الخميس 2014/08/21

آخر تحديث: 13:23 (بيروت)

عكار لم تعد "بيئة حاضنة" للنازحين؟

الخميس 2014/08/21
increase حجم الخط decrease
فتحت عكار، منذ بداية الأزمة السورية، أبوابها للنازحين السوريين. استضافتهم ووقفت إلى جانبهم. وكان العكاري يفاخر باحتضانه لعائلة نازحة. لكن عدد النازحين زاد إلى حد لا طاقة للمجتمع المحلي على تحمله.

بدأ النازحون السوريون يزاحمون العكاريين في سوق العمل، وبدأت البلديات تأن تحت وطأة شح المياه وأزمة الكهرباء. على أن تحمل هذا كان ممكناً لولا ما حصل في عرسال، إذ ترك ذلك انعكاسات كثيرة لدى العكاريين الذين دفعوا ثمنا غاليا باستشهاد عدد من أبنائهم العسكريين في المعركة، إضافة الى عدد من الجرحى والمفقودين.

وقد بات واضحا أن العديد من القرى التي استقبلت النازحين لم تعد بيئة حاضنة لهم، بل تتخذ اجراءات من شأنها التضييق عليهم وضبط تحركاتهم، لجهة منعهم من التجول ليلاً، بدءا من التاسعة مساء وحتى السادسة صباحاً، ومنعهم من استخدام الدراجات النارية.

وبدأت بعض البلديات تبدي رغبة في عودة النازحين السوريين إلى ديارهم، وخاصة في المناطق التي تنعم بالهدوء، وهذا ما أبلغته هذه البلديات إلى ممثلي "الأمم المتحدة". ويطال هذا الاجراء بالدرجة الأولى ساكني المخيمات العشوائية. وقد سبق أن قام أهالي بلدة الحصنية بطرد النازحين المقيمين داخل مخيم كبير يضم نحو 25 خيمة، على خلفية إشكال مع أحد النازحين الذي اعتدى بالضرب على طفل من البلدة.

"يتقاسم اللبنانيون كل شيء مع النازحين، ويتعاطفون معهم، وهم في المقابل يقومون بممارسات غير أخلاقية. وكي لا نصبح نحن بحاجة إلى مساعدة وحماية، علينا أن نتنبه ونأخذ كل الاحتياطات"، حسب تعبير أحد العكاريين.

وقد عمدت بلدية رحبة، مثلا، إلى ضبط حركة النازحين في البلدة، وفككت الخيم الموجودة، متسلحة بتعميم وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، بعدم السماح باقامة مخيمات وتجمعات سكنية في القرى والبلدات، فضلاً عن عدم توفر شروط السلامة العامة في هذه المخيمات. ونظمت البلدية وجود النازحين، وخاصة العمال منهم، بالتعاون مع مخاتير البلدة. "طُلب من أصحاب المؤسسات التصريح بعدد العمال الموجودين لديهم، ومن ليسوا عمالاً فعليهم مغادرة البلدة".

هذا وبدأت تظهر خلافات لم تكن تظهر سابقا بين النازحين وبعض الأهالي. وقد قامت عدة بلديات بتفتيش الخيم التي يقطنها النازحون، وذلك عقب المداهمات التي نفذها الجيش، في بلدة الريحانية الواقعة بين محافظتي عكار والمنية، وحيث أوقف عددا من السوريين، إضافة الى مداهمة ملجأ للنازحين في بلدة خربة داوود، حيث أوقف 23 نازحاً.

وهذا ما شجع العديد من البلديات على اتخاذ خطوات لجهة مراقبة تجمعات النازحيين ورصدها. وذلك بعد تفاقم المخاوف من تكرار تجربة عرسال في أماكن أخرى وتحديدا في عكار التي تضم خمسة مخيمات كبيرة للنازحين السوريين.

ويقول كفاح الكسار مسؤول "الجماعة الاسلامية" في عكار: "لقد كنا في السابق نطلب من القوى الأمنية إبلاغنا ما اذا كانوا يريدون مداهمة المخيم لأي سبب كان، وذلك حرصا على النساء والأطفال. أما اليوم وبعد أحداث عرسال فنحن مع أي خطوة تقوم بها الأجهزة الأمنية وحتى من دون تنسيق مسبق، بهدف الحفاظ على أمن المنطقة".

والحال أن النازحين السوريين استشعروا خطر ما قد يحصل معهم فوجهوا نداءا الى "اتحاد الجمعيات الاغاثية" لفتوا فيه الى أنهم "يتعرضون لظلم كبير، في بلدة رحبة، فكما هجرنا من ديارنا يعمل القيمون وأصحاب القرار في هذه القرية على تهجيرنا مرة أخرى، بسبب الأحداث التي حصلت في عرسال".


شح المساعدات


هي ليست المرة الأولى التي يعبر فيها النازحون السوريون، في مختلف قرى وبلدات عكار، عن إستيائهم جراء هذه المعاملة السيئة، اضافة إلى شح مساعدات الدول الخليجية والمنظمات الدولية، وتحديداً "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" التي تستمر في شطب العديد من الأسر من قوائم المساعدات الغذائية، والتي تبلغ قيمتها 37 ألف ليرة عن كل فرد في الأسرة، إضافة إلى التوقف عن دفع ايجارات سكنهم.

وفي حين تأتي خطوة المفوضية بهدف "تصحيح الخلل القائم في عمليات التوزيع والسعي الى توجيه المساعدات نحو الأشخاص الأكثر حاجة"، بحسب ما تشير المفوضية في بياناتها، يؤكد أحد النازحين أن "العديد ممن جرى شطب أسمائهم هم من المحتاجين أو الأرامل والنساء اللواتي نزحن الى لبنان مع أزواجهن، ولم يلبث هؤلاء أن عادوا الى سوريا فبقيت الزوجة وأولادها وحدهم في لبنان يواجهون القلة والعوز".

ويضيف: "شُطبت حصص العائلات الكبيرة التي تضم شباناً أو أفراداً يفوق عمرهم الـ18 سنة، على أساس أن بإستطاعتهم العمل. لكن هل العمل متوفر؟". وحرم هؤلاء من الخدمات الصحية الضرورية لجهة تقليص خدمات المفوضية الى أدنى الدرجات، وعدم الاعتراف بالكثير من العمليات الجراحية المستعجلة، وهذا ما يجبرهم على تحمل تكلفتها وحدهم.

في مخيم النازحين في بلدة بلانة الحيصة شكاوى بالجملة على "المفوضية" التي أقدمت على شطب أسماء ما يزيد عن 50 في المئة من لاجئي المخيم. وذلك على الرغم من الأوضاع المأساوية التي يعاني منها النازحون، حيث تقطن عائلتان في كل خيمة، فضلاً عن انتشار الأمراض الجلدية المعدية بين النازحين، وتحديداً الجرب واللوشيميا.

"وكأن هناك صبغة على المخيم"، يقول مسؤول المخيم خالد فرج حسين. ويؤكد "أنه من غير الطبيعي أن تحجب عنا مختلف أنواع المساعدات، وحتى عندما نقوم بمراجعة المفوضية أو الاتصال بالأرقام المخصصة لنا لا يتم الالتفات الينا على الاطلاق".

ويضيف: "يضم المخيم أكثر من ثلاثة آلاف نازح يعيشون في ظل غياب أدنى مقومات الحياة، حيث لا مياه ولا صرف صحي. وقد قمنا نحن بتأمين مولد كهربائي لتشغيله مرتين يومياً بهدف التزود بالمياه بالحد الأدنى الممكن".

ويتابع: "لا نعلم ما هو السر الذي أدى الى شطب أسماء النازحين. نقوم بالمراجعات من دون أن نلقى أي جواب ولا أحد يلتفت إلى حالنا. أما بالنسبة للمساعدات الخليجية فلا يصلنا منها سوى الفتات، حيث تقوم مافيا الجمعيات والسماسرة ببيع الحصص والأغطية، في حين أن الأطفال يعانون من الجوع والمرض".

ويروي النازح الستيني عناد طعيمة المحمد كيف بترت ساقه، وإختفى صوته، وكيف يعاني العوز والضيق بعد أن قامت "المفوضية" بشطب إسمه من لائحة المستفدين من المساعدات الغذائية بالرغم من علمهم بحالتي". ويؤكد "لقد قمت بتقديم طلب إستئناف والطعن بالقرار ولكن من دون جدوى، وعندما نقوم بالمراجعات لا أحد يستمع الينا".
increase حجم الخط decrease