة على المستوى الدولي.. وليس من قبيل الصدفة أن تعكس سوريا في تركيبتها السياسية الداخلية منافسات جيرانها وخصوماتهم. ويخلص باتريك سيل إلى القول بأنه يسعى في كتابه إلى تبيان أن مَن يقود الشرق الأوسط، لا بدّ له من السيطرة على سوريا. ويعزو السبب إلى موقع سوريا الإستراتيجي، فهي تشرف على الممرات الشمالية الشرقية الموصلة إلى مصر، وعلى الطريق البري ما بين العراق والبحر المتوسط، وعلى شمال الجزيرة العربية والحدود الشمالية للعالم العربي. ويرى البعض، أن المنافسة ما بين سادة دجلة وسادة النيل هي مثال حي متكرّر، الصراع بين العراق ومصر كان سمة بارزة لفترة ما بعد الحرب، ذلك أنّ سوريا تمسكت بـ"مفتاح التحول المحلي".
لعل ما كتبه باتريك سيل منذ ستة عقود، تبدّل بتبدّل الحكام وانهيار الدول الوطنية. فالعراق نهشته الحروب وأصبح دولة مهترئة على هامش إيران. ومصر التي تبحث عن الرغيف، فقدتْ دورها الاستراتيجي والمركزي منذ هزيمة 1967، بل منذ اتفاقات كامب ديفيد مع اسرائيل في عهد محمد أنور السادات. لكن بُنية ما استنتجه سيل ما زالت قائمة. لقد دفعت إيران وروسيا، ومعهما "حزب الله"، أثماناً باهظة لمنع سقوط النظام الأسدي بعد الثورة العام 2011 وللسيطرة على سوريا، بينما كان آل الاسد يسيطرون على السلطة باتفاق ضمني مع إسرائيل وبتحالف "تاريخي" مع إيران.
ومع انشغال روسيا في حرب أوكرانيا وترهل "حزب الله" في لبنان بعد حرب الإسناد، صار الصراع على سوريا أمام شكل جديد وعوامل مختلفة. برز نفوذ تركيا على الأرض من خلال سيطرة فصائل إدلب المسلحة على دمشق وهروب بشار الأسد إلى روسيا وانسحاب القوى التابعة لإيران. وقد أقرّ أمين عام الحزب، الشيخ نعيم قاسم، بأن "حزب الله" خسر طريق الإمداد بأثر من السيطرة إسرائيلية بالنار، أي الهجمات التي شنتها على بقايا مواقع الجيش السوري وتدمير أسلحته الاستراتيجية بزعم الخوف من وقوعها بين أيدي الفصائل المسلحة الحالية.
والتبدّل الجديد يجعل سوريا مبهمة التوجه مرحلياً، مع قيادة أيضاً مبهمة يقودها أحمد الشرع، وبعد وقت قصير من اندفاع الإسرائيلي نتنياهو إلى اطلاق نظرية الشرق الأوسط الجديد، عقب اغتيال عمود محور إيران في الشرق الأوسط السيد حسن نصرالله. هذا عدا عن أن تبدل الحكم في سوريا أثار قلق بعض الأنظمة العربية، لهذا سارعت لجنة الاتصال حول سوريا إلى عقد اجتماع في "العقبة".
فقد كان ثمّة رجال مختلفون في نزعاتهم وماضيهم، يتّحدون تحت راية الإستقلال الوطني، لكن صخب التصفية التدريجية للاحتلال العسكري والإدارة السياسية لكل من الفرنسيين والانكليز، تغير في مضمون التطلعات العربية بصورة متزايدة، من المساجلة مع الأجنبي إلى نوع آخر منها قلما يكون أقل عنفاً ويتم في ما بينها، لحق النضال من أجل الوحدة بالسباق من أجل الاستقلال. وكان هذان الأمران، الاستقلال والوحدة، كالسوائل في الأواني المستطرقة. فحين تُقطع الخيوط الغربية الموجهة، يتخذ التوتر بين الدول العربية وفي داخلها أهمية غير متوقعة، وحين يتضاءل النفوذ الغربي فإن المشكلات المحلية لكل من القيادة والتنظيمات للأسرة العربية تزداد ظهوراً.
في وسط هذه التيارات المتعارضة، تقف سوريا كمرآة المصالح المتنافسة على المستوى الدولي.. وليس من قبيل الصدفة أن تعكس سوريا في تركيبتها السياسية الداخلية منافسات جيرانها وخصوماتهم. ويخلص باتريك سيل إلى القول بأنه يسعى في كتابه إلى تبيان أن مَن يقود الشرق الأوسط، لا بدّ له من السيطرة على سوريا. ويعزو السبب إلى موقع سوريا الإستراتيجي، فهي تشرف على الممرات الشمالية الشرقية الموصلة إلى مصر، وعلى الطريق البري ما بين العراق والبحر المتوسط، وعلى شمال الجزيرة العربية والحدود الشمالية للعالم العربي. ويرى البعض، أن المنافسة ما بين سادة دجلة وسادة النيل هي مثال حي متكرّر، الصراع بين العراق ومصر كان سمة بارزة لفترة ما بعد الحرب، ذلك أنّ سوريا تمسكت بـ"مفتاح التحول المحلي".
لعل ما كتبه باتريك سيل منذ ستة عقود، تبدّل بتبدّل الحكام وانهيار الدول الوطنية. فالعراق نهشته الحروب وأصبح دولة مهترئة على هامش إيران. ومصر التي تبحث عن الرغيف، فقدتْ دورها الاستراتيجي والمركزي منذ هزيمة 1967، بل منذ اتفاقات كامب ديفيد مع اسرائيل في عهد محمد أنور السادات. لكن بُنية ما استنتجه سيل ما زالت قائمة. لقد دفعت إيران وروسيا، ومعهما "حزب الله"، أثماناً باهظة لمنع سقوط النظام الأسدي بعد الثورة العام 2011 وللسيطرة على سوريا، بينما كان آل الاسد يسيطرون على السلطة باتفاق ضمني مع إسرائيل وبتحالف "تاريخي" مع إيران.
ومع انشغال روسيا في حرب أوكرانيا وترهل "حزب الله" في لبنان بعد حرب الإسناد، صار الصراع على سوريا أمام شكل جديد وعوامل مختلفة. برز نفوذ تركيا على الأرض من خلال سيطرة فصائل إدلب المسلحة على دمشق وهروب بشار الأسد إلى روسيا وانسحاب القوى التابعة لإيران. وقد أقرّ أمين عام الحزب، الشيخ نعيم قاسم، بأن "حزب الله" خسر طريق الإمداد بأثر من السيطرة إسرائيلية بالنار، أي الهجمات التي شنتها على بقايا مواقع الجيش السوري وتدمير أسلحته الاستراتيجية بزعم الخوف من وقوعها بين أيدي الفصائل المسلحة الحالية.
والتبدّل الجديد يجعل سوريا مبهمة التوجه مرحلياً، مع قيادة أيضاً مبهمة يقودها أحمد الشرع، وبعد وقت قصير من اندفاع الإسرائيلي نتنياهو إلى اطلاق نظرية الشرق الأوسط الجديد، عقب اغتيال عمود محور إيران في الشرق الأوسط السيد حسن نصرالله. هذا عدا عن أن تبدل الحكم في سوريا أثار قلق بعض الأنظمة العربية، لهذا سارعت لجنة الاتصال حول سوريا إلى عقد اجتماع في "العقبة".