الخميس 2014/08/21

آخر تحديث: 15:35 (بيروت)

"اللاجئون" العراقيون.. بين طمع الكفلاء و"المجاملة"

الخميس 2014/08/21
"اللاجئون" العراقيون.. بين طمع الكفلاء و"المجاملة"
عراقي يستلم مساعدات من كنيسة الكلدان في بعبدا‎، أمس، وهو سيحرم من صفة لاجئ مثل كل اللاجئين العراقيين (علي علوش)
increase حجم الخط decrease


ترفض الدولة اللبنانية إطلاق صفة لاجئ على الهاربين إليها لأسباب أمنية أو سياسية، إذ لم توقّع على اتفاقية اللاجئين، التي أقرت في العام 1951، على الرغم من أنها وقعت على معظم معاهدات حقوق الإنسان الأخرى الخاصة بحماية اللاجئين. ويحمل العراقيون، الهاربون من الموت في بلادهم إلى لبنان، إقامات عمل تضعهم تحت رحمة نظام الكفيل الذي يتفق كل العراقيين، الذين تحدثوا إلى "المدن"، على رفضه بسبب المعاناة الكبيرة في إتمام معاملاته، خاصة في بداية وصولهم إلى لبنان. اذ يضطرون، رغم ظروفهم المادية الصعبة، إلى دفع التكلفة المالية التي يُلزمهم الكفيل بها، ومنها الألف دولار التي يجب أن توضع في حسابه المصرفي. ويستعمل معظم الكفلاء سلطتهم هذه لاستغلال العاملين لديهم، عراقيين أو من جنسيات أخرى.

يعيش محمد في لبنان منذ بداية الاحتلال الأميركي للعراق بعد هروبه من بعقوبة الواقعة في محافظة ديالى بعد إصدار الاحتلال الأميركي وقتذاك مذكرة توقيف بحقّه. واستطاع من خلال جواز سفر مزوّر العبور إلى الأراضي السورية، واستقر أول الأمر ولفترة قصيرة في دمشق، وتحديدا في حي السيدة زينب حيث تعرّف على شخص يعمل في التهريب الى لبنان، مقابل 50 دولار فقط. "قالوا لنا إن لبنان هو الفردوس المنتظر، وإن الأوضاع هناك أفضل بكثير من سوريا". وهذا كان الدافع الأساسي لمجيئه إلى لبنان. "انطلقنا مع مجموعة مؤلفة من 8 عراقيين. وعند وصولنا الى منطقة جبلية قرب وادي خالد حاول المهربون استغلال موقفنا وفرض مبلغ مضاعف علينا. وحصل بيننا وبينهم اشكال، لكننا كنا في موقف ضعف ولم يكن لنا أي خيار سوى القبول".

يضيف محمد: "كنا نعبر ليلا في جرود مغطاة بطبقة سميكة من الثلج، في مدة تصل إلى 12 ساعة لنصل أخيراً إلى سيارة كانت بانتظارنا. ووصلت إلى حي السلم في ضاحية بيروت الجنوبية في حالة يرثى لها". ولم يسوِّ محمد أوراقه في البلاد حتى صدور العفو بحق العراقيين، أواخر العام 2007 لإعطاءهم فرصة تسوية أوضاعهم القانونية وإصدار إقامة عمل. "أحرقت جواز سفري المزوّر، وأصدرت واحدا جديدا بعد أن أرسل لي أهلي أوراقي الثبوتية". يتابع: "لم يكن إيجاد كفيل صعباً. اذ كفلني صاحب العمل".

ويشير محمد إلى تغير معاملة صاحب العمل له بعدها. "أصبحت العلاقة أقرب الى الاستغلال. وأجبرني على العمل ساعات اضافية، وتأخر مرارا في دفع أجري. ولم أعد قادراً على تحمل هذا الوضع، فغادرت للبحث عن كفيل جديد. وفي كل مرة اضطر لوضع 1000 دولار في حساب كل كفيل جديد، إضافة إلى 850 دولار للضمان الاجتماعي، الوهمي، الذي رفضت المستشفيات اللبنانية الاعتراف به عند تعرض زوجتي منذ أشهر عدة لكسر في قدمها".

