الأحد 2015/07/26

آخر تحديث: 11:54 (بيروت)

العودة إلى الفن الشعبي.. عمر سليمان مثالاً

الأحد 2015/07/26
العودة إلى الفن الشعبي.. عمر سليمان مثالاً
نشهد في المشهد الفني اللبناني، منذ فترة، حالة نوستالجيا تجاه الفن الشعبي (اسطنبول/ Getty)
increase حجم الخط decrease
"دقات مستقبلية من العالم العربي". هذا تعريف حفل Shoreline Sessions الموسيقي، والذي إستضاف، يوم الجمعة الماضي في الروشة، عدداً من الفنانين، أبرزهم المغني السوري عمر سليمان. يقول هذا التعريف الكثير عما يمثله سليمان، وعن صورته التي تتداخل في تركيبتها سياسات التمثيل والتلقي، وثنائيات الشرق والغرب، المعاصر والتراثي، والمحلي والعالمي. 


هذا المغني الذي ظهر فجأة، فلا نعرف من أين جاء ومتى أصبح مشهوراً، وباتت أغنياته جزءاً ضرورياً من الحفلات، وصوره وأخباره تملأ فايسبوك، يعود تاريخه مع الغناء إلى التسعينات، حيث كان يغني في حفلات شعبية وأعراس. إلا أنه لم يُعرف سوى مؤخراً بعد أن تبنته شركتا إنتاج غربيتان، في العامين 2006 و2013. والحال انه لم يكن معروفاً حتى ضمن مجتمعه السوري أو العربي، خصوصاً في الأوساط المدينية التي ترى فيه فناً شعبياً لا يليق بغير الأعراس. فلم تمنحه إمتياز تمثيل "الهوية الوطنية". غير أن شركة الإنتاج Sublime Frequencies رأته أهلاً للإرتقاء إلى العالمية. فإنتقل سليمان من أعراس منطقة الحسكة إلى مسارح السويد ولندن إلخ.. وهي تعرفه بأنه "الصوت الحقيقي لسوريا" و"الأسطورة الموسيقية السورية".

صنعت هذه الشركة صورة عمر سليمان الحالية، "الشرقية" و"الإكزوتيكية"، وقدمتها للغرب. عملية أطلقت عليها تسمية "الإنطلاقة الغربية لعمر سليمان". فإذ به يحيي حفلات موسيقية في أوروبا وأميركا، قبل أن يكون معروفاً في العالم العربي. كما أنه غنى في حفل تقديم جائزة "نوبل" في النرويج في العام 2013.

عمر سليمان هو مادة إستشراق دسمة ومثيرة لمحبي إستكشاف الحضارة الشرقية والعربية، لما تحمله من تناقضات. فموسيقى سليمان "الشرقية الأصيلة" هي مزيج بين أنماط كردية وعربية من دبكة و"شوبي"، وغربية كالتكنو والإلكترونيك، خصوصاً مع الوجود الكثيف لآلة "الأورغ" التي تشكل جزءاً أساسياً من موسيقاه. كما أن هويته التراثية تم تهجينها بما هو عصري بل و"بوست-عصري". فتظهر في فيديو كليباته جمال، إضافة إلى طائرات وصواريخ فضائية.

لكن سليمان ليس مثيراً للمستشرقين فحسب. فصورته التي صممتها شركة غربية لجمهورها الغربي، أعجب بها مجتمع عربي، هو نفسه الذي كان يسخر من أمثال عمر سليمان من مغني الأعراس، ويخجل من حضور حفلاتهم، أو يستمع إليهم سراً كحد أقصى. فهل "البدوي" لا يصبح مقبولاً إلا اذا أدخلت موسيقاه إلى "التكنو"؟ ولماذا بتنا نسمع عمر سليمان في العلن في حين أننا لا زلنا نزدري الإستماع إلى نعيم الشيخ وعلي الديك؟

في الحقيقة، جمهور عمر سليمان من اللبنانيين، والعرب المقيمين في لبنان، هو جمهور "مثقف"، يحب الفن "الجدي"، لا الشعبي. إلا إذا كان هذا الأخير صناعة نخبة ثقافية معينة، وذات غلاف غربي. وهو يرى في عمر سليمان حالة طريفة، ويعتبر إقباله على فنه بمثابة "مزحة". فالمسار الذي إتخذته نجومية الفنان "الشعبي" كان انتقالاً من العالمية إلى المحلية، لا العكس.

تحمل هذه الظاهرة الإشكالية التالية: هل السبب في كل هذه الحالة هي إنجذابنا الدائم لكل ما صنع في الخارج؟ وهل هوسنا "بالآخر" هو المحرك لها؟ يتشارك هذا الهوس، في الحقيقة، الجمهوران على الضفتين. فالغربي يرى في سليمان "الغريب المثير"، والشرقي يرى فيه "القريب الذي أعجب الغريب"، وهذا بالطبع مدعاة للفخر. 

ومع كون سليمان ظاهرة جيدة، غير أنه ليس الحالة الوحيدة التي تندرج في هذا الإطار. إذ نشهد في المشهد الفني اللبناني، منذ فترة، حالة نوستالجيا تجاه الفن الشعبي، حتى ما نعتبره "هابطاً" منه. وعلى سبيل المثال، تقدم المغنية المصرية مريم صالح، حالياً، حفلات غنائية في "مترو المدينة". إلا أنها لا تغني الشيخ إمام وأغانيَ للثورة المصرية كعادتها، بل أغاني أحمد عدوية، التي تندرج ضمن الفن المصري الشعبي، فترافقها راقصة شرقية. وليس هذا الحفل الأول من نوعه في هذا المكان الثقافي، الذي يتسم بتقديمه فناً بديلاً، بل أن هناك إتجاهاً لإحيائه من قبل "المترو" وسط رواده، الذين يعتبرون من نخب شارع الحمرا. وليست مفارقة أن يكون هذا المكان تحت الأرض، فالإستماع إلى عمرو دياب تحت الأرض يجوز.. إذ لا أحد يرانا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها