الجمعة 2015/04/24

آخر تحديث: 17:20 (بيروت)

"الجزء المظلم من القمر": فلسفة "بينك فلويد"

الجمعة 2015/04/24
increase حجم الخط decrease
في العام 1973 صدر الألبوم الثامن لفرقة الروك البريطانية "بينك فلويد" بعنوان Dark Side of The moon (الجزء المظلم من القمر). لكن بعد 42 عاماً على صدوره، يبدو أن أغنياته لم تمت، وما زال وقعها قوياً على مسامع الأجيال الحالية، كما السابقة. ففي العام 2013 أنتجت مسرحية صوتية بثت عبر الراديو حول هذا الألبوم. وأمس، إستضاف "مسرح بابل" النسخة البصرية من هذه المسرحية من إخراج فيروز أبو حسن بعنوان "داركسايد".


نص المسرحية، وهو من كتابة توم ستوبرد، أحد محبي الفرقة، يطرح أسئلة حول المفاهيم الفلسفية التي يرتكز اليها الألبوم. تقول أبو حسن "حين سمعت المسرحية للمرة الأولى، وقعت في حبها". عرضتها في المرة الأولى في "الجامعة اللبنانية الأميركية"، حيث كانت طالبة. في العرض الثاني أضافت المخرجة فرقة موسيقية وأخرى راقصة. كما حصلت على حقوق النشر من كاتب المسرحية.

المسرحية هي "إختبار فكري" يمارس فيه أستاذ فلسفة تجارب لمعرفة حقائق حول أخلاق البشر. السؤال عن الخير والشر يقلق إميلي، إحدى تلميذاته، التي تأخذنا معها في رحلة لإكتشاف ما إذا كان الخير موجوداً فعلاً. هذه الرحلة تودي بها إلى مكان واحد؛ المصح العقلي.

المسرحية تعالج مواضيع لها علاقة بالطمع والإستهلاك والرأسمالية والقضاء على كوكب الأرض وتطرح أسئلة حول الله ووجوده. لم تتجلَّ تعقيدات العرض من خلال مضمونه الفلسفي فحسب، بل أيضاً من خلال الشكل. فقد إعتلى المسرح 7 ممثلين، 6 راقصين، 5 موسيقيين، ثلاثة مغنين ورسامة. على المسرح، يتحادث الممثلون مع الموسيقيين، لكن بين محادثة وأخرى تعلو ألحان إحدى أغنيات الألبوم وكأنها تفسرها. أما حركات الراقصين المعاصرين فهي بمثابة التعليق على أحداث المسرحية. أما الرسامة فترسم في الخلفية أشكالاً ووجوهاً خيالية تقع تحت خانة فن الـPsychedelic.

تتناقش الشخصيات في نظرية إيمانويل كانط (Immanuel Kant) عن المنطق والأخلاقيات ومذهب المنفعة لجون ستيوارت ميل (John Stuart Mill) ونظرة نيتشه إلى الإنسان على أنه كائن أناني. الحصيلة هي صراع تقع فيه الشخصيات بغية تعريف الأنانية والغيرية. فهل الغيرية هي مجرد أنانية مقنعة؟ وهل منظومة الأخلاق مبنية بالكامل على حب الذات؟ الحقيقة أن المسرحية لا تطلق أي إكتشاف جديد إنما تطرح أسئلة شغلت الفلاسفة منذ القدم، لكن في حلة جديدة. ترى أبو حسن أن المسرح لا يحل مكان الكتب إنما يستطيع أن يرافقها، "المسرح هو مكان آخر لطرح المواضيع، في الكتب يرى القراء الأمور من خلال خيالهم الخاص، أما في المسرح فيراها المشاهدون عبر نافذة، هي وجهة نظر المخرج".

الأغاني، من حيث الموسيقى والمحتوى الكلامي، كما الرقص، يرافقان الحوار ويعكسان قصته، فتتصاعد وتيرتهما مع إشتداد دراماتيكية الأحداث. الألبوم يبدأ بدقة قلب وينتهي بدقة قلب، وما بينهما قصة حياة. يبدأ العرض بأغنية Breathe (تنفس) أي نفس الحياة الأول، لتبحث بعدها الأغاني في أمور حياتية أخرى مثل Money التي تتحدث عن الطمع والهوس بالإستهلاك والإستملاك المادي. أغنية Time تتحدث عن سيطرة الوقت علينا وتقييده لنا. تؤدي كل هذه الضغوط في نهاية الأمر إلى الجنون الذي يتجلى في أغنية Brain Damage (تلف عقلي). في أغنيات الألبوم تلميح إلى حياة عضو الفرقة السابق سيد باريت الذي ترك الفرقة إثر إصابته بإنهيار عقلي.

الألبوم على درجة من التجريد وكذلك المسرحية، خصوصاً مع حركات الراقصين التي تبدو أنها تجسد مشاعر وليس أفكاراً. إلا أن المسرحية أخذت معاني الألبوم إلى أماكن أكثر واقعية من دون الوقوع في فخ الحرفية أو الخطاب المباشر والمبتذل، مما يفسح المجال لتأويلات كل مشاهد. لكن في محاولة تفسير ما هو مجرد، بدا المسرح في بعض الأحيان وكأنه يحوي من العناصر أكثر من قدرته على التحمل. فقد غطت الموسيقى على الحوار أحياناً والحوار على الموسيقى أحياناً أخرى. كما صرف الرقص الإنتباه عن الحوار في بعض الأحيان. تقر أبو حسن بهذه الطفرة في العناصر، "لم أستدرك الأمر إلا خلال العرض الأول، لكن هناك دائماً فرصة للتغيير".

ديكور المسرح والأزياء في المقابل أكثر بساطة. الفرقة الموسيقية والراقصون ظهروا بملابس سوداء مع رسوم على وجوههم. إميلي، الشخصية الرئيسية، ظهرت بفستان أبيض منمق بالأزهار كما علت رقبتها ووجهها ورود، كإشارة إلى حبها للأرض والطبيعة. مثلت إميلي كل ما هو مختلف، الخير وسط السوداوية، الفأر الوحيد الذي فر من حقل التجارب، والذي رفض الإعتراف بأن الشر وحده مطلق.

جمع جمهور المسرحية في اليوم الأول بين الشباب وكبار السن. ذلك أن محبي موسيقى "بينك فلويد" ينتمون الى مختلف الأعمار. تعتبر أبو حسن أنه "أمر مفاجئ استماع الشباب إلى هذه الفرقة القديمة". أما عن الجمهور الأكبر سناً فتقول "أعدتهم 15 سنة إلى الوراء بحسب قولهم". إلا أن أمراً واحداً يحد من الجمهور، وهو اعتماد اللغة الإنكليزية في العرض، مما يجذب نوعاً معيناً من الجمهور.


تستمر العروض حتى الثاني من شهر أيار المقبل.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها