"مضافات الحسين" منعًا لتجويع الضاحية.. وقارىء عزاء يدعو للمعاصي

محمد علوش
الإثنين   2022/08/08
تبدأ المضافات نشاطها بعد المغرب وتستمر حتى منتصف الليل تقريبًا (جورج فرح)
تُعد عاشوراء من أهم المناسبات الشيعية السنوية. فهي رغم كل ما يُعاني منه لبنان لم تتأثر، تطبيقًا لقول إن "لقتل الحسين حرارة فى قلوب المؤمنين لا تبرد أبدًا". وإذا كانت الشعائر الحسينية ثابتة وقائمة، فإن بعض المظاهر والخلافات أصبحت متكررة كل عام في مناسبة عاشوراء.

بين الذل و"هيهات منّا الذلة"
كما في كل عام، تُرافق عاشوراء مجموعة من الخلافات التي باتت "تراثًا" في لبنان. وتبدأ الخلافات من مقارنة فريق من الشيعة واللبنانيين حادثة كربلاء وخروج الإمام الحسين رفضًا للظلم اللاحق بالأمة، ولمواجهة للحاكم الظالم، بما نعيشه اليوم في بلادنا من بطش الحكام الظالمين. وهنا يكون النقاش حول إحياء المناسبة من دون تطبيق تعاليمها، وحول القول "لبيك يا حسين" والانتماء إلى أحزاب شاركت في السلطة المسؤولة عن إيصال لبنان إلى ما وصل إليه من خراب. وهناك أيضًا نداء "هيهات منا الذلة" على ضوء الشموع، بسبب غياب الكهرباء والفساد وكل ما أصاب اللبنانيين من مآس وذلّ في طوابير الحصول على الخدمات الأساسية والحقوق.

وهناك فريق آخر يرفض هذه المقاربة، ويعتبر أن رفض الذل يتجلى في مواجهة العدو الإسرائيلي الظالم، لأنه سبب الأزمة التي يعيشونها اليوم. وبالتالي، هم كالحسين يرفضون بيع كرامتهم من أجل المال والمساعدات. ويطاول نقاش لا ينتهي بدل أتعاب قارئي العزاء. فيرى البعض أن قارئ العزاء يواسي أهل بيت الرسول، وليس عاملًا بأجر. وبالتالي لا يجوز له أن يطلب المال مقابل المجالس، خصوصًا أن بعض قرّاء العزاء يحصّلون ألوف الدولارات في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم. بينما يرى فريق آخر أن قارئي العزاء يعتاشون من هذه المجالس ويجب مكافأتهم على عطائهم بمال يُتيح لهم العيش بكرامة.

صرف المال وانتشار المضافات
من الثوابت سنويًا، الخلاف حول وجهة التبرعات وطريقة صرف الأموال في عاشوراء. وهذا العام شهدت هذه القضية نقاشًا حاميًا بين فريقين: الأول يعتبر أن المال الذي يصرف على المضافات وتقديم الطعام للمارة، يجب تحويله إلى الفقراء والمحتاجين، وما أكثرهم بلبنان في هذا الزمن. والثاني يعتبر أن مساعدة الفقراء لا تُلغي ولا تستبدل ضرورة إقامة الموائد، وتقديم الطعام والشراب والمساعدات للناس جميعًا. وذلك "على حبّ الحسين"، كما يقول علي، وهو شاب عشريني يعمل في مضيف عاشورائي في منطقة الضاحية الجنوبية.

يقول عليّ إن "المضيف يتلقى التبرعات بهدف تقديم الطعام والشراب عن روح الحسين عليه السلام، وإحياءً لشعائر شهر محرم. وبالتالي يجب احترام رغبة المتبرعين أولًا. ثم أن المقارنة بين ما نفعله ومساعدة الفقراء، أمر لا يجوز. فهل يعلم من ينتقدنا ما نفعله وما نقدمه للفقراء؟". والمضافات انتشرت بكثرة هذا العام في الضاحية الجنوبية، كما في كل القرى الشيعية. وكانت لافتة مشاركة الأطفال فيها. لكنها في الضاحية تكتسب بُعدًا دينيًا وسياسيًا.

تبدأ المضافات نشاطها بعد المغرب وتستمر حتى منتصف الليل تقريبًا. فتقدّم الطعام والشراب على "حبّ الحسين"، تحت شعار "أرادوا تجويع الضاحية، فها هي موائد الحسين في كل شارع وحيّ". وحسب معلومات "المدن"، هناك أكثر من مئة مضيف في منطقة جغرافية صغيرة. والكلام هنا عن المضافات الكبيرة لا الصغيرة.

يقول أحد العاملين في مضيف كبير في منطقة صفير في الضاحية، إنه ومجموعة من الشبان قرروا خدمة محبي الحسين من خلال المضيف الذي يقدم الطعام مجانًا. وهو يشير إلى أن المضيف يقدم حوالى ألف وجبة طعام يوميًا، معتمدًا على التبرعات الخاصة من الأفراد المشاركين فيه، وكذلك العامة من المواطنين. وهذا العمل بحسبه "رسالة لأعداء الضاحية بأنها صامدة قادرة قوية وستبقى كذلك".

عرق مبارك ودعوة للمعاصي
في كل عام هناك ظواهر غريبة تشوب المناسبة لحرفها عن أهدافها. فيسلط عليها الضوء لنشرها رغم أنها لا تمثل سوى فئة قليلة جدًا من الناس. وهذا العام رافقت الظواهر الغريبة بعض المجالس الحسينية، حيث برز قارئ العزاء الشيخ محمد شرارة الذي سلّط الضوء على نفسه من خلال مواقف وممارسات أثارت استغراب المتابعين. وذلك حين تجمّع حوله شبان للحصول على نقطة من "عرقه" للتبرك بها. فتناول الشيخ شرارة الخرق من الحاضرين وراح يمسح بها وجهه وعرقه ويعيدها إلى أصحابها. حين جاء في إحدى خطب الشيخ إياه أن لا مشكلة في ارتكاب الشبان الشيعة المعاصي والذنوب. فالحسين ينفخ على المعاصي فتزول. علمًا أن أصل عاشوراء هو "طلب إصلاح أمة النبي محمد".

هنا لا بدّ من الإشارة إلى التطور الذي رافق مجالس العزاء في السنوات الاخيرة، حيث عمل المعنيون على مواجهة البدع والخرافات والمبالغات، وشجعوا على تقديم الأحاديث المثبتة والصحيحة. وهذا ما أصبح اليوم واضحًا من خلال السيرة الحسينية.

خلاف على التطبير
أخيرًا، هناك الخلاف المتوقع يوم العاشر من محرّم حول ممارسة الشعائر العاشورائية المعروفة بـ"التطبير"، أي جرح الرأس وإخراج الدم منه. وهذا النقاش عادة ما يؤدي إلى خلاف بين جمهور حركة أمل وجمهور حزب الله. وهو لطالما كان مسألة خلافية بين المراجع الدينية. وفي لبنان هناك مجالس عاشورائية تمنع هذه الشعيرة، وأخرى تشجعها كما في مدينة النبطية التي تُعد المقصد الأول لمحبي هذا العمل في يوم العاشر.