الأحد 2014/11/23

آخر تحديث: 13:01 (بيروت)

من بيروت إلى النبطية.. دندنة "جهاديّة"

الأحد 2014/11/23
من بيروت إلى النبطية.. دندنة "جهاديّة"
increase حجم الخط decrease

(1)
تسألني صديقتي وهي توصلني إلى غرفتي المستأجرة في بيت للطالبات في الضّاحية الجنوبيّة لبيروت: "أنا لا أرى مظاهر وجود حزب الله في هذه المنطقة. حركة المرور طبيعيّة. الناس يخرجون ويعودون إلى بيوتهم ساعة يشاؤون. لم يمنعني أحد من الدّخول إلى المنطقة بالرغم من كوني مسيحيّة. أنا لا أرى ما يتكلم عنه الجميع عن أنّ الضّاحية تابعة لحزب الله. أنا لا أرى شيئاً مختلفاً.. أليس كذلك؟".

"كلا. ليس كذلك".

يصعب على شخصٍ لا يسكن في الضّاحية ولا يزورها إلا قليلاً أن يلحظ الأمر؛ أن تبحث عن إيديولوجيا "حزب الله" في الضاحية يعني أن تنظر إلى تفاصيل الحياة اليومية: الدّكان، محلّ الخضار، الفان، المكتبة العامة، الأحاديث اليومية، اللباس، إلى آخره. تتمثل الإيديولوجيا في مثل هذه التفاصيل كأن لا أسأل البائع اذا كان يبيع الكحول مثلاً، لأنه حتما لا يبيعها، أو كأن لا أتوجّه إلى طاولة في المكتبة العامة يجلس إليها شاب، حتى ولو كانت المقاعد الثلاثة الأخرى خالية. في الحالين لم يخبرني أحد أن أتصرّف بهذه الطريقة.. أنا أعرف ذلك فقط لأن شيئاً ما في هذه البقعة التي تسمّى "الضاحية" يجعلني أتصرّف هكذا؛ إنّها الإيديولوجيا المسيطرة؛ مفهوم واحد بتجليات مختلفة في أي بقعة جغرافيّة أخرى.


(2)
دندنتي الصباحيّة فيروزيّة الطابع. بدا ذلك مسلّماً به حتى اليوم الذي سمعتُني أنشد "نحن رجال الحزب الغالب، شيعة نحن وانتصرنا". حدث ذلك منذ خمسة أشهر؛ إنّه تأثير رحلتي الأسبوعيّة من بيروت إلى النبطيّة. الأسطوانات الأكثر رواجاً هي تلك التي تضمّنت أناشيد مؤيّدة لتدخّل "حزب الله" عسكريّاً في الحرب الدّائرة في سوريا. اعتقدْتُ لفترة طويلة أنّ الأمر لا يتعدّى كونه دندنة عابرة ولم يعنيني بداية الأمر إصرار "لا وعيي" على استعادة هذه الأناشيد مراراً وتكراراً.

يوتيوب، صديقي الإلكترونيّ، زاد الأمر غرابة عليّ. جميع هذه الأناشيد من دون استثناء لم تصدر عن جهة رسميّة ولم يتمّ بثّها على أيّ من وسائل الإعلام التّابعة لـ"حزب الله"، ومع ذلك بدت قادرة على ترك هذا الأثر الكبير على الجمهور المؤيّد لخطّه الإستراتيجيّ. لماذا لم يشكّل مصدر هذه الأناشيد أولويّة؟ وكيف استطاعت أن تدخل في سياق ما يبدو أنّه حقيقيّ ومقبول داخل هذه البيئة؟


(3)
رحلة البحث بدأت؛ ميشيل فوكو هو الدليل. إنّ الدخول في تفاصيل بناء المعنى واستهلاكه يعني الوقوف عند طبيعة العلاقة التي تربط صانع الخطاب بالجمهور المتلقي. فالمرسل يلعب دور الناطق باسم السلطة التي أنتجت فيما سبق خطاباً رسمياً. إنّه يعيد إنتاج النّص الأوّل باستخدام كلمات مختلفة ولكنّه لا يخرج عن مرتكزاته؛ إذ أنّ "الجديد ليس في ما سيقوله هذا التعليق، بل الجديد هو في فعل الإعادة".

وبما أنّ الإيديولوجيا هي هذا المعيار الذي يُنتج الأحداث داخل مجتمع ما ويسمح بتحليلها وفق قواعد محدّدة، يبدو الكلام عن "خطاب ايديولوجي" أو "ممارسة ايديولوجية" غير دقيق لأنّ الايديولوجيا ليست شيئاً منفصلا بحدّ ذاته يعمل إلى جانب المكونات الأخرى كالثقافة أو الإقتصاد. إنّها تتجلى من خلال أي وعاء يستطيع إنتاج معنى ما، وهذا يعني بطبيعة الحال أنّ الأناشيد هي أحد هذه التجليات.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها