الإثنين 2014/09/29

آخر تحديث: 15:56 (بيروت)

الحركة المدنية في النبطية: إلى الوراء دُرْ

الإثنين 2014/09/29
الحركة المدنية في النبطية: إلى الوراء دُرْ
القاعدة الشبابية المحلية الفاعلة ضمن المساحة العامة تضيق شيئاً فشيئاً في النبطية
increase حجم الخط decrease

لم يبصر النور مشروع سباق الدراجات الهوائية للسيدات الذي كان مقرّراً تنظيمه منذ فترة في مدينة النبطية. كذلك لم تتشابك الأيادي لتقديم الدبكة اللبنانية في ساحة المدينة العام الماضي. سبب الإلغاء في النشاطين ارتبط بشكل أساسيّ بالضغوط التي مارستها بعض الفعاليات في المنطقة بذريعة "أنّ المشروعين لا يتناسبان مع البيئة المحافظة للمدينة". أمّا مهرجان الفرح الذي أطلقته "جمعية تجار النبطية" خلال شهر رمضان في السنة الماضية وتضمّن سهرات ترفيهية بمشاركة عددٍ كبيرٍ من الجمعيات في المنطقة، فقد ألغيت فعاليّاته هذه السنة بحجّة "الأوضاع الأمنية الدقيقة".

هنا، في هذه البقعة الجغرافية الحيوية بالنسبة لمحيطها، تبدو الحركة المدنيّة شبه متوقفة وأداء أكثر من مئة جمعية، مسجّلة رسميّاً في وزارة الداخلية، يكاد يكون معدوماً.


مشكلة مركّبة

القرار النهائيّ لتنفيذ مشروع ميدانيّ ما، لا يرجع للإعتبارات الحزبية والسياسية في المدينة فحسب، فالحصول على التمويل اللازم لإطلاق مبادرة مدنية تنموية يشكّل العائق الأبرز. الناشط في المجتمع المدني والمدوّن أحمد ياسين يشير إلى أنّ "ضعف المجتمع المدني في النبطية سببه غياب الإستمرارية في تنظيم المشاريع التنموية؛ هي حلقة مغلقة. الجمعية تنتظر المموّل لتنفيذ مشروع معيّن. ينتهي الحدث. تنتظر من جديد. تقيم حفل عشاء أو غداء لتحصيل مبلغ ماليّ بسيط. تطلق مبادرة محدودة. تبحث عن مصدر جديد للتمويل. الإيقاع يتكرّر بوتيرة أقلّ حماسة في كلّ مرّة حتى يختفي في نهاية الأمر".


من الضروريّ التفريق بين الجمعيات الهادفة لتقديم خدمات اجتماعية متفرّقة وبين تلك التي تضع السياسات التنموية الشبابية أولوية تعمل عليها. فالعديد من الجمعيات التي ترعى الكبار في السنّ أو الفقراء يمكن وصفها بالناشطة ميدانياً، لكنّ المشاريع التي تنطلق من مفهوم تنمية الموارد البشرية وتعزيز مشاركة الشباب بالشأن العام غائبة تماماً. في هذا السياق، يستدرك ياسين المحاولات التي تقوم بها مجموعة من الشباب الذين ينتظمون في تجمعّات غير رسمية، مؤكّداً أنّ "الحراك الشبابيّ هو من وقف أساساً بوجه صدور قرارٍ يمنع بيع الكحول في المدينة حين شغل هذا الموضوع الرأي العام المحلي والوطني".

اليوم ومع توجّه أجندة المموّل نحو المشاريع المتعلقة بالنازحين السوريين بشكل أساسيّ من جهة وتردّي الأوضاع الأمنيّة من جهة أخرى، تبدو المبادرات الشبابية المحلية هي الأكثر تضرراً. لا تتوقع رئيسة تجمّع "لنبطية أفضل" ضحى صبّاغ تقدّماً في أداء التجمعات المدنية النبطانية، مشيرة إلى أنّ "التجمّع مثلاً لم ينفّذ أيّ مشروع منذ شهر شباط الفائت؛ فالشباب غير مرتاحين نفسيا بسبب الظروف الأمنية الخارجة عن إرادتهم". وتضيف صبّاغ: "المشكلة مركبة. فالقاعدة الشبابية المحلية الفاعلة ضمن المساحة العامة تضيق شيئاً فشيئاً؛ معظم الشباب أصبح غير موجود بشكل دائم في المدينة بسبب غياب الفرص الحقيقية لتحقيق الذات".


محاولات إنعاش

على الرغم من نظرتها السلبية لأفق العمل المدني في النبطية، تعلن صبّاغ أنّ التجمع في صدد التحضير لإطلاق مشروع فنيّ "هدفه خلق جسور بين الشباب من مناطق لبنانية مختلفة للتأكيد على المساحة المشتركة بينهم، والتعبير عن ذلك بمخرجات فنيّة ستشغل المساحات العامّة في المدن المتنوّعة".

على غرار التجربة التي يخوضها تجمّع "لنبطية أفضل" في الحراك المدني المحلي من دون أن يكون جمعية مرخصة، نشأ تجمّع شبابيّ جديد اتّخذ من "الفاصلة" عنواناً لمشروعه. وفي محاولة لاستقطاب الشباب الذين تزداد لديهم الحاجة للإبتعاد عن الإلتزامات الحزبية والسياسية، تقدّم "الفاصلة" نفسها كمساحة للتعبيرعن الهموم الإجتماعية والثقافية والتطلعات المشتركة على مستوى الوطن. على أن المشروع ينطوي على بعدين: بعدٌ إعلاميّ وآخر ميدانيّ.

تخبر سالي كوثراني، صاحبة المبادرة، عن نواة فريق العمل: "كنّا خمسة أشخاص. لم نكن نعرف بعضنا في البداية واجتمعنا بسبب تقاطع علاقاتنا العامة. بدأنا في المرحلة الأولى بتشكيل فريق عمل متحمّس للتعبير عن قضايانا كشباب لبنانيّ عبر الموقع الإلكتروني الذي تمّ إنشاؤه بصيغته التجريبية قبل سنة من الآن. وصلنا لما يقارب خمسين شاباً وشابة من مختلف المناطق اللبنانية أغنوا الموقع بكتاباتهم في صفحات العلوم والآراء والتحقيقات والنقد الساخر...".

اليوم، تتركّز اجتماعات الفاصلة في النبطية لأنّ أغلب متطوعيها هم من سكّان المدينة. وبعد سلسلة من ورش العمل المتعلقة بالتحرير الصحافي، يستعدّ التجمّع لإطلاق النسخة المستحدثة للموقع بمستوى أعلى من المهنية والتركيز أيضاً على استخدام ميزة الوسائط المتعدّدة Multi-media التي تتيحها الشبكة العنكبوتية من خلال إنتاج أفلام قصيرة وتصميم ملصقات ثقافية infographics.

هذه المرحلة الجديدة يوازيها عمل ميدانيّ وإطلاق النشاط الأوّل ذي البعد النفسي-الدرامي خلال الشهر المقبل بالتعاون مع فرقة "وصل"، و"اتحاد طلبة خريجي علم النفس في لبنان". وفي هذا السياق تضيف كوثراني: "يلي هذا النشاط الأوّل من نوعه من مدينة النبطية نشاطاً آخر يتعلّق بتوجيه طلاب المرحلة الثانوية نحو الإختصاصات الجامعية"، مؤكدة أنّ المبادرة ببعديها الإعلامي والميداني لا تطرح نفسها كبديل ينافس الأحزاب السياسية بالمنطقة إنّما كمساحة تلاق مع كلّ الأطراف بما يضمن إستمرارية "الفاصلة" كنشاط شبابيّ مدنيّ في مدينة النبطية خصوصاً، ولبنان عموماً.
increase حجم الخط decrease