الثلاثاء 2014/08/26

آخر تحديث: 14:48 (بيروت)

يهود صيدا: لم يبق سوى العقارات

الثلاثاء 2014/08/26
increase حجم الخط decrease
"نحن في صراع مع الكيان الصهيوني، لكنّهم مواطنون لبنانيون ينتمون الى الطائفة الموسوية (نسبة إلى النبي موسى)، وهم أمر واقع"، يقول مختار حي الشارع في صيدا القديمة زياد حمود، معلقاً على عودة أحد يهود صيدا من عائلة ديوان إليها لزيارة مدفن جده في مقبرة اليهود، حيث طلب من رئيس الطائفة في بيروت تقديم طلب لتصوين المقبرة من ماله الخاص، وقد استجابت بلدية صيدا لهذا الطلب. يعبّر حمود في كلامه عن وعي مدني مفقود في التعاطي مع يهود لبنان، ويشاركه الرأي طالب محمد قرة أحمد، وهو أستاذ في التاريخ في "الجامعة اللبنانية"، إذ يقول: "لا يجوز الخلط بين اليهودي والصهيوني فهناك فرق شاسع بينهما، بالتالي من غير المقبول أن ننظر إلى يهود لبنان نظرة اتهام تحملهم مسؤولية خسارة العرب لفلسطين".

"من مال اليهود إلى اليهود"، هكذا يصف أحمد عملية "الزكاة"، اذا صح التعبير، عند اليهود. وهم يتمسكون بهذه العادة حتى لا يبقى أي يهودي فقيراً أو محتاجاً، ولتتحقق المساواة بينهم في المأكل والملبس.

لا تزال حارة اليهود تضم الكنيس اليهودي الوحيد في صيدا الذي كان يستقبل أبناء الطائفة كل سبت للصلاة. يقول أحمد: "تبدأ طقوسهم من ليل الجمعة حيث لا يقومون بعمليات بيع وشراء ولا يقربون النار. وإذا اضطروا، يطلبون من جيرانهم من ملّة أخرى القيام بذلك. وكذلك بالنسبة للكهرباء". على أن اليهود والمسلمين "يتشابهون في رفضهم للحم الخنزير، ولا يأكلون إلا من ذبحهم الخاص أو من مسلم بينهم وبينه ثقة كبيرة". وكان محرّما على اليهودي الزواج من غير دينه، وفقه، "فلم تشهد صيدا مثل هذه الحالة. لكنها شهدت زواج بعض اليهوديات من مسلمين مثل الشيخ حسن الحبال صاحب مجلة أبابيل". وعلى الرغم من اختلاف الطقوس والعادات "إلا أن التداخل بين العائلات الصيداوية كان أمراً عفوياً".


مهن خاصة
"يعد اليهود من المالكين. ولم يكونوا يوماً من هواة الاستئجار. وتتوزع أملاكهم بين محلات تجارية داخل صيدا القديمة وأراض خارجها، مثل منطقة الدكرمان حيث يوجد البستان اليهودي"، وفق حمود. لكن لهذا البستان حكاية خاصة إذ أنه "يقع على مقربة من مخيم عين الحلوة. وبطبيعة الحال بسبب حاجة المخيم إلى التوسع وشعور الفلسطينيين بخسارة أرضهم تم ضم هذا البستان الى حدود المخيم، كتعويض معنوي ربما"، يقول حمود.

وقد إشتهر اليهود، وفق أحمد، بـ"أنهم أول من سلفوا بالفائدة. وقد كان لأحد أفراد عائلة ديوان كونتواراً في ساحة الشهداء يقوم عبره بعمليات التسليف، وخصوصا لأهالي الجنوب الذين كانوا يمرون في ضائقة مادية وقتها. لكنّهم لا يسلّفون اليهودي لأنهم يعتقدون بأن الفائدة ضرر، وهم لا يريدون إلحاق الأذى بأبناء الطائفة". إضافة إلى ذلك عملوا في تجارة القماش والأحذية والخياطة الرجالية. "ومن أشهر انتاجهم بنطالون الديولون الذي يتميز بـ"مغيطة" من الأسفل، حيث انفردت بانتاجه عائلة زيتونة".


هجرة
يؤكد مختار مار الياس إيلي الجيز أن "اليهود خرجوا قصراً من لبنان، ومن صيدا تحديدا. ويعود ذلك إلى الأوضاع المتوترة التي شهدتها المنطقة وانتشار الفوضى بين الأحزاب، إلى جانب دخول الفلسطينيين. لكن اليهود لم يتعرضوا لأذى من جانب الصيداويين أنفسهم". على الرغم من معايشة اليهود للسكان الآخرين إلا أنهم حافظوا على عالمهم الخاص، وقد كانوا يتداولون العبرية في ما بينهم. وهذا ما عزز احتمالات قبولهم لفكرة الهجرة بالرغم من صعوبتها.

"بدأت هجرة اليهود في العام 1948 بعد النكبة، ونزوح الفلسطينيين إلى لبنان خلق حساسية بينهم وبين هؤلاء النازحين. ومن الأحداث التي يجدر ذكرها أنه في العام 1967 أُجبر أحد اليهود من قبل بعض الصيداويين على المشاركة في مظاهرة تدعم الرئيس المصري جمال عبد الناصر مستخدمين القوة، الا أن تدخل أحد الصيداويين أنقذه من بين أيديهم. وبعد أن غادر اليهودي الى البرازيل بقي على تواصل مع الشخص الذي أنقذه"، وفق أحمد. واستمرت هجرة اليهود سنوات، "وزادت مع بداية الحرب الأهلية في العام 1975، التي ترافقت مع إعتداءات على بعض ممتلكاتهم، مثل تحطيم سياراتهم"، بحسب الجيز.

خسرت صيدا، في خروج آخر عائلة يهودية، أمل الحفاظ على فئة مهمة في تاريخها. يقول حمود "مما يروى، ومتعارف عليه، أن تأخر انسحاب الجيش الاسرائيلي في العام 1982 كان بسبب عائلة بصل أو ليفي، التي لم تكن ترغب بمغادرة البلاد. لكن تواصل الجيش الاسرائيلي معهم على اعتبار أنهم يهود كان كاف لإغراقهم في الشكوك، إلى جانب سعي الجيش الإسرائيلي إلى زرع الرعب في نفوسهم من فكرة بقائهم في لبنان". ويضيف: "خرجت هذه العائلة من صيدا على الدبابة الاسرائيلية. لكن ليس مؤكداً أنها ذهبت الى اسرائيل، اذ أن الكثير من العائلات اليهودية التي خرجت عبر السفن من لبنان ذهبت الى أميركا، كندا، فرنسا والقليل منها الى قبرص".


ما بقي منهم
وصل عدد اليهود في صيدا الى 1200 مواطن صيداوي، "وهم مسجلون في محلتي حي الشارع وباب السراي وبالطبع حارة اليهود"، يقول حمود. ويضيف: "تمتد عقارات اليهود من حارة اليهود الى منطقة الجمرك القديمة والتي باتت تعرف بمقهى أبو العبد. أما تجارياً فهم موجودون قرب مركز الدرك القديم وصولا الى الفوال الغُربي".

يستذكر حمود معالم اليهود قائلاً: "الى جانب الكنيس اليهودي والجبانة كان هناك مدرسة الاليونس أو مدرسة الاتحاد الاسرائيلي العالمي والتي تم تأجيرها إلى بعض الصيداويين وما زالوا حتى اليوم فيها". وعلى الرغم من تمسك اليهود بأملاكهم "خصوصاً أن البعض قد وكلو أفراداً من صيدا القديمة ومحامين لتحصيل إيجاراتهم"، بحسب الجيز، "إلا أننا نشهد اليوم محاولة لشراء هذه العقارات من قبل أحد رجال الأعمال. وهو يحتاج إلى جهد كبير للوصول الى أماكن انتشار اليهود الصيداويين في العالم"، على ما يقول حمود.

increase حجم الخط decrease