السبت 2015/02/21

آخر تحديث: 17:56 (بيروت)

المجتمع المدني العربي.. تعريفات متعددة

السبت 2015/02/21
المجتمع المدني العربي.. تعريفات متعددة
وصل عدد المنظمات المدنية في سوريا إلى 5000 منظمة (محمود الطويل)
increase حجم الخط decrease
النقاش في مسألة المجتمع المدني لا بد أن يحمل توجهات متعددة، تتراوح بين نظرية المؤامرة الكبرى على شعوب المنطقة العربية، وبين الإنفتاح على المعايير العالمية الحديثة وضرورة اللحاق بالتطور والحداثة. وعلى الرغم من كل اختلاف، تبقى سطوة السياسة في البلدان العربية قاسماً مشتركاً يتحكم بمجتمعها المدني بشكل أو بآخر. هذه العلاقة بين التطور الديمقراطي للمواطنين في العالم العربي، وتأثير "المجتمع المدني" شكلت محور الأطروحات المقدمة خلال اليوم الأول من مؤتمر "المواطنية الفاعلة"، الذي ينظمه معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنية في "الجامعة الأميركية في بيروت".



حراك أم مجتمع؟
بين المنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية، هناك ما أصطلح على تسميته، في مصر، حراكاً اجتماعياً. الخيارات محدودة في مصر، تقول الأستاذة في جامعة القاهرة دينا الخواجة. فبعد العام 2010 سادت فكرة تميز بين الحراك الاجتماعي والمجتمع المدني بحيث "ينتمي الى الأول من يريد أن يصنع ثورة والى الثاني من يعمل بدون إكتراث بالنتائج". هذا التمييز ناتج عن علاقة متوترة بين الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. إذ تنكر الأولى وجود دور لمنظمات المجتمع المدني في الحراك الثوري.

اللافت أن هذه العلاقة متوترة بالرغم من وجود مساحة مشتركة بين المنظمات على إختلافها، وفقاً لخواجة. فمهما كانت طبيعة المنظمة، سياسية أم مدنية، لا بد لها أن تنتمي الى جهة من أربع: القومية أو الناصرية، الليبرالية، اليسار، الإسلام السياسي. بالتالي تتوزع منظمات المجتمع المدني بين هذه الأطراف تماماً كما تتوزع الأحزاب. وبالرغم من ذلك، يبقى "ارتباط منظمات المجتمع المدني بالخارج عبر التمويل" سبباً أساسياً لتحامل الأحزاب السياسية عليها. أما ما يعزز التوتر بين "المدني" و"السياسي"، فهي النظرة الى المنظمات غير الحكومية على أنها إصلاحية، تقوم بملاحقة المشاكل من دون أن تدين الحكومات بشكل كاف. ومن هذا المنطلق تجد الأحزاب السياسية أن هذه المنظمات مرتبطة بالحكومات والسلطة، وبالتالي غير جديرة بانتاج التغيير المنشود.


فلسطين، مجتمع القضية
ان كان لتوزع الشعب المصري بين الأحزاب السياسية دور في خلق مساحة مشتركة- متنافرة بين الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية، فالحال في فلسطين يبدو مختلفاً وذات طابع خاص جداً، تتبلور من خلاله اشكالية أساسية في بناء "المجتمع المدني" في العالم العربي. يرتبط حراك المتجمع المدني في فلسطين، بقطبين أساسيين: القضية الفلسطينية من جهة، والإمكانية الديمقراطية من جهة أخرى. بمعنى آخر، يكاد ينحصر المجتمع المدني بالحراك الطلابي الفلسطيني، ذلك أن الجامعات هي المساحة الديمقراطية الوحيدة المتاحة أمام الفلسطينيين. أما الأهداف التي يتمحور حولها عمل هذه المنظمات الطلابية، فهي القضية الفلسطينية ومقاومة الإحتلال.

شكلت كل من اتفاقية أوسلو (1993) والإنقسام الفلسطيني بين "فتح" و"حماس" في العام 2007، نقطتين أساسيتين في حصول تحولات في المجتمع المدني الفلسطيني. يشرح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في "الجامعة العربية الأميركية" في جنين أيمن يوسف، ما أصاب المجتمع المدني من "تكلس على إثر أوسلو، من ثم تحول الى طريق المقاومة الإيجابية". ليستمر الحال على هذا النحو حتى العام 2007 حيث كانت المنظمات الطلابية "أول من نزل الى الشارع لرفض النزاع الدموي الدائر بين فتح وحماس". يضيف يوسف أن المنظمات الطلابية تقوم بدور أساسي في الحفاظ على الحالة الديمقراطية، حيث تمكنت في العام 2013 من إجراء إنتخابات طلابية في حين تغيب الإنتخابات التشريعية عن الشارع الفلسطيني منذ العام 2006.

ولهذه المنظمات في فلسطين تسمياتها: "مقاومة شعبية، مقاومة لاعنفية...". تركز هذه المقاومة على مقاطعة العدو وعزله، وهي تستفيد، وفقاً ليوسف، من الدعم الدولي لها.


منظمات.. حكومية
في سوريا الوضع مختلف تماماً، اذ يميزه وجود التطرف الحالي، عن سلوك منظمات "مرحلة التحديث". يسلسل الباحث السوري سلام الكواكبي تطور المجتمع المدني في سوريا كالتالي: "إنحصار عمل المجتمع المدني في المجال الخيري خلال مرحلة الإنقلابات، لينعدم بعد ذلك كلياً ويتم إلغاؤه في ظل الدولة الأمنية المنشأة منذ العام 1970". في هذه المرحلة خلق النظام ما أسماه بـ"المنظمات الشعبية"، وعبرها قام بـ"مصادرة المجال العام وتأطيره منذ الطفولة". إستمر الأمر على حاله حتى العام 2000، أي "مرحلة التحديث". خلال هذه المرحلة "فهم القائمون على السلطة صعوبة عزل المجتمع عن مفاهيم المنظمات المدنية، فقاموا باختراق المجتمع المدني من خلال منظمات شديدة الحوكمة".

"في سوريا تعاملت الدول المانحة مع نوعين من المنظمات: شديدة الحوكمة، ومنظمات مناسبة للآخر، أي المانحين". والأخيرة هي تلك التي تتكلم لغات المانح، وتشبهه شكلاً ومنطقاً، كأن "لا ترتدي نساؤها الحجاب". وهذه المنظمات وإن كانت تمثل جزءاً من المجتمع المدني الا أنها جزء بسيط منه. من جهة أخرى "تجاهل هذا المجتمع، المجتمع المدني المتدين، الأمر الذي أدى الى تطرف الأخير".

"أنتجت الثورة السورية ميثاق عمل مدني جديداً هدفه ليس فقط الإغاثة والعمل الإنساني والعمل الطبي، بل أيضاً ما يُسمى بلجان التنسيق المحلية"، وفق الكواكبي. هذه التنسيقيات "هي التي كانت مشرفة على تنظيم التظاهرات والأحياء والشباب والنساء في ظل غياب القوى السياسية المعارضة التي لم تكن قادرة على القيام بأي دور مدني أو تأطير سياسي".

وصل اليوم عدد المنظمات المدنية في سوريا الى 5000 منظمة بعد أن كان قبل الثورة 1500 منظمة غير حكومية. يعول على هذه المنظمات لتلعب دوراً أساسياً في مرحلة ما بعد إنتهاء النزاع. يكون حينها على هذه المنظمات أن تؤدي دور الضاغط في المفاوضات السياسية، على أن لا تتحول الى طرف في هذه المفاوضات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها