الأربعاء 2018/03/14

آخر تحديث: 11:19 (بيروت)

رحيل ستيفن هوكنغ: هذه حكايته مع "الانفجار الكبير"

الأربعاء 2018/03/14
رحيل ستيفن هوكنغ: هذه حكايته مع "الانفجار الكبير"
لم يمنع الداء الشاب ستيفن من إنهاء الدكتوراه في سن 24 (Getty)
increase حجم الخط decrease
عن 76 عاماً، الأربعاء في 14 آذار 2018، غادر ستيفن هوكنغ هذا العالم، الذي كان من أشهر من اهتموا بإرهاصاته، وأكثر من وضعوا النظريات في شأنه نبوغاً. نظريته عن نشأة الكون، المسماة Big Bang، "الانفجار الكبير" أو "الانفطار البدئي"، تظل الأكثر مصداقية واعتماداً من جانب العلماء، بإجماع نادر. 


حقق هوكنغ شعبية نادرة، طالت حتى الشباب، الذين يتركز اهتمامهم عموماً على أشياء لا تمت إلى العِلم بصلة. وإلى رصانته كعالم، أضاف رصانة أخلاقية بالالتزام بمواقف نبيلة تجاه قضايا عادلة. فمثلاً، في العام 2009، تميز بموقفه المستهجن للعدوان الإسرائيلي على غزة. وفي العام 2013، امتعضت منه مجدداً بعض الأوساط الغربية عدما قرر مقاطعة إسرائيل أكاديمياً، وناشد أقرانه أن يحذوا حذوه، ورفض المشاركة في مؤتمر علمي دولي عقد في تل أبيب.

لكن، يجهل البعض أشياء أخرى عن العالم البريطاني الفذ. فمثلاً، لا يندر أن نشاهد مسلسلات خيال علمي تضمُّ شخصياتها عالِماً عبقرياً، إنما معوق جسدياً، يتنقل على كرسي متحرك. يلجأ إليه أبطال المسلسل لحل معضلاتهم العلمية، فيتحفهم باستنتاجاته السديدة. تلك الأدوار الخيالية مستلهمة من شخص هوكنغ.

ولد ستيفن ويليام هوكنغ في أكسفورد (إنجلترا). فأسرته تركت لندن إبان الحرب العالمية الثانية وانتقلت إلى تلك المدينة هرباً من غارات الطائرات الألمانية البومية. أما تاريخ ميلاده، فحمل "إشارة" في رأي مريديه: 8/1/1942، أي "بَعد 300 عام ضبطاً من وفاة غاليلو" (العالِم الإيطالي الذي أثبت نظرية مركزية الشمس، وليس الأرض، في نظام الكواكب، ما عُدَّ هرطقة وكفراً، وأدى إلى إحالته إلى محكمة دينية في العام 1633).

اهتمَّ هوكنغ بموضوعي الزمن والكون، اللذين بدأ منذ نعومة أظافره يتساءل عن كنهيهما. تلميذاً، تطلع إلى دراسة الرياضيات، بينما تمنى والده أن يصبح طبيباً. أما أمه، فلم تفكر بمسألة خياراته بسبب انهماكها في العمل السياسي، ضمن الحزب الشيوعي البريطاني. في النهاية، لم يدرس هوكنغ لا الرياضيات (أمنيته) ولا الطب (أمنية والده)، بل درس الفيزياء في جامعة أكسفورد، التي لم تكن تضم فرع رياضيات وقتها. وحصل على بكالوريوس في العلوم الطبيعية بسهولةٍ حسده عليها زملاؤه ممن ثابروا وسهروا ولم ينالوا الشهادة. فهو لم يجتهد سوى ما مجموعه بالكاد 1000 ساعة خلال سنوات الدراسة الثلاث، مثلما اعترف لاحقاً.

ثم سجل في "معهد الفلك" في جامعة كامبردج لتحضير الدكتوراه. وشكل العام 1963 فترة حافلة بالأخبار له، منها سارة ومنها محزنة. ففي حفل نهاية السنة، التقى الشابة جين وايلد، طالبة الأدب البرتغالي، واقترن معها لاحقاً، فأنجبا 3 أولاد. هكذا بدأت السنة وردية اللون، بألوان مرح الشباب الزاهية.

لكن، في الشهر التالي من السنة نفسها، تمّ تشخيص إصابة هوكنغ، في سن 21، بمرض التصلُّب الجانبي، بمضاعفات الضمور العضلي، المسمى "متلازمة لُو غيريغ" و"متلازمة شاركو"، الذي يفضي إلى تدمير الخلايا العصبية المُحرِّكة والشيخوخة المبكرة، ثم الموت السريع في 95% من الحالات. تبين أن هوكنغ من بين الـ5% "المحظوظين"، ممن يسلمون من تلك النهاية الحزينة.

لم يمنع الداء الشاب ستيفن من إنهاء الدكتوراه في سن 24، والاستغراق في التفكير ووضع نظريات معقدة، ونشر مقالات علمية ذاع صيتها عالمياً، وتأليف كتب شغفت بها أجيال، أشهرها "الوجيز في قصة الزمن". كما لم ينهه وضعه الصحي عن تعميق المعرفة بأسرار الجاذبية الأرضية ونشوء المادة وكيفية بدء الكون والمجرات، وتخيل الفرضيات حولها. وبالتزامن مع احتداد مرضه، تزايدت شهرته وارتفع مقامه بين الأوساط العلمية العالمية. بدأ يفقد تدريجياً القدرة على تحريك أطرافه. فصار يتنقل على كرسي متحرك. لكنه كان يزداد إصراراً على السعي إلى إيجاد حلول لألغاز فيزيائية حيَّرت العلماء عقوداً، لاسيما العلاقة بين "النسبية العامة" ومبدأ الـ"لاحتمية".

وإذ اهتم هوكنغ بالفيزياء النظرية بشكل لافت، فلأن إعاقته لا تسمح بإجراء تجارب عملية أو ممارسة التدريس. في المقابل، أتاح نبوغه الغور في أعمق المتاهات الفكرية. وبسبب وضعه، تحولت جين وايلد الصبورة إلى زوجة وممرضة في آن. غيابها الاستثنائي جعله يدرك أنها حقاً "نصفه الآخر"، النصف غير المشلول. إذ كابد في تدبير أموره بنفسه حين اضطرت إلى المكوث في لندن لإنهاء أطروحتها. وبعض الأمور، التي تبدو ضئيلة في عيني شخص سليم، تتخذ أبعاد "المأساة" لمن حُرم من العافية. مثلاً، أصبح مجرد وصول هوكنغ إلى الجامعة معضلة، وهي تبعد من منزله بضع مئات من الأمتار. لذا، بادرت جامعة كامبردج إلى تأجير بيت جميل بحديقة للزوجين هوكنغ داخل حرم الجامعة. ما شكل استثناءً فريداً في تاريخ المؤسسة العلمية العريقة.

ومع مطلع سنوات 1980، لم تعد جين تقوى على تسيير شؤون المنزل، ومتابعة أبحاثها والاهتمام بالأولاد وبزوجها. فاستعانا بطلاب من الجامعة لمساعدتهما في ذلك، مقابل سكن مجاني وأيضاً عون ستيفن القيّم لهم في إنجاز أبحاثهم وتحضير امتحاناتهم. رغم ذلك، اتفق ستيفن وجين على الطلاق في العام 1989، عقب عِشرة 26 سنة. وفي العام 1995، تزوج هوكنغ ممرضته إيلين ماسون. فكانت عِشرة على نقيض سابقتها: جين زوجة أصبحت ممرضة، وإيلين ممرضة أصبحت زوجة.

طبعاً، لا يمكن تلخيص مسيرة هوكنغ العلمية، لأنها من الغزارة بحيث يتطلب اقتضابها وحده كتباً. إنما لا مندوحة من التطرق إلى نظرية "الانفطار البدئي" المتعلقة بنشأة الكون. هوكنغ أكثر من تبحّر فيها، ووضع معادلات رياضية شائكة لإثباتها. وتنصبُّ النظرية على القول إنه، قبل نحو 14 مليار سنة، حصلت نقطة انقطاع، حددتها حسابات وتحليلات (أسهم هوكنغ في وضع قوانينها الرياضية)، أستُخلص منها أن المسافة بين المجرَّات كانت عندئذ تُقارب الصفر. بالتالي، كانت كثافة الكون غير متناهية. وتعززت الفرضية بدراسات عُمر النجوم وتباعد المجرات، وأيضاً المستحثات الإشعاعية المكتشفة في العام 1965. فهذه مشابهة لتلك التي تبثها الأجسام عند درجة حرارة 3 تحت الصفر المطلق، بينما يؤكد هوكنغ أنها ما تبقى من الانبعاثات الحرارية التي واكبت لحظات الكون الأولى.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها