الجمعة 2015/05/22

آخر تحديث: 13:36 (بيروت)

أبناء المفقودين الأجانب.. تراكم الحرمان من الحقوق

الجمعة 2015/05/22
أبناء المفقودين الأجانب.. تراكم الحرمان من الحقوق
يتساءلن جميعاً ما تسأله عايدة: "اذا المرأة تزوجت من غريب عن بلدها هيك بصير فيها؟" (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
عيسى، سامر وهدى.. ثلاثة أشخاص ولدوا في زمن الحرب الأهلية. لم يختاروا مكان ولادتهم، كما لم يختاروا أن يكونوا جزءاً من قضايا هذا المجتمع التي بقيت من دون حلول. هم ثلاثة، مثل عدد "الملفات اللبنانية" التي وجدوا أنفسهم جزءاً منها منذ طفولتهم. ثلاثة "مواطنين" غير معترف بمواطنيتهم كونهم لم يرثوها عن أب. الأب الفلسطيني، محمد، تزوج من عايدة (الأم اللبنانية) عام 1975، أي في عام إشتعال الحرب الأهلية. والأخيرة، منحت هذه الأسرة سنوات قليلة قبل أن تعطي محمد صفة "مفقود".


يوضح تقرير "العيش في أطياف الماضي" المعد من قبل "مركز العدالة الإنتقالية في لبنان"، بالتعاون مع "الجامعة اللبنانية الأمريكية" و"معهد الدراسات النسائية في العالم العربي" أن معاناة ذوي المفقودين تتفاقم بالنسبة للنساء المتزوجات من أجنبي. يستشهد التقرير بفاطمة حيدر المتزوجة من أردني فُقد خلال الحرب الأهلية اللبنانية. "عندما تقدمت فاطمة بطلب الى المخفر للحصول على بطاقات هوية لأطفالها، طلبت منها الشرطة التوجه الى السلطات الأردنية". في المقابل، "أعادتها السلطات الأردنية الى الشرطة بحجة حاجتها لدليل على إختطاف الزوج". ينقل التقرير عن فاطمة أنها عانت كثيراً حتى تمكنت فقط من إستصدار بطاقات هوية لأبنائها.

يتشارك أبناء فاطمة وعايدة في تعاظم ثقل فقدان الأب في ظل عدم الإعتراف بمواطنية الأبناء. ذلك أن القانون اللبناني لم يعترف للمرأة اللبنانية بعد بحقها في منح جنسيتها لأبنائها. ولم يمنح الأخيرين أي امتياز إضافي لكونهم مولودين من أم لبنانية. في المقابل، لم تتعامل الدولة اللبنانية مع ملف المفقودين بشكل جدي يؤمن حق الأهل بمعرفة مصير أحبتهم إن كانوا أحياءاً أم أمواتاً. والحال أنه لا وجود لتحقيقات دقيقة في هذا الملف، يمكن الركون اليها لتبيان وضع كل مفقود على حدة وبالتالي ترتيب الآثار القانونية اللازمة.

وهكذا، يدخل أبناء المفقودين الأجانب في دوامة بين سلطات دولتهم التي يحتاجون بإستمرار الى إثبات وضع والدهم أمامها. وبين سلطات الدولة اللبنانية التي لا تعترف بمواطنيتهم، مع ما يستتبعه ذلك من حرمانهم حقوقاً أساسية كالضمان الصحي مثلاً. تضيق دائرة الحياة أكثر في حالة أبناء عايدة، فهم فلسطينيون على الرغم من لبنانية امهم. وللفلسطينيين في لبنان وضعهم الخاص، بالمعنى السلبي، نسبة لما يفقدونه من حقوق كونهم "لاجئين".

تروي عايدة لـ"المدن" عن معاناتها المتواصلة. لا يبدو أنها مرت بيوم هادئ، فنحولها دليلاً كافياً على هول المشاكل المتتالية. إصابة إبنها سامر بجرثومة نادرة في المعدة، تحتاج الى علاج بتكلفة مرتفعة وضع عايدة أمام استحقاق غربة أبنائها وفقدانها لمعيل العائلة. "لو كان ابني لبنانياً كان عندو ضمان، كان بيتعالج على حساب الوزارة"، تطلق عايدة تمنيها الأول، وتكمل: "لو بيّهم موجود كان الوضع غير، كان حمل عني مسؤولية، أنا وهو مع بعض بكون الحال غير". التمني تلو الآخر، وقد باتت هذه الأمنيات جزءاً لا يتجزأ من حياة عايدة اليومية. الإستنكار سلاح آخر لإفراغ الهموم: "مش حرام إبني ينزل يشتغل بالطرقات هو ومريض، لو كان لبناني كان قدر يلاقي شغل ثابت أو وظيفة".

"الأطباء تحسنوا عليّ كأن ما الي دولة"، تقول عايدة، حاملة عبء المساعدات الإنسانية التي تلقتها. علاج سامر ما كان ممكناً لو لم يلتفت اليها "الغرباء". اذ قصدت عايدة جميع الجهات التي يُفترض ان تتحمل المسؤولية تجاه مرض سامر، لتحصل في النهاية على مساعدة جزئية من السفارة الفلسطينية. أما ردّ وزارة الصحة اللبنانية فجاءها حاسماً، اذ انها لا تتحمل نفقات علاج "أجنبي". أما عن "الزعماء" فتقول عايدة أن ردهم كان واضحاً: "هو فلسطيني، لتعالجه الأونروا".

ليست عايدة وحيدةً في هذه المعاناة، ذلك أن العديد من النساء اللواتي فقدن أزواجهن الأجانب في الحرب اللبنانية يعشن حياةً مشابهة. ربما يتساءلن جميعاً ما تسأله عايدة: "اذا المرأة تزوجت من غريب عن بلدها هيك بصير فيها؟". من الواضح أن إجابة السلطات اللبنانية باتت واضحة عندها. وكأن المُشرِّع يخبرها أن المرأة عندما تقرر أن تتزوج أجنبياً في هذه الدولة عليها أن تحسب حساب الخسارات. وأن المرأة التي تفقد زوجها خلال الحرب مطالبة بتوفيته، والا فلتتحمل عبء الخسارات أيضاً. وأنها إن تزوجته لاجئاً، عليها ان تعي مسبقاً أنها ستنجب منه لاجئين جددا. وهي ان إجتمعت فيها الحالات الثلاث هذه فعليها أن تنسى أنها تستحق أن تعيش في هذه الحياة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها