لبنان بعد غزة: دولة تنتظر إعلان وفاتها

منير الربيع
الإثنين   2022/08/08
الساحات موحدة في الشعارات فقط (Getty)
يراقب لبنان تطورات المعركة العسكرية في غزّة. استفردت إسرائيل بحركة الجهاد الإسلامي، فيما الفصائل الأخرى تكتفي ببيانات التضامن وإعلان استعدادها للدعم. ومن المؤثرات التجميلية للمعركة ولإضفاء طابع استراتيجي عليها، أطلقت حركة الجهاد عنوان "وحدة الساحات" على هذه المعركة، مستلهمة شعار أمين عام حزب الله حسن نصرالله: توحيد الجبهات.

لبنان بعد غزة؟
الساحات موحدة في الشعارات فقط. أقصى ما يمكن فعله هو ربما إطلاق بضعة صواريخ من جنوب لبنان للقول إن هناك تضامنًا عسكريًا. وصحيح أن لبنان بعيد عن سياق المعركة العسكرية في غزة، لكن الوقائع تشير إلى أن البلد في حال من الأسر تشبه حال قطاع غزة. رغم أن عناصر الردع والقوة لدى حزب الله أعلى من ما تملكه الجهاد وحماس. لكن النتيجة السياسية والاستراتيجية، تقول إن الواقع المكرس في التعامل الدولي مع لبنان يشبه إلى حدّ بعيد التعامل مع غزّة.

لم يحن دور لبنان بعد في المعارك الإقليمية. فهو متروك لمرحلة لاحقة، يحتدم فيها الصراع أكثر. وهو قد يظل ساحة باردة، طالما أن المفاوضات النووية ومقتضيات الظروف الإقليمية لم تستدعِ بعدُ انخراط حزب الله عسكريًا ومباشرة، بناءً على مبدأ توسيع ساحات الاشتباك وليس توحيدها فقط.

إسرائيل اعتدت على غزة لأسباب سياسية وانتخابية، ولأسباب أمنية أيضًا. ولديها سعي إلى تكريس مبدأ الفصل بين حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس وتفكيكهما. وقد استجابت حماس إلى هذه المعادلة. والأمر الوحيد الذي كان قابلًا لدفعها إلى دخول المعركة هو اقتحام المستوطنين الإسرائيليين باحات المسجد الأقصى.

دولة مهترئة
على وقع انتظار ما يحدث غزّة وما يليه سياسيًا وإقليميًا، يعيش لبنان في حال انقسام داخلي يقود إلى الاختلاف على كل شيء. وهو ينتظر أيضًا نتائج مفاوضات فيينا ومفاوضات ترسيم الحدود.

في ظل انتظار لبنان أي معجزة إقليمية ودولية تدفع إلى إنقاذه، تشير الوقائع السياسية القائمة فيه إلى أن الدولة تتجه إلى مراحل متقدمة من الانحلال. لا مؤشرات إلى مسار إنقاذ جدّي. فالتعويل على المفاوضات الإقليمية والدولية وانعكاساتها على الساحة الداخلية، لن يحقق إنجازًا على صعيد مؤسسات الدولة، التي لم يبق منها سوى هيكل أجوف مهترئ، ربما ينتظر الإعلان عن وفاتها.

ثقافة "أنا الله مكلفني" 
فالانهيار يتجاوز الاقتصاد والسياسة، ليطال الجوانب النفسية والثقافية، على وقع سعي حزب الله في تكريس ثقافته باعتبارها ثقافة مهيمنة، تتكامل مع تغيير وجه لبنان الاجتماعي والسياسي. وهذا ما تجلى أخيرًا في عبارة "أنا الله مكلفني"، وفي إحياء ليالي عاشورائية في مسرح المدينة بشارع الحمرا. وهناك الاعتداء على النائبة سينتيا زرازير، الذي يشبه أسلوب العصابات لتطويع النواب والقول لهم إنه غير مرغوب بهم. وما تصدع صوامع القمح وحرائقها وصولًا إلى انهيارها، إلا مرآة للتصدع اللبناني.

ثمة من يترك مرتكزات الدولة على طريق الانهيار الشامل، في ظل صراع تفصيلي على تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس جمهورية.

أفول الدولة 
هذه الوقائع تدفع حزب الله إلى التقدّم في ترسيم الحدود وإمساكه بالملف بلا اعتراض من أي جهة رسمية. وهو بلغ مراحل متقدمة في حمل الدولة اللبنانية على تبني مواقفه ومسيّراته وآليات الضغط التي يمارسها، فيما سياقاتها وأهدافها إقليمية وليست محلية.

وهذا يؤدي إلى مزيد من التحلل، القائم على تكريس الانقسامات بين القوى المختلفة ويعزز طروحات الفيدرالية والتقسيم. وطالما الاعتراضات على هذا المشروع مرتكزة على خلفية طائفية أو مذهبية، وليس على منظور أو منطق وطني. ويضرب التحلل البنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.