استطاع العراقيون المولودون لأم لبنانية تفادي نظام الكفيل بعد أن أعطتهم الدولة اللبنانية في العام 2010، إقامة مجاملة. ثم شملت هذه الإقامة المتزوجين من لبنانية. وهذا ما وفر على هذه الفئة معاناة مع نظام الكفيل.

وينتمي كاظم الشمري، وهو عراقي يعمل في صنع الميداليات، إلى هذه الفئة. "تعذبت كثيراً قبل أخذ إقامة المجاملة، حيث اضطررت في البداية إلى الحصول على إقامة كعامل زراعي رغم أنني أعمل في صنع الميداليات". يضيف: "لن أعمل تحت وصاية أحد، كي لا أتعرض لضغط صاحب العمل". ويقول الشمري إن قلقه من الترحيل قد زال نسبياً بعد منحه إقامة المجاملة. وعند سؤاله عن سبب عدم تقديمه لطلب لجوء الى بلدان غربية، يجيب: "لن أذهب إلى بلد تسبب بقتلنا وتهجيرنا، وكان محركا أساسيا للعنف الطائفي في العراق. فكيف سأسمح لإبني في حال أصبح مواطناً أميركياً أن يخدم في الجيش الأميركي وينشر الخراب في العالم؟". يضيف: "أنا أفهم مَن يريد المغادرة، فالجميع تعرض للإذلال بطريقة أو بأخرى من قبل موظفي الدولة هنا، أو سجن بسبب أوراقه غير الشرعية، لكنني رغم كل ذلك أريد البقاء".

تستمر معاناة العراقيين الذين لا يُشملون ضمن هذه الفئة، حيث اضطر عمّار عبدالله الى الخروج من قريته في محافظة البصرة بعد اشتداد المعارك فيها منذ 5 سنوات، والدخول إلى لبنان بطريقة غير شرعية. "عند دخولي إلى لبنان لم أكن أملك تكلفة دفع أوراق الإقامة، وقد اضطررت للعمل لفترة طويلة كي أستطيع تأمين المبلغ". لكن تقديمه الأوراق المطلوبة عند الأمن العام لم يكن أمراً سهلاً، حيث كان يُطلب منه أوراقاً من الصعب عليه تحصيلها من العراق، نظراً الى الوضع الأمني السيئ هناك، ونظرا إلى كونه مطلوباً من قبل الدولة. "لذلك اضطررت الى تزوير الأوراق لإكمال المعاملات عند الأمن العام".

وتروي ناريمان، وهي عراقية مولودة في لبنان، قصة خروجها من العراق بعد تعرض والدها "الذي كان يعمل مع النظام العراقي السابق للملاحقة من قبل الميليشيات، الذين دخلوا منزلنا وهددوني بالسلاح لأعطيهم أي معلومات عنه". واستطاعت ناريمان المجيء بأوراقها الرسمية الى لبنان مستعملة تأشيرة سياحية، وعند محاولتها اصدار اقامة عمل جوبهت بالرفض من قبل الأمن العام بسبب تباين في أوراقها الرسمية. وعن سبب هذا التباين تقول ناريمان أن "النظام السابق كان قد أجبر العراقيين المولودين في الخارج على وضع العراق كمكان للولادة على شهادة الجنسية، ولم يكن قد ألغيّ القرار بعد عند مجيئنا الى لبنان حيث قدمت أوراقي حسب القرار القديم". لكن العمل بهذا القانون ألغي مؤخراً في العراق وأعيد مكان الولادة الصحيح الى شهادات الجنسية مما أدّى الى ظهور تباين بين الأوراق الصادرة حديثاً والأوراق القديمة. "أعطيت مهلة شهرين فحسب لترتيب أوراقي، أو أرحل خارج البلاد وقد مرّ أكثر من عام على انتهاء المهلة من دون أن أستطيع الاتيان بأوراق جديدة من العراق بسبب سوء الأوضاع الأمنية". وتتكرر هذه المشكلة مع العديد من العراقيين المولودين في الخارج والذين يعانون الأمرّين لجلب أوراق ثبوتية جديدة. وتعيش ناريمان حالة خوف من الترحيل وخصوصاً بعد سيطرة الميليشيات المتطرفة مؤخراً على مناطق واسعة من العراق.

increase حجم الخط decrease