النفط مقابل الكهرباء؟

عارف العبد
الجمعة   2022/06/24
توقيع عقد استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية (دالاتي ونهرا)

كان اتصالاً نزل الإعلان عنه يومها كالصاعقة على الرأي العام اللبناني، لأنه احتوى لحظتها على مضمون عجائبي فجائي، عبر ذلك البيان الذي أُعلن عنه يوم الخميس في التاسع عشر من آب 2019، حين قالت رئاسة الجمهورية اللبنانية، إن الرئيس ميشال عون "تلقّى اتصالاً هاتفياً من السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، أبلغت إليه فيه قراراً من الإدارة الأميركية يقضي بـمتابعة مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا".

وأوضح البيان الذي قارب الصاعقة الكهربائية يومها، أن استجرار الكهرباء "سيتم عبر توفير كميات من الغاز المصري للأردن، تمكّنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء، لوضعها في الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا".

وجاء في البيان أنه "سيتمّ أيضاً تسهيل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى شمالي لبنان"، مشيراً إلى أن "هذه القرارات أتت تعقيباً على المداولات التي أجرتها شيا مع عون خلال زيارتها الأخيرة لقصر بعبدا".

النقطة المثيرة في الأمر يومها، كانت أن هذا الإعلان الإيجابي المدوي أتى بعد ساعات من الموقف الذي كان أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله قد أطلقه باتجاه اللبنانيين والأميركيين عن أن أول باخرة مازوت إيراني ستنطلق بعد ساعات من إيران باتجاه لبنان لكسر الحصار المضروب عليه.

المازوت الإيراني أُرسل لتشغيل المولدات اللبنانية المتوقفة، والتي تكمن مهمتها بتوليد الكهرباء. وقد كان واضحاً أن الإعلان الأميركي عن استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية جاء ليقطع الطريق على فوائد المازوت الإيراني العملية والدعائية.

الخبر الأميركي السعيد عن العمل لجر الغاز المصري والكهرباء الأردنية سرعان ما أستجر معه أسئلة بسيطة منها: لماذا الآن؟ ولماذا لم تعلن هذه الأفكار الأميركية النيّرة والمضيئة سابقاً؟ طالما أن المصلحة اللبنانية تهمّ إدارة العم سام، وتحظى بتفكير واهتمام سفيرته الغراء، المشهود لها بنشاطها وتحفزها لمقارعة السيد نصرالله كلما تلفظ بكلمة نابية تجاه الإدارة الأميركية؟

ألم يكن بالإمكان طرح هذه الأفكار المفيدة والتي هي لمصلحة الشعب اللبناني قبل طحشة السيد نصرالله ببواخر المازوت الإيراني؟ وفي الوقت الذي كان فيه الشعب اللبناني يتلوى وجعاً من انقطاع الكهرباء وعناصر الطاقة؟

الدور الأميركي إلى جانب لبنان كان أخذ مكانه قبل تطورات بواخر المازوت الإيراني والغاز المصري. إذ كان انطلق في تشرين الأول من العام الذي سبقه إلى جانب لبنان في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل في الناقورة، بهدف حل مسألة ترسيم الحدود في المنطقة الاقتصادية الخالصة، لبت موضوع الثروة النفطية لدى البلدين، أي لبنان وإسرائيل، والتي تحظى مسألة حمايتها وتأمين انطلاقها برعاية أميركية خاصة من دون شك.

كان لبنان قد دخل المفاوضات، بهدف تثبيت حقه بما بات يعرف الآن بالخط 23، الذي كان سجله في الأمم المتحدة عام 2011. وكانت المنطقة المتنازع عليها مع العدو تصل إلى حدود 860 كلم مربعاً، لكن لبنان عاد وتذكر عبر دراسة للجيش اللبناني، أن حقوقه أكثر من التي طالب بها سابقاً وأن حدوده المائية تبدأ من الخط 29، أي أن المنطقة المتنازع عليها باتت أكبر بكثير من السابقة، وتتضمن حقولاً نفطية لبنانية وإسرائيلية واعدة وقد تكون مشتركة.

يبدو أن مياهاً كثيرة جرت تحت الأقنية العلنية منذ ذلك التاريخ حتى الآن.

فلبنان عدّل من شروطه التفاوضية بالتراجع عن التمسك بالخط 29، والذي كان أدى إلى توقف المفاوضات غير المباشرة وابتعاد الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، ليعود بالأمس القريب بعد أن أعلن الرئيس ميشال عون أن حدود لبنان الاقتصادية البحرية هي الخط 23 وليس 29.

عاد الوسيط الأميركي مبتهجاً بنجاح لبنان بتوحيد موقفه من الطروح المتعددة، مستمعاً إلى العرض اللبناني على أمل العودة بالجواب الإسرائيلي الذي توقفت خطوات سحبه للنفط من حقل كاريش، عبر الباخرة إنرجين باور.

ما أن غادر هوكشتاين، ويا للمصادفة البريئة والسعيدة، حتى تقاطعت الجهود وأنجزت أوراق وترتيبات توقيع عقد استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية وصولاً إلى الشمال اللبناني ومحركات معمل دير عمار.

هل هي محض مصادفة أن تجري كل هذه التطورات بالتقاطع مع بعضها البعض؟ من دون رابط يربطها؟ أو دافع يدفعها؟ بمعنى آخر، كيف جرى أن الحلحلة اللبنانية لجهة تبديل الموقف التفاوضي وتسهيل أمور المجاري النفطية، تقاطعت في الوقت عينه مع تسهيل أمور اتصال الخطوط الكهربائية من مصر إلى لبنان مروراً بسوريا!

خطوة وصل الخطوط النفطية والكهربائية التي سترفع التغذية بالتيار الكهربائي أربع ساعات وربما أكثر، لم تكتمل بعد، لأن أجوبة أخرى لم تكتمل أيضاً، ومنها الجواب الإسرائيلي على الموقف اللبناني الذي يفترض أن يعود به هوكشتاين؟

انطلاق ضخ الغاز المصري في الأنبوب العربي وصولاً إلى لبنان والذي يفترض انه أصبح في حالة جهوزية، لا يزال ينتظر إشارتين اثنتين من أميركا. الأولى تستثني مصر والأردن من عقوبات قانون قيصر، والإشارة الثانية السماح بعد ذلك للبنك الدولي بالموافقة على طلب لبنان الاستدانة لتغطية تكاليف هذه العملية.

هل ستوافق أميركا على انطلاق العملية؟ وما هو البدل العادل في هذه الحالة؟