الخميس 2015/11/26

آخر تحديث: 15:06 (بيروت)

"حماية" الأطفال: الحديث الصحيح أصعب من التعامل الصحيح

الخميس 2015/11/26
"حماية" الأطفال: الحديث الصحيح أصعب من التعامل الصحيح
إعطاء سلطة إستنسابية مبالغ فيها لقاضي الأحداث يؤدي إلى تدني مستوى قضاء الأحداث ("حماية")
increase حجم الخط decrease

على الرّغم من توقيع لبنان على اتفاقيات ومعاهدات دولية كثيرة تعنى بالحفاظ على حقوق الأطفال وحمايتهم، ما زالت إنتهاكات كثيرة ترتكب بحقهم من الأقارب والأصدقاء وسواهم في غياب أي خيار أمام هؤلاء الأطفال للدفاع عن أنفسهم أو على الأقل إيقاف هذه الإعتداءات. وتختلف الإعتداءات التي يتعرض لها الأطفال في لبنان باختلاف أنواع العنف، فتشمل العنف الكلامي، العنف النفسي، العنف الجسدي، التحرش الجنسي والإعتداء الجنسي.

في هذا الإطار برزت جمعية "حماية"، وهي جمعية تأسست في العام 2009 وتعنى بقضايا العنف الموجه ضد الأطفال، أي من هم دون الـ18 سنة. وتهدف الجمعية بشكل أساسي إلى نشر الوعي في المجتمع، على ما تقول لـ"المدن" مسؤولة القسم القانوني المتعلق بقضايا الأحداث في الجمعية باسمة روماني، التي أوضحت أن نشر الوعي يشمل "توعية الطفل على كيفية حمايته لنفسه، والأهل على كيفية التواصل مع أولادهم بشكل لا عنفي وملاحظة أي تغير عند أطفالهم يشير إلى تعرضهم لأي نوع من العنف. ويتم ذلك من خلال حملات إعلامية، إطلالات للمتخصصين في الإعلام وتدريبات نجريها في المدارس الرسمية والخاصة والجمعيات الأهلية والمنظمات الكشفية". وتهدف الجمعية من خلال نشر الوعي إلى كسر المحرمات، أي "اعتبار الولد نفسه السبب في ما يتعرض له من تعنيف أو سوء معاملة. وتأتي هذه الأفكار من العيب والعرف المجتمعي ويشمل سكوت الطفل عن أي حالة تحرش جنسي لاعتباره أنه يهدد مصير العائلة وكأنه هو السبب الذي دفع الآخر إلى التحرش به"، كما تقول روماني.

ولعل الخطوة الأولى باتجاه حماية أي طفل هي تعريفه بحقوقه ومنها حقه في الحفاظ على جسده وخصوصيته. وشدّدت روماني على ضرورة معرفة الطفل حدود جسده شارحة ذلك بأن "يعرف الطفل أين يحق للآخر لمسه وأين لا يحق له ذلك، ومن هو هذا الآخر وأن يعرف متى تزعجه لمسة هذا الآخر أو نظرته وأن يقول لا لما لا يريحه"، خصوصاً ان واحداً من أصل 7 أطفال يتعرض للتحرش، في لبنان وفق احصاءات الجمعية.


دور الأهل
وتترتّب المسؤولية الأولى في حماية كل طفل على والديه، إذ يرافقانه في مراحل حياته الأولى ويخوض معهما أيضاً تجاربه الأولى. من هنا، فإن الإهتمام بأصغر التفاصيل في تربية الطفل يمكنها أن تؤثر على قدرته على حماية نفسه من أي إعتداء. أما النصيحة الأولى التي قدمتها روماني فهي أن "يعتاد الطفل على الخصوصية. فيجب أن يبتعد الأهل عن تغيير الملابس الداخلية لطفلهم أمام أعين الآخرين أو غسله بعد عمر الـ3 سنوات، خصوصاً في ما يخص التعاطي مع الأماكن الحساسة أو تغنيجه بألفاظ قد تكون متداولة لكنها بذيئة، فالمبالغة في استخدام هذه الألفاظ تجعل سماعها عادياً وتلغي حدود جسده وتضعف قدرته على التمييز بين الكلمة المريحة وغير المريحة". كما شدّدت روماني على ضرورة ابعاد الزوجين لعلاقاتهما الخاصة والحميمة عن أعين الطفل مهما كان صغيراً، لافتةً إلى أن "سوء التصرف في هذه الأمور تجعل الولد أكثر عرضةً للتحرش الجنسي، بحيث لا يكون قادراً على حماية نفسه".

من جهة أخرى، لا يجب أن نستخف بدور الحوار بين الأهل والطفل في حمايته. وفي كثير من الأحيان يكون الحديث بطريقة صحيحة مع الطفل أصعب من التعامل معه بطريقة صحيحة. لذلك لفتت روماني إلى "ضرورة الإبتعاد عن طريقة الإستجواب في الحوار"، بالإضافة إلى "مراقبة أي تغير يطرأ على تصرفات الطفل. أما في حال عدم معرفة الأهل للطريقة الصحيحة في التعاطي مع أولادهم فننصحهم دائماً بالإستعانة بمتخصصين".


إعادة تأهيل "الناجي"
تقدم "حماية" المتابعة الاجتماعية والنفسية الضرورية للطفل الضحية أو "الناجي"، كما تفضل الجمعية تسميته من دون أي مقابل مادي، بالإضافة إلى الدعم القانوني إذا اختارت العائلة المضي بقضيّة طفلها قضائياً. كما يتم العمل في الوقت نفسه مع العائلة لأنها المكان الذي سيحتوي الطفل بعد إنهائه فترة التأهيل، بيد أن مقاربة العائلة تختلف إذا كان المعتدي فرداً من أفرادها. وتقول روماني: "إذا تعرّض الطفل لاعتداء جنسي أو تحرش من داخل المنزل، فلا نستطيع إعادته إلى المنزل إلا إذا خرج منه الجاني، وهذا غالباً لا يحصل فنضطر بالتالي إلى عزل الطفل عن عائلته".


العنف المنزلي
تعترف روماني أن نشر التوعية وحدها لا يكفي بل يجب أن يترافق مع قناعة ضمن العائلة بضرورة حماية الطفل من أي نوع من العنف، سواء أتى من داخل المنزل أو خارجه. فـ"على العائلة أن تكون أيضاً شريكة، فنحن نشجع الجيران والمدرسة والعائلة الممتدة على إبلاغنا عن أي حالة تعنيف. وللتوضيح، لا يعني الإتصال بحماية وإبلاغها بهذه الحالات أن الأب أو الأم سيسجنان أو يحاكمان قضائياً، بل سنعمل على إعادة بناء العلاقات داخل الأسرة بشكل سليم".

وقد وصلت إلى "حماية" في العام 2014 حوالى الـ735 حالة، عُرفت غالبيتها من طريق ورشات التدريب حيث يتوجه الأولاد إلى المدربين ويحكون لهم عما يتعرضون له من حالات مشابهة. وأحيانا يُبلّغ أطباء الأطفال عن حالات، كما وزارة الشؤون الاجتماعية. وللجمعية مراكز عديدة، بين الشياح وعين الرمانة، المنصورية، زحلة، بعلبك، الشيخ طابا في عكار وزغرتا.


القوانين والقضاء
يختص القانون الرقم 422 بأمور الأحداث، وتعتبر روماني أن هذا القانون "حديث ومهم لكنه يحتاج إلى بعض التعديلات". من أجل ذلك، تشارك "حماية" مع اللجنة النيابية المنبثقة عن لجنة الإدارة والعدل منذ العام 2013، بالإضافة إلى مجموعة من الجمعيات الأهلية ووزارتي الشؤون الاجتماعية والعدل، في العمل على تعديل القانون. بيد أنه على الرّغم من قلّة شوائب هذا القانون فإن إعطاء سلطة إستنسابية مبالغاً فيها لقاضي الأحداث يؤدي إلى تدني مستوى قضاء الأحداث بشكل عام. في هذا الإطار، تقول روماني: "يجب أن يتعاطى هذا القضاء مع الأطفال من مختلف المناطق بالطريقة نفسها. فالمشكلة في الوضع الحالي أن الحكم يتعلق بمفهوم القاضي للعنف أو العائلة، هكذا تصبح السلطة سيفاً ذا حدّين يمكن استخدامها لحماية الطفل من جهة أو الإستخفاف بالإعتداء من جهة أخرى، فالإستنسابية تجعل من الحكم أمراً شخصياً بسبب موروثات معينة وأفكار سائدة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها