"اعتدينا على البحر.."
غياب الخيار الآخر، أساس حكي الناس ومُفسر بقائهم في مكانهم. لا منطق، عندهم، يفوقه. لكنهم، في تمتين موقفهم، يعترفون بأنهم اعتدوا على البحر. "اعتدينا على البحر.."، يقول الحاج يوسف حلاوي والمختار محمد كعور، في حديثين منفصلين. ويمكن لهذه الجملة أن تستكمل عشوائياً، لتصب في مكان واحد. هكذا، مثلاً، يبرر المختار، وهو لقب عائلي متوارث وغير رسمي، بناءه منزلا لإبنه، المُجاز في التمريض والعامل في احد المستشفيات الخاصة، في مكان يبعد خطوتين عن بيته، وأقرب منه خطوتين أخريين الى البحر. "أين يذهب؟"، يقول مذكراً بأسعار الايجارات في بيروت. والابن، في ارتقائه التعليمي، على ما يُفهم من حديث الأب، الذي يعمل وراقاً، ليس راضياً عن عيشه في هذا المكان. "عال منيح، نقول له، على الأقل يزمط واحد منا".
ويمكن لحلاوي، وهو وجيه حزبي في المنطقة، أن يبرئ البحر نفسه من مأساتهم. وهذا، حسبه، مرتبط بالمد والجذر الطبيعيين. "قربنا منه ولم نراع حركته". وهو يعترف، حين يُسأل، أن المشكلة في الناس. والجلوس في جهة البر والنظر إلى "الحي" نظرة مسحية تكشف حركة البناء المستمرة في البيوت.
والتعمير، في هذا المجال، يبدو تتابعياً دائماً. ذلك أن هذه الإضافات المتلاحقة تبدو مهيئة سلفاً قاعدة احتمالاتها، التي قد لا تنتهي. وهذا التركيب، العمودي والأفقي، للغرفة وحجارتها يسم المنطقة كلها. "صارت الناس عم تسكر على حالها، من القلة أو الطمع. ما عاد يمكننا أحياناً أن نمرر تابوتاً بين بيتين"، وفقه. ويبدو، عند المختار طلوع البحر فوقهم عادياً ومفهوماً. لكن المشكلة في "مياه الجسر ومياه الأوزاعي التي تصب عندنا، وتطوف الشوارع فيصل مستوى المياه إلى 40 سنتمترا". وكان ناس من أبناء الحي نفسه قد جمعوا، مستغلين وجوده في السجن، على ما يقول، سواتر وبقايا حجارة أمام منزله. "يعتقدون أنهم يردعون بها البحر. لكن هذه الحجارة ستجمع مياه الشوارع عندنا. فكرنا أن نردم البحر بها، لكن بلدية الغبيري لم تقبل. طالبنا بمصفاة، ولم يقبلوا أيضاً".
التحضيرات صفر
خيال المكان ثقيل أيضاً، في استناده على ذكريات طوفان حصل قبل سنتين. هكذا لا تبدو هذه البيوت، التي لا يزيد ارتفاعها في الغالب عن طبقتين، غير كرتون قابل للحركة والذوبان. "سألت عن بيت أبو فلان، لأنني لم أجده. اختفى كله"، يروي حلاوي الذي يؤكد أن الناس تنقلوا، في حينها، بـ"الشخاطير". أو صاروا يقفزون شكاً عن الجسر، كأنهم في بحر أو نهر، ليسبحوا. مع ذلك لا تحضيرات، هذه السنة، رغم توقع الناس لعاصفة قوية. "يأتيني أحد السكان لأتوسط له عند المخفر كي يبني حيط دعم لمنزله. لكنني أعرف أن أحداً لن يرد"، يقول حلاوي.
ومنع دخول مواد بناء أو آليات، كما يقول السكان، لا يبدو مؤكداً. اذ أن حركة البناء مستمرة. لكنها محمية، على ما يمكن أن يفهم من حكي المختار. "الدوريات يومية على الشاطئ. يتمشى العسكري من أوله إلى آخره، ويقمع أو يتجاهل ما يريد". وهم، في تحضيرهم للأيام المقبلة، لا يزالون يعيشون على ما جرى معهم. وهذا مفهوم، طالما أنهم لم يحصّلوا بعد أي تعويض. "صوروا كثيراً. وتفقدوا. قالوا لنا أن مخابرات الجيش ستعوض. لكن هذا ما يحصل".
حزبية قلقة
هذه المنطقة، في تقسيمها الطائفي والسياسي، تُحسب على "حركة أمل". لكن التحفظ واضح. فهما يقولان أنهما في "الحركة" لكنهما لن ينتخبا في أي انتخابات مقبلة. البراميل، وقد رُفعت عليها أعلام "الحركة"، تستقبل زائر المختار. فوقها صورة شهيد حزبي أيضاً. لكنّه، في تأكيده انتماءه إليها، واضعاً يده على صدره، يروي كيف أنهم في حرب تموز في العام 2006 تركوا الإعاشات في مكاتبهم ولم يوزعوها على السكان الذين لم يتركوا المنطقة. "الحركة فقيرة. لو كانت المنطقة بيد حزب الله، يمكن كان الوضع مختلفاً". وحلاوي لا يُؤَولُ خطابه من موقعه الحزبي، كما يطلب أن نفهمه مراراً. كلامه، هكذا، كلام عادي، مثل كل كلام، لا سلطة له. "أحكي كأني واحد من الناس، ومتضرر مثلهم. تمنينا لو أن الانتخابات حصلت. زرنا النائب هاني قبيسي، نائب منطقتنا، ولم نحصل على شيء".
كلاب المجاري
قرر الرجل أن يفتح مطعماً على شاطئ السان سيمون. لكنه يشكو من الناس الذين يفتحون، كل على هواه، خطوطاً للمجاري. والبركة، كما تكونت بفعل الزمن، واضحة. وهي تُفقد "الواجهة البحرية" قيمتها الجمالية والسياحية، عدا ضررها الصحي. ويبدو مفارقاً مقارنة جهة الشاطئ هذه بامتداده من جهة أخرى، ناحية الفنادق. عالمان منفصلان. والحال أن مدخل هذه البركة، الدالة على سلوك الناس، تحول بيتاً لكلاب تعيش وتتغذى على ما يمر فيها. "عضة واحدة تقتل، والكلاب في الداخل بالعشرات. ولا أحد يجرؤ على التحرك ليلاً"، يقول المختار الذي يسكن بالقرب من منفذ المجارير.
بلدية الغبيري
لا يرى رئيس بلدية الغبيري محمد سعيد الخنسا حلاً لمشكلة السان سيمون في وضعه الحالي. "هذه المنطقة تخضع لمشروع أليسار، الذي أقره مجلس الوزراء في العام 1998، والذي يفترض ازالة كل التجمعات السكنية والتعويض على أصحابها، ولكن المشروع متوقف بسبب التقصير الحكومي"، على ما قال في اتصال مع "المدن".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها