الثلاثاء 2018/03/20

آخر تحديث: 11:48 (بيروت)

دنيا فقدت بصرها: قدوة تدير مدرسة

الثلاثاء 2018/03/20
دنيا فقدت بصرها: قدوة تدير مدرسة
تحرص دنيا على تأمين حاجات تلامذتها ليتمكنوا من تحقيق آمالهم
increase حجم الخط decrease

فقدت بصرها ولم تفقد بصيرتها وعزمها، وقد أضاءت لها البصيرة مسيرتها ومكّنتها من تبوّء مراكز قيادية في مجتمعها، ولا حدود أمام تحقيق أحلامها رغم العتمة التي تغطّي عينيها المطفأتين. إنها الشابة دنيا الصباحي، 33 عاماً، تروي لـ"المدن" قصتها بلا ارتباك، بل بفخر واعتزاز. تقول: "أنا من بلدة كفردنيس- قضاء راشيا في البقاع الغربي، بدأت في سن 13 أُعاني ضعفاً خفيفاً في بصري، وما لبث أن راح يزداد رويداً رويداً إلى أن فقدته في سن الـ23 جراء نشاف في شبكة العين وضيق في مجال البصر".

دنيا التي كانت متفوقة في مدرستها، لم تكن تعتقد يوماً أنه يمكن أن تخسر بصرها، وكان حلمها التخصّص في مضمار الطب بدلاً من علم الاجتماع. ورغم الصعوبات التي واجهتها أثناء دراستها في الجامعة وحزنها مما أصابها، ورفضها التام واقعها المؤلم الذي اقتحم حياتها، "تخرجتُ من الجامعة اللبنانية في زحلة، وأصرّرت على أن أكمل دراستي في التنمية الإقتصادية- الاجتماعية مع ما رافق ذلك من تعب نفسي ومعنوي وقلق عائلتي عليّ، خصوصاً أنني في تلك المرحلة لم أكن أعرف أحداً ممن هم بمثل حالتي ليرشدني إلى مركز خاص بالمكفوفين يساعدني على تجاوز إعاقتي".

دنيا الذكيّة والمثابِرة، التي استطاعت بإرادتها تخطي مشكلتها، أبت البقاء في المنزل والاستسلام لواقعها، بل بحثت عن فرصة عمل وعن وسائل تقنية لفاقدي البصر تتيح لها العمل باستقلالية ونجاح. "توجهّتُ إلى جمعية حرمون التي تعلّمت فيها لغة البرايل الخاصة بالمكفوفين وتدرّبت على البرامج الناطقة المحمّلة على الكمبيوتر، ثم توليت تدريس مادتَي الرياضيات وعلوم الحياة للصغار لمدة 4 سنوات".

ماذا بعد الجمعية؟
كانت الانطلاقة من الجمعية، ومع مرور الوقت وجدت دنيا أنها لم تعد تلّبي طموحها، فغادرتها، وراحت تقدم طلبات توظيف. هل تحقق حلمها؟ تجيب: "بعد شهر، استدعاني مؤسِّس مركز حياة لرعاية الأيتام الدكتور بسام طراس واقترح عليّ استحداث مركز "البصيرة" للمعوقين بصرياً في راشيا، وطلب مني إعداد مشروع يتضمن برنامج تدريب نحو 60 كفيفاً بين لبنانيين وسوريين على استخدام الكمبيوتر، تقوية اللغات، تنميّة الشخصية وغيرها، وقد أنهينا العمل خلال خمسة أشهر وتسلّمت إدارة المركز من العام 2014 إلى نهاية العام 2016".

من "بصيرة".. إلى "حياة"
كانت التجربة الأولى لدنيا في العمل، في مركز بصيرة، ناجحة، كما تصفها. تضيف: "رغب الدكتور طراس في تكرار التجربة معي بعدما قدّر التزامي وجديّتي في العمل، فكلفني إعادة هيكلة جديدة لإدارة مركز حياة، علماً أنها مهمة صعبة ومسؤولية أكبر يحمّلني إياها إيماناً منه بقدراتي وكفاياتي".

من منزلها إلى مركز عملها، طريق يومية تسلكها دنيا كل صباح. تسير برفقة عصاها إلى المركز الذي تديره لتأهيل الأيتام واللاجئين السوريين واللبنانيين في البقاع ورعايتهم. كيف يستقبلها التلاميذ فور وصولها؟ "يتجمع حولي الأطفال لتحيّتي، أسألهم عن أحوالهم، أحفظهم اسماً اسماً رغم أنني لا أتمكّن من رؤيتهم". تحرص دنيا على الإشراف على كل شاردة وواردة في هذه المدرسة الخاصة للتأكد من حسن سير الأمور بشكل يومي. مهمتها ليست سهلة، تؤكد، "لقد فقدت بصري منذ تسع سنوات في مجتمع لا يعرف كيف يتعامل مع الكفيف، ما شكّل لدي حافزاً كي أتعلّم وأتقدّم، لأن القوّة الداخلية التي استمديتها نتيجة الاحساس بالاختلاف عن الآخر دفعت بي إلى تجاوز كل العقبات حتى تمكّنت من إدارة مركز حياة، الذي يستقبل أكثر من 150 تلميذاً ونحو 30 موظفاً بين مشرفين وعمال أتعامل معهم بشكل تلقائي".

هذه الشابة التي تتابع الماجستير في التنمية الاقتصادية- الاجتماعية، هي قدوة للمحيطين بها. تنهمك دنيا في مكتبها بأعمالها المعتادة، تجيب على الرسائل وتكتب تقاريرها اليومية وتطلع على جداول الدروس وكل الملفات من دون أي عوائق. تقول: "ليس لدي أي مشكلة تقنية لناحية استخدام الوسائل المساعدة للمكفوفين، وأنا أستعملها على نحو طبيعي بحيث بات كثيرون في الكادر التعليمي أو غيرهم ينسون أن لديّ مشكلة بصرية".

تحرص دنيا على تأمين حاجات تلامذتها ليتمكنوا من تحقيق آمالهم بمستقبل واعد. وهي تشدّد على ترك بصمة في مجتمعها وقد أثبتت عبر تجربتها في الإدارة التربوية أنها قادرة على كسر الحواجز أمامها متسلحّة بعلمها وعملها المباشر مع الصغار والكبار. ما يمكن أن يقودها إلى إدارة مؤسسات كبرى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها