إسرائيل كشفت دمشق عسكرياً.. احتلال مناطق استراتيجية داخل سوريا

محمد الشيخ
الثلاثاء   2024/12/17
© Getty
أطلق الجيش الإسرائيلي في 8 كانون الأول/ديسمبر، عقب الإطاحة بنظام الأسد، عملية عسكرية سماها "سهم باشان"، سيطر على إثرها على المنطقة العازلة الواقعة بين المناطق المحتلة بالجولان السوري، ونظيرتها السورية "المحررة"، إلى جانب تنفيذ مئات الغارات الجوية بهدف تدمير ترسانة الأسلحة السورية، والتي تركتها قوات النظام خلفها في عموم الأراضي السورية.
لكن ومع سيطرة جيش الاحتلال على المنطقة العازلة، باتت الأخبار المتداولة تشير إلى توسيع الجيش لعملياته خارج تلك المنطقة، حتى انتشرت شائعات عن وصول الجيش إلى مشارف مدينة قطنا في ريف دمشق الغربي، و"هدفها التالي هو دمشق". فإلى أين وصلت حدود التوغل؟، وهل باتت إسرائيل على مشارف العاصمة كما يروج؟

المنطقة العازلة
ولدت المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا رسميا في 31 أيار/مايو 1974، في مدينة جنيف، بموجب اتفاق فض اشتباك القوات بين الجيشين السوري والإسرائيلي، والذي قادته الولايات المتحدة عن طريق وزير خارجيتها حينذاك، هنري كسينجر.
وحدّدت الاتفاقية مواقع تمركز الجيشين على حدود المنطقة العازلة وشكل وتعداد الانتشار ونوع الأسلحة المسموح بها من كل جانب. ويمكن اختزال شكل وتفاصيل المنطقة العازلة (للتبسيط)، بأنها محددة وفقاً لخطين، تقع ضمنهما، الأول "الخط أ" (ألفا)، عند حدود المناطق المحتلة في الجولان، وكانت القوات الإسرائيلية تنتشر إلى غربه.
أما الخط الثاني، فهو "الخط ب" (برافو)، وتتمركز القوات السورية إلى شرقه، مع السماح للمدنيين بالعودة للقرى والبلدات ضمن المنطقة العازلة.
وتمتد المنطقة العازلة بخط نظري متعرج ومتداخل، من الشمال عند سفوح جبل الشيخ الجنوبية الشرقية والقرى التابعة إدارياً لريف دمشق، والمشرفة على الحدود بين سوريا ولبنان، إلى الجنوب، عند القرى الواقعة في منطقة حوض اليرموك، في ريف درعا الغربي، وتنتهي بقرية معرية، قرب نهر اليرموك، عند المثلث الحدودي السوري- الأردني- الفلسطيني.
ويبلغ طول المنطقة العازلة نحو 80 كيلومتراً، بخط نظري من الشمال إلى الجنوب، ونحو 65 كيلومتراً وفق الخط المرسوم المتعرج المتفق عليه، بمساحة تقدّر بنحو 230 كيلو متراً مربعاً. أما الأعماق فهي مختلفة، فمن الشمال نحو 2 كيلومتر، ومن الوسط، من جهة مدينة القنيطرة، نحو 10 كيلومتر، بينما في الجنوب تبلغ أقل من 500 متر، لتصل لنحو 200 متر في أقصى الجنوب.
وتشرف على المنطقة العازلة قوة مراقبة فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة، المعروفة اختصاراً بـ"الإندوف"، بينما تخضع الإدارة المحلية إلى الحكومة السورية، وتُعتبر أراضٍ سورية.

