الأحد 2018/02/25

آخر تحديث: 09:40 (بيروت)

ناديا الكوافيرة: سيدات زحلة لم يتركنها تتقاعد

الأحد 2018/02/25
ناديا الكوافيرة: سيدات زحلة لم يتركنها تتقاعد
تقاعدت ناديا من دون أن تتخلى عن المشط والسشوار (لوسي بارسخيان)
increase حجم الخط decrease
ناديا حداد، ليست اسماً واسع الشهرة في عالم تصفيف الشعر، إلا أنها "كوافيرة" لا تستبدل بأشهر مزيني العالم بالنسبة لسيدات متقدمات في السن في زحلة، تربطهن بها علاقة صداقة عمرها نحو 50 سنة من عمر صالونها، قبل أن تقفله نهائياً منذ نحو سنة، ملبية رغبة بعضهن في تسريح شعرهن في المنزل.


في حي مارالياس، في زحلة، أنشأت ناديا صالونها الذي هرم. يذكر أبناء الحي كيف كانت الأمهات يستيقظن بعد منتصف الليل في أيام العيد للتوجه مع بناتهن فجراً إلى صالون ناديا، الذي لم يكن يتسع للزبائن فيجلسن على قارعة الطريق بإنتظار دورهن.

تروي ناديا لـ"المدن": "في ليلة عيد الفصح كنا أنا وزوجي نعمل حتى الخامسة فجراً. ومن ثم نتوجه مباشرة إلى اللحام لنفك صومنا بالقصبة النية".

شريكا الحياة التقيا في المهنة، واشتركا أيضاً في تأسيس صالونهما، قبل أن يبتعد زوجها شفيق عن المهنة اثر اصابته في انفجار في أحداث زحلة. فتسلمت ناديا المهمة وحدها، في مسيرة لم تخلُ من شقاء، تنساه عندما تتحدث عن chingon وmis en plis اللذين كانت تبرع بهما، حتى باتت "من أشهر من رفع شعر السيدات في المدينة".

"بدأت العمل باكراً بسن 13، عندما اصطحبتني ابنة الجيران إلى الصالون الذي تتدرب فيه لتقص لي شعري. وهناك تعرفت إلى بنات أكبر سناً أقنعنني بالانضمام إليهن صيفاً. وبالفعل دعمت صديقتي طلبي عند والدي فسمح لها باصطحابي إلى الصالون صيفاً".

تضيف: "بداية فرحت كثيراً بالبخشيش الذي أجنيه، مع أن والدي لم يكن يبخل علي بالمصروف. لكن كإبنة 13 سنة أغراني الأمر وشعرت برغبة في ترك المدرسة للبقاء بالعمل. مجدداً رفض والدي، وأصر على ذهابي إلى المدرسة، ليعود عن قراره مع تراجع مستواي الدراسي وعدم سعادتي بالدراسة مجدداً".

إلا أن الفرح الذي شعرت به بإنتقالها للعمل في صالون جورج الحداد لم يكن حالة دائمة، بل تروي نادياً "في السابق كان permanent للشعر يتم أما بالزيت أو على البخار، وكانت وظيفتي تقطيع الجرائد لنضعها في قطعتي المنيوم مع قطع قماش مغطسة بتركيبة لصاحب الصالون. فيلف عليها الشعر ويحمى ويترك ليبرد، لتبدأ مهمة فكها وفصل قطع الألمنيوم عن محتوياتها المتحولة رماداً. كان الأمر بالنسبة الي عذاباً، وكنت في أحيان كثيرة أتألم وأبكي. لكني حينها كنت قد علقت، ولم يعد أمامي خيار آخر. لذلك، قررت أن أبقى في المهنة وأتعلم".

اكتشفت ناديا سريعاً أهمية الخبرة في المهنة. إذ إن الموضة حينها كانت "الرفع" و"من لا يتقنه لا مكان له في مجال تصفيف الشعر".

بعد اكتسابها مهارة لفترة، صار لها زبائن في المنازل. في أيام العيد نظمت أوقاتها على الشكل التالي: "كنت أذهب إلى زبوناتي ليلاً. الف شعرهن بالبيغودي، متنقلة من زبونة إلى أخرى، وأعود إليهن في الفجر لتسريح الشعر، قبل أن أعود مجدداً إلى دوام العمل".

هذا النظام انتهى لدى تأسيسها في سن الـ18 صالونها مع خطيبها شفيق. إلا أنهما في هذه الفترة قبلا فرصة توفرت لهما للذهاب إلى ليبيا، بعدما أعجب صاحب صالون هناك بتسريحاتها، كما تقول، "وكان بحاجة لسيدة مع خبرة لتعمل معه اثر قرار للنظام الليبي منع بموجبه الرجال من تصفيف شعر النساء".

قبلت ناديا الفرصة. "لكن بشرط أن يرافقني خطيبي إلى ليبيا". وبالفعل لحق بها بعد 15 يوماً مع فرصة عمل مختلفة. ومع أن ناديا كانت ترغب بالعودة إلى لبنان فور وصولها إلى ليبيا، أمضت هناك ثلاث سنوات، كان خلالها "البخشيش أكبر من الراتب". فحققا نتيجة سريعة سمحت لها ولزوجها بالاستقرار في زحلة حيث استأنفا العمل في صالونهما، الذي بقي في المكان نفسه منذ 48 سنة.

نقلت ناديا معها خبرة اكتسبتها في الصالونات التي عملت فيها باستثناء permanent، الذي لم يكشف لها "المعلم جورج" سر تركيبته، فتوجهت إلى تركيباته الجاهزة.

كانت الصالونات حينها تستخدم postiche بدلاً من الاكستنشن. أما السبراي فلم يكن بالمتناول، إلا بكمية بخة واحدة توضع على الشعر بعد أن يثبت بتركيبة يدوية تتألف من السبيرتو الممزوج بالفوني، وهي مادة لاصقة تشترى بالاوقية. وكانت تستخدم البيرة لترطيب الشعر. أما الموس، فلم يكن يستخدم إلا للزبونة المستعدة لدفع ليرة إضافية.

كان تصفيف الشعر حينها يستغرق وقتاً طويلاً، حيث تجلس السيدة لساعات تحت المجفف الثابت بعد لف شعرها بالبيغودي، لينفش بعدها خصلة خصلة حتى يأخذ شكلاً يدوم أسبوعاً كاملاً.

وتقول ناديا: "رغم الجهد والوقت الاضافي الذي كانت تستغرقه المهنة، لم يكن الكوافير طماعاً، بل لم نكن نحدد تسعيرة للعروس، ونترك لها حرية دفع ما تشاء بحسب قدرتها. وأغلى بدل تقاضيناه وصل إلى 50 ليرة حينها".

تقاعدت ناديا من دون أن تتخلى كلياً عن المشط والسشوار. فلا أحد غيرها يفهم "رأس بعض السيدات المعتاد على تنفيش الشعر". وأمام اصرارهن لاتزال ناديا تتردد عليهن في منازلهن من دون تأفف، بل تقول: "من هؤلاء استمد سعادتي بالبقاء في جو مهنة. ففضلُها كبير على عائلتي وأولادي الأربعة، الذين كبروا من خيرها، ليصبح أولادهم الآن كل اهتمامي".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها