"للموت 3": تمديد ثنائية ماغي ودانييلا.. بلا منطق

نور عويتي
الإثنين   2023/03/27
شخصيتا ماغي بو غصن ودانييلا رحمة تعودان للحياة "بأعجوبة" (انستغرام)
فجّر مسلسل "للموت" أولى مفاجآت الموسم الرمضاني عندما تم الإعلان عن جزئه الثالث، لأن الجزء الثاني من المسلسل انتهي بموت الشخصيتين الرئيسيتين، سحر (ماغي بو غصن) وريم (دانيلا رحمة)؛ وظنّ الجميع أن ملف المسلسل أغلق للأبد.

وبدت اعادتهما للحياة مجدداً، أمراً صادماً أيضاً، لأن الموسم الماضي تعرّض لانتقادات كثيرة ولم ينل استحسان الجمهور؛ فقد تم انتقاد كاتبة العمل، نادين جابر، بسبب الحبكات الدرامية غير المنطقية التي أقحمتها في الجزء الثاني، والتي قتلت الحكاية وشوهت انطباعات جيدة تركها المسلسل عند الجمهور في الجزء الأول! 

ليس ذلك وحسب، بل إن الإعلان عن الجزء الثالث من "للموت" تزامن مع مستجدّ أثارته الفنانة سيرين عبد النور، حين صرّحت بأنها هي من عرضت نص مسلسل "للموت" على المنتج جمال سنان، وكان حينها مؤلفاً من جزء واحد واسمه "الجوزاء"، وتم الاتفاق معها لتؤدي شخصية "سحر"، لكنها فوجئت بعدها باستبعادها من المسلسل وإسناد دور "سحر" إلى الفنانة ماغي أبو غصن (زوجة المنتج جمال سنان)؛ ليأتي الإعلان عن الموسم الثالث في هذا السياق، وكأن العمل تم انتاجه كتحدٍّ للانتقادات والفضائح التي واجهت المسلسل منذ أن عُرض الجزء الثاني.

وبعد متابعة الحلقات الأربعة الأولى من المسلسل، يمكن التأكيد على أن صنّاع المسلسل خسروا الرهان مبكراً، بسبب العجز الواضح عن رسم عالم درامي منطقي للشخصيات التي بُعثت من الموت مجدداً، وبسبب الفشل في إيجاد مفتاح حكاية جديدة جذابة رغم كل الشخصيات والنجوم التي أقحمت على العمل.

فالجزء الجديد الذي تجري أحداثه في تونس بعد ثلاثة أعوام على حادثة غرق "ريم" و"سحر"، لا نكتشف معالمه الدرامية سوى من خلال الحوارات الضعيفة بين بطلتي العمل، اللتين غيّرتا اسميهما، وتحاول البطلتان العيش في حياة مختلفة بأسماء "لين" و"سمر". هي حياة مختلفة عن نمط حياتهما الماضي، وبعيدة من الأعمال القذرة والنصب والاحتيال، فتجري الأحاديث السخيفة وغير المقنعة حول إصرارهما على جمع المال من خلال العمل الشريف، إلا أن المفارقة بأن المهنة التي اختارتها الكاتبة لهما هي الرقص والاستعراض في ملهى ليلي!

أسوأ ما في الأمر أن هذه البداية لا تهدف إلى خلق بيئة غريبة عن الشخصيات لنعيش معهن تجربة مختلفة، وإنما هي ليست سوى فاصل قصير يمهّد لعودة "سحر" و"ريم" إلى الأعمال السوداء، التي تصّر الكاتبة على جعلها قدرهما الحتمي. 

فمنذ الحلقة الأولى، تبدأ فبركة الأحداث والمصادفات الغريبة التي لا تهدف إلى شيء سوى لتوريط "ريم" و"سحر" بالتعامل مع شبكات إجرامية، لتجبرهما على العودة إلى الأعمال القذرة من جديد. 

الحدث الرئيسي يبدأ عندما يستنجد جارهما "بوب" (بلال التونسي) بهما لإخفاء "فلاشة" تحتوي على معلومات خطيرة عن عصابة تعمل في تجارة المخدرات والأسلحة والدعارة، لتبدأ بعدها مَشاهد المطاردات، التي لا يمكن سوى أن نصفها بالكوميدية، بسبب ضعف تنفيذها على المستوى التنفيذي والدرامي. 

ففي أحد المشاهد، نرى أفراد العصابة يلاحقون "ريم" و"سحر" في الأسواق الشعبية، وهناك تنجوان عندما تقفان من دون حراك بين الشواخص (المانيكان) أمام متجر لبيع الملابس. هو مشهد يبدو سخيفاً ولا يمكن تقبله سوى في مسلسلات الكرتون التي تبالغ في مشاهد المطاردات، مثل "توم وجيري". 

ربما يجب ألا نغرق أكثر في التفاصيل، لأن اللامنطق يحكم كل شيء في "للموت 3"، فعلى الرغم من كون الأحداث تجري في تونس، تجد أن الشرطة وأفراد العصابات والزبائن في الملهى الليلي يتحدثون باللهجتين السورية واللبنانية، ولا تظهر اللهجة التونسية سوى مع شخصيات ضيوف العمل التونسيين، وبالتحديد جارهم "بوب" وصاحبة الملهى "جاكو" (فاطمة بن سعيدان). 

فعلياً، الأثر الأكبر لتغيير مكان الأحداث الدرامية نلاحظه في اللازمات اللغوية الجديدة التي اختارتها "ريم" و"سحر"، إذ أقحمتا بعض المفردات التونسية على لغتهما واستخدمتها الفنانتان بلا سياق ملزم في معظم الاحيان، مثل كلمات "هاكا هاكا هاكا" و"برشا" و"يعيّشك".

والمسلسل، تنفيذياً، ما زال عالقاً في جزئيه الماضيين بلا مبرر، فهو ما زال مصرّاً على الاحتفاظ بالشخصيات الثانوية التي هجرتها بطلتا العمل في لبنان؛ فيضيع الكثير من الوقت في مشاهد تبطئ الإيقاع، وتجري جميعها في الحي البيروتي. 

وعلى الرغم من كون هذه الشخصيات كانت أبرز عنصر لنجاح المسلسل بجزئه الأول، كونها وازنت بين العالم المتخيّل الذي تعيشه الشخصيات الرئيسية وبين الواقع، إلا أن وجودها في الجزء الثالث يبدو كارثياً، فهي جميعاً شخصيات زائدة عن الحاجة وليس لها داعي على الإطلاق، خصوصاً بعدما أصبحت جميع تلك الشخصيات غنية بعدما ورثت أموال "سحر" و"ريم"، لتكون مشاهد تلك الشخصيات بمثابة حشو لا يقدم شيء.

هكذا تحولت بعض الشخصيات التي كانت محورية في الأجزاء الماضية، كشخصية "ساريا" (كارول عبود)، إلى نمط لا يهدف سوى لإثارة الضحك من خلال تكرار لازمتها القديمة التي أحبها الجمهور، "إن لم تعرف طريق رزقك، فرزقك يعرف طريقك". الجملة ستتكرر إلى حد الملل، وسنشاهد أشباح الشخصيات الأخرى تتحرك وتتلو الحوارات من دون أن يكون لديها خط درامي واضح. 

في الواقع، لا نعرف أيهما سيترك انطباعاً سلبياً اكثر من الآخر: هل هي المشاهد اللامنطقية في تونس للشخصيات التي بُعِثت للحياة بعد موتها في الجزء الماضي؟ أم مشاهد بيروت لأشباح الشخصيات التي ظلت حيّة؟!