إلى أين وصل التوغل؟
وباعتماد خط "برافو" كحدود للمنطقة العازلة من الجهة السورية، فإن الجيش الإسرائيلي باحتلاله مرتفعات جبل الشيخ السورية، فقد خرج من المنطقة العازلة، من جهة الشمال. وكانت إسرائيل تحتل سابقاً 70 كيلومتراً من إجمالي مساحة جبل الشيخ البالغة حوالي 700 كيلومتر مربع، بينما باقي المساحة كانت مقسمة بين سوريا ولبنان.
في الوسط، من جهة محافظة القنيطرة، احتلت القوات الإسرائيلية جميع القرى والبلدات مع القنيطرة المهدمة الواقعة ضمن المنطقة العازلة، أبرزها كان مدينة البعث، مركز المحافظة.
ووصل التوغل إلى مدينة خان أرنبة، وفتشت القوات المنازل وعدداً من المواقع داخلها وفي محيطها وصولاَ للشرق، ودعت السكان إلى تسليم أسلحتهم حتى لو كانت بندقية تُستخدم للصيد، قبل أن تُنشئ متاريس استقرت فيها مجموعات من الجيش الإسرائيلي على حدودها الغربية. وبالتوغل داخل مركز خان أرنبة، فقد خرجت إسرائيل خارج المنطقة العازلة. وتُشير معلومات "المدن"، إلى أن القوات المتوغلة لم تستقر داخل المدينة، وانسحبت إلى السواتر التي أقامتها.
ومن الجنوب، احتلت القوات إسرائيل القرى الواقعة ضمن المنطقة العازلة، ابتداءً من ريف القنيطرة الجنوبي، وحتى قرى حوض اليرموك في ريف درعا الغربي. ومن هذه الجهة، الأضيق مساحة في المنطقة العازلة، فقد توغلت القوات الإسرائيلية خلال الساعات الماضية، نحو قرى معربة عابدين وأم باطنة وكويا وجملة وصيدا الجولان والمعلقة، لتتجاوز بذلك حدود المنطقة العازلة، بعمق كيلومتر واحد.

التقدم نحو دمشق؟
وعلى الرغم من جميع تلك التجاوزات خارج المنطقة العازلة، إلا أن الحديث الأبرز كان يدور على التوغل الحاصل من جهة ريف دمشق الغربي الجنوبي، من جبل الشيخ وقراه المقابلة لمناطق الجولان المحتل، حيث سرت شائعات بأن التوغل وصل لمشارف مدينة قطنا، عند البوابة الغربية لدمشق.
وأكدت أربعة مصادر محلية لـ"المدن"، أن جميع تلك الأخبار منفية، وأوضحت أن أقرب نقطة وصلت لها من جهة قطنا، كان بلدة حضر المقابلة لبلدة مجدل شمس المحتلة في الجولان، حيث سيطرت القوات الإسرائيلية على التلول الحمر، وقطعت المدخل الشرقي للبلدة، ثم انسحبت وتمركزت في الجهة الغربية. يُشار إلى أن التوغل في حضر، هو اجتياز لحدود المنطقة العازلة.
أما بما يتعلق بالأخبار عن السيطرة على قرى عرنة، بقعسم، ريمة، دربل، حينة، بيت جن ومزرعتها ومغر المير، فهي منفية، لكن المصادر أوضحت أن القوات الإسرائيلية تقدمت وسيطرت على تلة حربون، قرب هذه المناطق من الجهة الغربية. وكانت قوات النظام المخلوع تتخذ من هذه التلة موقعاً عسكرياً، وهي ترتفع 1800 متر عن سطح البحر، وتكشف الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تكشف مدينة قطنا، وصولاً للأحياء الغربية لدمشق.

جبل الشيخ
وكان المشهد الأبرز في السيطرة الإسرائيلية، هو احتلال مرتفعات جبل الشيخ وقممه الأربع، والتي يصل ارتفاع أعلاها إلى ألفين و814 متراً. وتؤمن تلك السيطرة كشفاً استراتيجياً حتى داخل دمشق، وريفها الجنوبي الغربي حتى الكسوة وداريا والمعضمية، إلى جانب تأمين رؤية فعلية تتجاوز عشرات الكيلومترات داخل جنوب لبنان ومنطقة البقاع، والأردن. واعتُبرت سيطرة إسرائيل على الجبل، "أعظم" الإنجازات، لأنها بذلك تستطيع تأمين معلومات استخباراتية، وتنفيذ مراقبة الكترونية، وتأمين القدرة على الإنذار المبكر في حالة وقوع هجوم وشيك، من لبنان وسوريا والأردن.