الأحد 2015/03/01

آخر تحديث: 18:03 (بيروت)

تلامذة التعليم الديني.. والرسمي

الأحد 2015/03/01
تلامذة التعليم الديني.. والرسمي
يبقى أن الإنتقال من مدرسة دينية إلى أخرى رسميّة يمثل عمليّة صراع مع الذات أولاً (القراعون/ Getty)
increase حجم الخط decrease
الإنتقال من مدرسةٍ دينيّة إلى مدرسةٍ رسميّة لا يعد انتقالاً في الحيّز المكاني فحسب، بل هو يتجاوز ذلك. مع ذلك قد تبدو المقارنة بين هذين الصّرحين غير عادلة لاتساع الفرق بينهما على مختلف المستويات.



التعليم
لنبدأ أولاً بالغاية الأساسيّة التي وجدت أي مدرسة من أجلها، أي التّعليم. والواضح أن ما تتميز به المدارس الدينية من تعليم للّغات والآداب يقابله تميز في تدريس المواد العلميّة في المدارس الرّسميّة. أما الإهتمام باللغات، في المدارس الأولى، فيعود لأسباب دينيّة. فالمدارس الاسلامية، مثلاً، تهتم بتعليم اللّغة العربيّة تحديداً، لأنها لغة القرآن، وهي تُكتسب أوتوماتيكياً خلال حصص قراءة القرآن والتجويد والتّفسير.


الأصدقاء
من ناحية أخرى، من الطبيعي أن تختلف دائرة صداقات الفرد ونوع الأشخاص المحيطين به مع انتقاله من مكانٍ إلى آخر. فالتلاميذ الذين ينتسبون إلى مدارس دينيّة يتحدّر معظمهم من عائلات ملتزمة دينياً، أو على أقل تقدير، تعبر عن انتمائها الديني. بالتالي، فالخاصية الأولى التي تجمع الفرد بأصدقائه، في هذه المدارس، هي الديانة، وثانياً الفئة الاجتماعيّة. فالمدارس الدينية هي مدارس خاصّة، بطبيعة الحال، وهي مكلفة في معظم الأحيان، ولا ينتسب إليها إلا القادرون على تحمل نفقاتها من الطّبقة المتوسّطة أحياناً والطّبقة الغنية في معظم الأحيان. ولا يمكن تجاهل دور المستوى التعليمي في بعض هذه المدارس في جذب التلاميذ وأسرهم، لكن يبقى العامل الديني هو الأبرز والأهم.


الأساتذة
أما الأساتذة في المدارس الدّينيّة فهم بمعظمهم يؤيدون الفكر الديني الذي تقوم المؤسسة التعليميّة عليه، أو يؤيدونه ظاهرياً على الأقل بتأدية العبادات، وأحياناً باللباس. ويمكن في هذه المدارس للأستاذ أن يكون رجل دينٍ. في المقابل، يأتي أساتذة المدارس الثانوية الرسمية من كل مكان. وهذا الأمر بالغ الأهميّة، خصوصاً في بلد مثل لبنان ترتبط معظم صراعاته بالدين والطائفية. وفي هذه المدارس يسمع الفرد، لأول مرّةٍ ربّما، أشخاصاً يقللون من شأن الدين، أو ينكرون إيمانهم بالله. ويدرك، لأول مرّةٍ أيضاً، حقيقة وجود أشخاص يختلفون عنه في فهمهم للدين ودوره واتّباعه والإلتزام به.


الإنضباط
أما مفهوم الإنضباط فهو يقتصر في المدارس الرّسميّة على الإلتزام بالزي المدرسي، الوقوف من دون أحاديث في صّف في التجمّع الصباحي والإستماع إلى النشيد الوطني. ولكن في المدارس الدّينيّة يصبح الإنضباط أكثر تفصيلاً ليشمل مثلاً الإلتزام بالطول المناسب للتنورة عند الفتيات. وارتداء الحجاب في حصص القرآن، وأحياناً اعتباره جزءاً أساسياً من اللباس المدرسي. وعزل الفتيان عن الفتيات وتجنب الإختلاط. والواقع أن خاصيّة "الطاعة" وعدم مخالفة القوانين قد تتبلور لدى تلاميذ المدارس الدينيّة أكثر من سواهم. إذ أن التعوّد على الإلتزام بالقوانين يأتي أولاً من الإلتزام بالتعاليم الدينيّة، ومن ثم يتأصّل في شخصيّة الفرد لينسحب الى مختلف أنواع القوانين التي يواجهها فيما بعد.


الصراع
يبقى أن الإنتقال من مدرسة دينية إلى أخرى رسميّة يمثل عمليّة صراع مع الذات أولاً. فبعد إزالة كل أشكال الواجبات والفروض الدينية، يصبح الدين مقتصراً على تفكير الفرد به وبرغبته بالإلتزام من دون وجود أي قوة خارجية تمليه عليه أو تحيطه به. وهنا يبدأ الفرد بالتساؤل حول ما إذا كان يريد الإلتزام فعلاً بما نشأ عليه، أو الهروب منه. وهذا ما يستتبعه بالضرورة تباين في التقييم الذاتي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها