الأربعاء 2015/01/28

آخر تحديث: 15:03 (بيروت)

الجنوب.. خيار متأخر للاجئين السوريين

الأربعاء 2015/01/28
الجنوب.. خيار متأخر للاجئين السوريين
يرى اللاجئون السوريون أنّ الجنوب مكان أفضل للعيش مقارنة بأمكان أخرى (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

لا يختلف حال اللاجئين السوريين في الجنوب عن حال أبناء بلدهم في البقاع. أوجه الحياة البدائية تجمعهم وتحولهّم من مالكين في سوريا، الى مستأجرين لخيم بعد أحداث بلدهم. نمط الحياة في البقاع والجنوب واحد: السكن في الخيم، العمل بمردود قليل، مواجهة البرد شبه عُراة، الجوع والعوز. الا أن التجمعات في الجنوب، وفي منطقة صور تحديداً، لا توازي مخيمات البقاع والشمال عدداً وسكاناً. 


في صور يصرون على ألا تسمى أماكن وجود اللاجئين الا بالتجمعات، وعددها لا يتجاوزعدد أصابع اليد الواحدة. ويضم كل واحد منها قرابة 30 الى 40 خيمة أو "تخشيبة"، كما يسميها سكانها. وكل خيمة تسكنها عائلة لا يقل عدد أفرادها عن العشرة، أغلبهم من الأطفال.

لكن هذه التجمعات شيّدت من زمن بعيد، أي قبل الحرب السورية. وقد تزايدت أعداد اللاجئين فيها بعد الحرب، فاختلطت وباتت تحوي لاجئين قدامى وجددا. مثلاً في تجمع اللاجئين مقابل مركز باسل الأسد في صور، والذي يضم أكثر من 40 خيمة، نصف السكان مضى على وجودهم فيه أكثر من 4 سنوات. وكذلك الأمر بالنسبة لتجمع "رأس العين" الذي يحوي حوالي 80 خيمة. اذ يعيش فيه بالاضافة الى اللاجئين، جماعات من البدو. كما أن أغلبية السوريين القدامى لا يصرّحون عن تاريخ مجيئهم الى لبنان تأميناً لحصولهم على المساعدات. أماّ القسم الأكبر من اللاجئين السوريين، الذين انتشروا في مناطق الجنوب، فسكنوا المنازل بالتشارك مع عائلة سورية بحيث تتقاسم الأسرتان بدل الايجار، أو حلّوا ضيوفاً عند لبنانيين، أو انتقلوا للسكن في المخيمات الفلسطينية، التي استقبلت عدداً كبيراً منهم.


ملجأ متأخر
يرى اللاجئون السوريون أنّ الجنوب مكان أفضل للعيش مقارنة بأمكان أخرى، "فهو آمن ويتميز بمناخ معتدل، إضافة الى تلقيهم معاملة مقبولة من قبل أهله"، يقول خليل علي، وهو لاجئ منذ عامين. أما رمضان شحادة فيقول في حديثه لـ"المدن": "هنا في صور يمكننا التنقل والعمل، طالما أننا نملك أوراقاً ثبوتية. أمّا الذي ليس لديه أوراق فلا تستغرب أنّ رأيته مكبلاً ومساقاً الى المخفر". وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للعام 2014، فإن الجنوب، مقارنة مع مناطق أخرى في لبنان، صار في وقت متأخر نسبياً مكاناً للاجئين الفارين من سوريا.



تقسيم الخيمة
قرّرت عائلة أبو عبود (مؤلفة من 21 شخصاً) المجيء الى لبنان بعد دخول داعش الى منطقة الرقة في سوريا، خوفاً على الاناث، ومما قد تفعله داعش بهن، كما تقول زوجته تهاني. عاشوا في خيمة في تجمع باسل الأسد الثقافي. لكن ظروف عيشهم أقل ما يقال عنها انها "مزرية"، اذ يتقاسم أفراد العائلة غرفة النوم والمطبخ وغرفة الجلوس. هذه المساحة الصغيرة، والتي تقدّر بـ6 أمتار، يُكلِّف بدل ايجارها 100 دولار.

وقد عمد اللاجئون الى تقسيم خيمهم الى غرف: صالون وحمام وغرفة جلوس وغرفة نوم مع مدخل صغير. تقسيمات الخيمة تشبه تقسيمات المنازل الى حد ما. الا أنها لا تقي من مطر الشتاء الذي يسقط فوق رؤوسهم، ولا من البرد المتسلل من ثقوب الخيمة. "عندما أتت العاصفة لم ينم أحد في المخيم خوفاً من سقوط الخيم"، تقول تهاني.

حال عائلة أبو عبود كحال جميع أفراد المخيم. لا يلبسون الكثير من الثياب ولا يملكون وسائل التدفئة، ويعانون من الجراثيم والأوساخ لأن المياه ليست نظيفة، ويتناوبون على الاستحمام. لا شيء يدلّ على "الرفاهية" هنا سوى أجهزة التلفزيون القديمة كوسيلة لمتابعة ما يجري في بلدهم، وتسلية للأولاد.


اسراء
أما اسراء ابنة الثانية عشر، صاحبة القامة القصيرة، فتعاني من نقص في النمو. وهي تحقد على الأطباء والجهات المساعدة وتستخف بهم لأنهم اعتذروا عن تأمين دوائها لأسباب تجهلها. جلّ ما تدركه أنها بحاجة الى دواء لا تستطيع أن تطاله. تعرف اسراء كل أهل التجمع، وفي امكانها أن تروي قصة كل عائلة وفرد. وفي امكانها أيضاً أن تستمر في الابتسام خلال حديثها حتى وهي تخبرك عن حزنها. تقول مستهزئةً "عندما تأتي الكرتونة نفرح لأنها كبيرة، نظن أنها مليئة بالكثير مما نحتاجه، وعندما نفتحها لا نجد سوى الصابون والمحارم".

تذهب اسراء مع أولاد آخرين الى المركز المواجه للمخيم للدراسة، لكن من دون كتب وشنط مدرسية. استعارت أختها الكبيرة حقيبة أمها لتحولها الى شنطة تضع فيها دفتراً وقلماً. بينما تتذمر اسراء من أن "الآنسات" لا يقمن بتعليم الأولاد شيئاً غير الكتابة على الدفاتر.

مصاريف كبيرة تترتّب على اللاجئين السوريين، فإضافة الى ارتفاع ثمن ايجار الخيمة من 50 ألف ليرة الى 100 دولار شهرياً، وتخفيض حصة الفرد من قبل المفوضية من 30 دولارا الى 19 دولارا شهرياً، بات الاهتمام بالغذاء والجوع أصغر المصائب بعد قرارات وزارة الداخلية الجديدة. إذ يقول خليل علي لـ"المدن" إن "جلّ ما يهمنا اليوم هو القرار الأخير الذي يجبر اللاجئ السوري على إيجاد كفيل، وتجديد الإقامة مع دفع مبلغ 300 ألف ليرة عن كل فرد يتجاوز عمره الـ15 عاماً، فأين أجد كفيلا؟ ومن أين أحصّل مبلغ 2000 دولار كبدل اقامة لي ولعائلتي، وكيف أدفع ايجار الخيمة الذي يصل الى 1000 دولار سنوياً، ومن أين يمكنني تأمين الطعام لي ولعائلتي؟".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها