السبت 2018/03/10

آخر تحديث: 09:02 (بيروت)

من هم "فدائيو البابا" السويسريون؟

السبت 2018/03/10
من هم "فدائيو البابا" السويسريون؟
بدأت قصة حرس الفاتيكان في العام 1506 (Getty)
increase حجم الخط decrease

الفاتيكان أصغر دولة في العالم، إنما تزورها سنوياً أعداد كبيرة لأسباب دينية أو سياحية. لا يُفوّت الزائرون فرصة أخذ صور تذكارية مع "الحرس السويسري" الشهير، الذي يسهر على أمن البابا ومباني الدولة المجهرية وشخصياتها.

منذ 5 قرون، وحرس الفاتيكان هم من السويسريين. فلماذا اختار "الكرسي الرسولي" عسكريين من بلاد المصارف والشوكولاتة والأجبان ومحطات التزلج الشتوية؟ ومن هم هؤلاء المجندون القادمون من بلد عُهد عنه الحياد والمسالمة أكثر من إنجاب المقاتلين؟

بدأت قصة حرس الفاتيكان في العام 1506، حين قرر البابا جوليوس 2 استقدام جند من سويسرا، معروفين بكونهم مقاتلين جبليين أشداء، وبوفائهم الذي يضرب به المثل. حتى المؤرخ الإغريقي القديم تاسيتوس أطرى بالمديح على إقدامهم، وأثنى على إخلاصهم لقوادهم، وأعجب ببلائهم الحسن في الوغى. فسويسرا، البلد المحايد المسالم في أيامنا، لعبت ماضياً دوراً حاسماً في تسيير السياسات الأوروبية عن طريق التحالف مع هذا الفريق أو ذاك، ما كان يرجّح كفّة الحليف على الأغلب.

ذلك ما حصل في العام 1512 عندما انتصر جوليوس 2 على خصومه الإيطاليين بفضل مرتزقته السويسريين. فلم يندم على "الاستثمار" باستقدامه إياهم قبل 6 أعوام من الوقيعة. ففي تلك الأزمنة، حيث كان الأوربيون يخرجون بالكاد من همجية القرون الوسطى، لم تكن صفة "مرتزق" تشكل عيباً. وكانت الفاقة التي يعانيها سكان جبال الألب، بوعورتها وظروفها المناخية الصعبة، تحدو بعدد منهم إلى الارتزاق بالتطوع في جيوش من يدفع بسخاء. وبذا كانت سويسرا تقوم بتصدير "اليد المقاتلة الأجنبية"... قبل أن تعمد بعد قرون إلى استيراد اليد العاملة الأجنبية.

صحيح أن المقاتلين السويسريين لم يتقنوا المدفعية، وما كانوا من الخيالة ولا طبعاً من "مشاة البحرية". لكنهم كانوا أفضل "مشاة برية" في أوروبا. استنبطوا طرقاً فريدة للتقدم بثبات نحو جحافل العدو، وكأنهم أسوار متحركة تخطو بالتناوب، داعمين تقدمهم الحثيث بدروع معدنية واقية تتكسر عليها سهام الخصوم. كما لا يجهل أحد أن السويسريين خبروا فن القاذوفات، أو الجُلاهق، تلك "البنادق" التي تطلق السهام الفتاكة بدلاً من الإطلاقات النارية.

ملوك فرنسا أيضاً استعانوا بالمشاة السويسريين، منذ عهد شارل 7، الذي بدأ بتجنيدهم والاستنجاد بهم في العام 1453. وحذا حذوه لويس 11 بعدما ذهل لرؤية 1500 مقاتل سويسري يتغلبون على 30 ألفاً من جنده قرب بازل السويسرية. وفي العام 1521، أبرمت معاهدة دفاع مشترك بين فرنسا و"الكانتونات" السويسرية، تقضي بالتزام الأخيرة بتأمين 6 آلاف إلى 13 ألف مرتزق تحت تصرف مملكة فرنسا بشكل دائم. في المقابل، تعهد الملك بحماية سويسرا من أي اعتداء خارجي.

في 22/1/1506 احتُفل رسمياً بانخراط الحرس السويسري في الفاتيكان، بوصول أول سرية، قوامها 150 فرداً. وفي العام 1479، كان البابا سيكستي 4 قد أبرم معاهدة تقضي بإمكانية اللجوء إليهم، وشيد لهذا الغرض ثكنات وخصص معسكراً لهم في الفاتيكان. ثم سعى البابا إينوسانت 8 إلى تطبيق المعاهدة لمواجهة خصمه دوق ميلانو، فيما استعان خلفه إسكندر 6 بهم لخوض حرب ضد أسرة بورجيا الإيطالية القوية، التي تحالفت بدورها مع عاهل فرنسا. وكانت دسائس تلك العشيرة فاحشة الثراء وراء حروب ومعارك ومناوشات ونزاعات كثيرة، شهدتها إيطاليا في القرنين 15 و16.

لكن البابا جوليوس 2 هو الذي استدعى السويسريين "رسمياً" واعتمدهم حرساً للفاتيكان. والسبب هو أنه عرفهم جيداً بعدما شغل منصب مطران مدينة لوزان. كما شارك في غزوات الملك الفرنسي شارل 8 ضد روما ونابولي، في العام 1495. فلمس رباطة جأش المرتزقة الأشداء القادمين من الجبال.

الآن، بعيداً عن التطاحن الأورو-أوروبي والأحلاف المتداخلة المتغيرة التي أدمت أوروبا قبيل بزوغ النهضة الأوربية، وإبّانها وبُعيدها، بات المرتزقة السويسريون يعيشون حياة هادئة من دون غزوات وحروب وحصارات وفتوحات وعنف طائفي وتعصب ديني. يرتدون بزاتهم التقليدية المخططة بالألوان الزاهية: البرتقالي والأزرق الغامق والأحمر، ويحملون أسلحة رمزية قديمة. هكذا هم اليوم "فدائيو البابا": أضحوا جزءً من الفلكلور، يكتفون بالابتسام أمام كاميرات السياح.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها